الأديبة زينب السعود: الكاتب لا يكون مسؤولاً إذًا إلا كان منحازًا لقضايا مجتمعه وأمته

الأديبة زينب السعود: الكاتب لا يكون مسؤولاً إذًا إلا كان منحازًا لقضايا مجتمعه وأمته

ما بين أسئلة المشهد الثقافي المحلي من جانب، والمشهد الثقافي العربي من جانب آخر، نطوف بمعية أحد كتابنا المبدعين، هو أو إحدى كاتباتنا المبدعات، مما يتيح لنا سبر أغوار مشاغل ومختبرات المبدعين، والاستماع لأصواتهم الداخلية، ورؤية المشهد الثقافي من حيث ينظرون، وصولا إلى تحقيق فهم وتفاعل وتواصل أكثر إيجابية بين الطرفين، إضافة إلى محاولة جادة لتحريك الساكن في المشهد الثقافي وجعله أكثر تفاعلا وتأثيرا…

وفي الحوارية الآتية نحلّ ضيوفا على الأديبة زينب السعود…

هيئات ثقافية كثيرة من حيث العدد، في مختلف مدن المملكة، منها ما هو رسمي ومنها ما هو أهلي، ترى، وبحسب ما ترين شخصيا، ما مدى فعالية تلك المؤسسات، بوصفها مراكز تنوير وتثقيف، على أرض الواقع؟ ومن ثَمّ كيف تنظرين إلى وزارة الثقافة وما تقوم به بهذا الصدد؟

– بداية اسمح لي أن أرحب بهذه المبادرة الطيبة من «الدستور» لإثراء المشهد الثقافي الأردني ثم اسمح لي أن أتساءل: هل ما زال البعض يعتبر الثقافة نوعا من الترف الفكري والاجتماعي الذي لا يحدث تأثيرا ملموسا في النمو المعرفي لدى شرائح المجتمع؟ أو أن الذي تقوم به نخبة هاوية تجد فضلة في أوقاتها فتتجه إلى ممارسة العمل الثقافي؟ الثقافة كما أفهمها هي الوعي، والوعي حاجة ضرورية كالماء والهواء في حياتنا سيما ونحن نعايش كل هذه الخيبات في واقعنا العربي. ومما يبعث قليلا من الأمل في ظل هذا الواقع وجود مؤسسات تعنى بالشأن الثقافي وهي منتشرة على معظم الجغرافيا الأردنية منها ما هو رسمي ومنها ما هو خاص. ربما لا أكون مطلعة بالشكل الكافي على فاعلية هذه المؤسسات لأعطي حكما واضحا عن فائدة ما تقدمه من أنشطة ولكنني واثقة من أن المثقف الحقيقي لديه هاجس داخلي يؤرقه في كيفية إيصال الوعي والمعرفة إلى جمهور الشباب والمتلقين بشكل عام ووجود هذه الهيئات في الفضاء الثقافي في الأردن هو علامة إيجابية وهامة على مدى الاهتمام بجانب الفكر والكلمة ولكن تبقى معظم هذه الهيئات تدور في فلك نخبوي بمعنى أنها لا تستقطب إلا ذات الوجوه والأقلام فيبقى الطرح المعرفي فيها أحادي الصورة وهذا يتطلب من وزارة الثقافة أن تضع خططا تعتمد رؤية أفقية ممتدة لدعم المشروع الثقافي في المملكة بما يصل إلى أكبر شريحة في المجتمع الأردني خاصة شريحة الشباب وطلاب الجامعات إلى جانب ما تقوم به من جهود في رفع سوية الواقع الثقافي.

تحديات جمّة تواجهها المجتمعات العربية، ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، ترى هل تنتظرين دورا ما للمثقف، في (الاشتباك) مع تلك التحديات، أم لعلها ليست مسؤوليته؟

