الماتريوشكا – سوار الصبيحي
تشتمل مجموعة “الماتريوشكا” للقاصة الأردنية سوار محمد الصبيحي على تسع عشرة قصة توزعت على 136 صفحة من القطع المتوسط.
وجاء في قراءة للروائي الأردني الراحل إلياس فركوح، تصدّرت المجموعة التي صدرت طبعتها الثانية عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمّان، أن اختيار الصبيحي “الماتريوشكا” عنواناً لمجموعتها “اختيارٌ واعٍ لفنّ القصة المتوالدة من أُخرى تشكّلُ نقيضاً لها أحياناً، أو مكملاً، أو مشاكساً، أو مجادلاً، أو شاهداً عليها ولها!”.
وأضاف فركوح: “هكذا كانت القصص داخل الكتاب، تتوالد من بعضها كاشفةً عن عوالم وشخصيات تتعارض في طموحاتها، وتختلف في رؤاها، وتتباين في تركيب شخصياتها؛ إناثاً وذكوراً، بعضها يقبع أسيراً للماضي يتغذّى عليه، بالمقابل من بعضٍ يتوق للمستقبل من غير وَجَل كأنه يريد أن يولد من جديد. بعضٌ يخلقُ لنفسه حياةً مما يحلم به، وبعضٌ يتحايل على حياته بتزييفها من خلال التلاعب بصورته”.
وتابع فركوح بقوله: “الماتريوشكا دمية روسيّة مجوفة تحتوي في داخلها دُمىً أصغر فأصغر تشبهها، أو تختلف عنها في تفصيل هنا أو هناك! ولأنها كذلك؛ فإنها قادرة على تحفيزنا لأن نذهب بعيداً في تأويلاتنا، ليس للقصص فقطـ، بل أيضاً لذواتنا نحن الأفراد”. ذاهباً إلى أن هذا الاختيار يمثل التقاطاً ذكياً يدلّ على عُمْق الكاتبة؛ فنحن “نتضمن في أعماقنا مجموعة تناقضات تتجلّى صارخةً، أو حاثّةً، أو خائنةً، بحسب المواقف التي نتعرض لها”.
أما القاص الأردني يوسف ضمرة، فقال في مقالته التي ذُيلت بها المجموعة التي فازت بجائزة الدولة الأردنية التشجيعية في حقل الآداب (2021): “تلجأ سوار الصبيحي إلى كل ما يلزمها لتبني لنا عالماً سريّاً أو غامضاً أو مكشوفاً لكثيرين منا، لكننا لا ننتبه إليه في مشوارنا الحياتي، أو نداريه أو نغطيه خوفاً على أنفسنا من المعرفة. كل ما تقوم به الصبيحي هو الكشف عن هذا الغامض والسري والمكشوف، وهو ما يعني تعريتنا أو مواجهتنا بمرآة ترينا أعماقنا، لا ملامحنا الخارجية وحسب”.
وأضاف: “تختار الكاتبة نماذجها التي نعرفها ونلتقيها ونمر بها ونصادفها دائماً في حياتنا، لكننا لا نعرف ما يدور في أعماقها وفي مشوارها؛ بل يمكن القول بثقة عالية: إن هذه الشخوص ذاتها لا تعرف حقيقة ما يدور في أعماقها من أسئلة ورضا وطموح وأمل ووحشة وخوف وغير ذلك. نحن أمام شخوص نكاد نعرفها لأنها قريبة جدّاً منا، بل نشعر بها تتحرك في دواخلنا كما لو أنها جزء منا”.
وتابع ضمرة بقوله: “هذه التجربة التي تنقلها لنا الكاتبة من خلال صورة فنية مكثفة هي التي تضعنا مباشرة أمام أنفسنا، ونبدأ في أثناء القراءة بطرح الأسئلة التي تتداعى بلا توقف: عمن تتحدث الكاتبة في هذه القصص؟ من هؤلاء الناس؟ هل ثمة مشكلات وقضايا وأفكار كهذه موجودة خارجنا من دون أن نعرف؟ وهل كنا كذلك طوال مشوارنا عبر السنين من دون أن ننتبه؛ هل سرقتنا الحياة من وجودنا إلى هذا الحد؟”.
ورأى أن هذه القصص تحيلنا إلى الدوافع التي تقف خلف الكتابة نفسها، أو إلى السؤال: “لماذا نكتب؟”. مشيراً إلى أننا بمقدار ما نُفاجأ بالتفاصيل العادية التي تتمكن الكاتبة من تنسيقها واستخدامها، فإننا لا نستطيع تهميش التقنية الفنية التي تجيد توظيفها.
وأوضح ضمرة أن الكاتبة تعتمد المقارقة في قصصها، وأن القصص “تُبرز قدرة الكاتبة على تطويع الوقائع العادية لتصوغ منها بنية فنية حية، قادرة على إثارتنا ولفت انتباهنا لما هو تحت القشرة الخارجية لنمط الحياة اليومية التي نحياها ونخشى على أنفسنا من منعطفات حادة قد تكون زلقة أو تودي بنا إلى مسارات مغايرة نحتاج وقتاً طويلاً للتأقلم معها، وإقناع أنفسنا والآخرين بها”.
نقرأ على الغلاف الأخير للمجموعة ما يشبه الخطاب الذي توجّهه الكاتبة للقارئ، ونصّه: “يُطلَب من القارئ عادةً عدم الاكتفاء بقراءة السطور، والتعمق في استنباط ما بينها. إلّا أني أطلبُ شيئاً مختلفاً.. هل تستطيع قراءة ما بعد السطر الأخير؟ إنْ أجبتَ بـ(نعم) فإنَّ هذا الكتاب قد كُتب لك. وإنْ أجبتَ بـ(لا)، فلا بُدّ أن تعطي مخيلتكَ فرصةَ نقلك –عبر قراءته– من موقع المتلقي إلى المشاركة في الحدث. تضم المجموعة قصصاً توصف بالقصيرة، إلّا أنَّ لها بدايات بعيدة، وأحداثاً متراكمة أقف فيها عند نقطة ما، تاركةً مهمة التأويل لك”.