– إذا نظرنا بموضوعية إلى ما يجري حولنا من أحداث وخاصة السياسي منها والذي لا نستطيع فصله عن الحياة الاجتماعية سنجد أن أكثر المتأثرين بهذا الواقع هم أصحاب الأقلام والمفكرين والمهتمين بالجانب الثقافي لأنهم وببساطة يدركون أن هذه التحديات تتوجه نحو عقول الأفراد وتغزوها من كل الاتجاهات لتعيد تشكيل وعي يتناسب مع أهداف معينة كثير منها يدور حول إعادة صياغة الوعي المجتمعي بما يدفع للانسلاخ عن قضاياه المصيرية. وإذا أخذنا الأحداث الأخيرة في غزة نموذجا فإننا نجد أن الآلة الإعلامية لعبت دورا كبيرا في صراع الأفكار ولربما للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي مع كيان الاحتلال نلحظ هذا الوعي بعد أن ترسخ لدى الجميع أن نشر ثقافة واعية تواجه ما تقوم به الآلة الإعلامية العالمية التي يحركها الكيان الغاصب أصبح حاجة ملحة ومسؤولية تقع وجوبا على عاتق المثقفين وأصحاب القلم الذين عليهم أن يتعالوا عن الطروحات السطحية وتسخير أقلامهم للدخول إلى عمق ما تعانيه الأمة من ندوب.

ما مفهوم الكاتب الملتزم مجتمعيا في نظرك؟

– الالتزام نوع من أنواع تحمل المسؤولية والكاتب لا يكون مسؤولا إذا إلا كان ملتزما بالانحياز إلى قضايا مجتمعه وأمته لذلك إذا أردت أن أعبر عن فهمي الشخصي للكاتب الملتزم مجتمعيا أقول هو الكاتب الذي يسخر قلمه ليكون معبرا عن واقع ما يعانيه مجتمعه من مشاكل وأزمات ونجاحات أيضا فالمثقف ليس بومة ناعقة لا تصدح إلا في المصائب والملمات بل هو لسان حال كل حالة إنسانية وعليه أن يكون متواجدا ومتفاعلا وهذا أيضا لمسناه مؤخرا في تفاعل معظم الكتاب والشعراء مع الأحداث الجارية ونلمسه في كثير من الإبداعات المتجددة.

ما علاقة المثقف المنتج بالجهات الرسمية؟ هل تجمعهما علاقة تعاضد أم

تضاد؟

– دائما ما يوجه هذا السؤال إلى المثقف ودائما ما يكون الجواب نمطيا ومستظهرا لدى كثير ممن يتلقونه وحقيقة وددت لو يوجه هذا السؤال إلى السلطة ذات مرة على النحو التالي: من هو المثقف المنتج في رأي السلطة؟ وهل السلطة تسعى بصدق وشفافية إلى إيجاد هذا النوع من المثقفين؟

سأجيب إجابة فيها كثير من (الدبلوماسية) المثقف يتمنى دائما أن تكون علاقته بالسلطة على خير وألا يحول بينه وبين إبداعه حائل سلطوي ولذلك وبحكم ما أوتي من كياسة وفكر نجد المثقفين وأصحاب الكلمة يسددون ويقاربون حتى لا يفنى الذئب ولا تهلك الأغنام. ما يثيره المثقفون المخلصون وأصحاب الرأي والوعي يصب في مصلحة مجتمعاتهم والسلطة المتصالحة مع واقع المجتمع تعرف أن هذا يسندها ويدعم مواقفها ويشد من أزرها.

هل يمكن للمثقف تهيئة المزاج المجتمعي العام لتقبل أفكار جديدة؟

– أولا علينا أن نتفق على معايير ثابتة لنوعية الأفكار التي يمكننا أن نصفها بالنفع أو الفائدة أو الإيجابية المطلوبة للسير بالمجتمع قدما نحو التطور والازدهار غير متغافلين عن منظومة القيم التي مهما حاول البعض أن يروج لإقصائها تبقى هي الضامن المهم لصمود مجتمعنا العربي بشكل عام والأردني بشكل خاص أمام إعصار العولمة غير الواعية وغير المدروسة الذي يريد اجتثاث أصول الحضارات وأصول الأخلاق خاصة تلك التي تعود إلى العقيدة الإسلامية التي أرست مجموعة من قيم العائلة والمجتمع ونظمت علاقة الفرد بالآخر بما يضمن عدم انسلاخه عن مبادئه وقيمه الإنسانية العالية. وعودة إلى السؤال برأيي أن المثقف له دور كبير في ترسيخ الوعي وتصدير العلم والمعرفة وتوثيق العلاقة بين المجتمع وبين كل فكرة بناءة تخدمه وتنفع أبناءه وتسير بصورة مطردة مع متطلباته وتطلعاته.

عدوان شرس وطاحن ارتكبه الاحتلال الصّهيونيّ في غزّة، ترى ما إمكانية أن يُحدِث ذلك تحوّلا في مشهديّة الثّقافة والإبداع في الوطن العربيّ؟

– من الإنصاف أن نقول أنه ومنذ بداية عملية السابع من تشرين الأول البطولية التي ردت فيها المقاومة الفلسطينية على الاعتداءات الصهيونية المتكررة على الأراضي الفلسطينية والانتهاكات المسيئة في المسجد الأقصى وثأرا لدماء آلاف الشهداء الذين ضحوا بدمائهم منذ الاغتصاب الصهيوني لفلسطين ومقدساتها برزت كثي ر من الأعمال الأدبية المساندة التي تركز معظمها في الشعر وقد شاهدنا مجموعة من الشعراء يتنادون بجمع ما تجود به قرائحهم في ديوان (طوفان الأقصى) وأقيمت العديد من الفعاليات الثقافية التي ألقت الضوء على ما تشهده غزة وفلسطين من عدوان، هذا الحراك يحتاج إلى رعاية مؤسسية من الهيئات الثقافية الحكومية والأهلية التي عليها أن تضمن فاعليته على المدى الطويل على امتداد محافظات المملكة، أما على الصعيد العربي فأعتقد أن هناك حركة ثقافية مساندة لغزة وللحق الفلسطيني ولكن أكثرها على مواقع التواصل التي لا نستطيع أن ننكر أنها أصبحت جزءا من المشهد الثقافي وآمل أن نجد أعمالا أدبية توثق مشاهد غزة التي عشناها كلنا خلال الشهر الماضية كما علينا أن نركز على أهمية أدب الطفل في هذه المرحلة وأن ندرك تماما أن علينا مسؤولية كبيرة في توعية أبنائنا وتعزيز منظومة القيم وإخبارهم بالقصة الحقيقية لما يحدث من حولهم وأن لا نتركهم نهبة للأفكار الغربية التي تسعى لتدمير الأخلاق وتسفيه الأجيال.

كيف ترين واقع الأدباء الشباب في الأردن؟ وبحكم تجربتك الأدبية الممتدة، هل من كلمة تقولينها لهم؟

– في الحقيقة الواقع الأدبي في الأردن بشكل عام يحتاج إلى كثير من التخطيط وإعادة برمجة الأولويات وإعداد رؤية واعية للنهوض بواقع الثقافة في المجتمع وهذا بالضرورة ينعكس على الأدب الشبابي أو الأدباء الشباب فهم جزء أصيل من المجتمع. وقبل أن أتوجه إلى أي جهة أتوجه إلى الشباب أنفسهم وأقول لهم تقع على عاتقكم مسؤوليات كبيرة أولها تجاه أنفسكم وأقلامكم التي تحتاج إلى صقل بالإقبال على المعرفة الصحيحة والعودة إلى مراجعة أمهات الكتب والعلوم والثقافة التي تمكنكم من بلورة رؤية واضحة وبناء أحكام صائبة ثم التفاعل مع واقع مجتمعكم وعدم الالتفات إلى المثبطين أو من يقللون من دوركم والخروج من دائرة الأبراج العاجية التي تقضي على مصداقية الأدب وفاعليته.

في ظل العصر الحالي، ما هو الجنس الأدبي الذي تعتقدين أنه وبجدارة، أثبت أنه (ديوان العرب)، ولماذا؟

– كنت وما زلت أعتقد أن الشعر كما يعرف جميع العاملين في المجال الأدبي والثقافي هو ديوان العرب الحقيقي ولكنه تراجع عن هذا الدور في العصر الحديث بفعل عوامل كثيرة يطول شرحها ولكنني ما زلت أتلمس الشعر الجميل والمعبر عن القضايا الإنسانية والفكرية والأخلاقية ولكن من الواقعية أن نقول أن الشعر الآن فقد كثيرا من مكانته لصالح أجناس أخرى كالرواية والقصة والمقالة وآمل بكل صدق أن يعود الشعر الفصيح إلى مكانته وتقود القافية المشهد من جديد.

ماذا عن انشغالاتك الراهنة؟ ماذا تقرئين؟ ماذا تكتبين؟

– أعكف حاليا على قراءات متنوعة في مجال الفكر والنقد وتحضير بعض المقالات لعدة جهات ثقافية وأستعد للبدء بمشروعي الكتابي القادم إن شاء الله إلى جانب عملي في (الكوتشنج اللغوي) وهي مجموعة من اللقاءات والورش التي تساعد المهتمين في التأسيس اللغوي.