استضافت مجموعة “آفاق اللغة الثقافية” في مركز شركة زين بمجمع الأعمال في عمّان الروائي الأردني قاسم توفيق في أمسية حوارية ناقشت خلالها روايته “لـيلة واحدة تـكفي” الصــادرة عن “الآن ناشرون وموزعون”، التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر لعام 2023.
ودار حوار موسع تحدث فيه الحضور الذي قرأ الرواية عن الجوانب الإبداعية والفنية في الرواية، مسلطين الضوء على الشخصيات الرئيسية في الرواية ومساراتها النفسية وأبعادها الجوانية التي تميز الروائي توفيق في تشخيصها وتصويرها وفق سياقات الأحداث التي رسمها لشخوص روايته.
وفي السياق ذاته جاءت الحوارات لتكشف عن تحركات الشخصيتين الرئيسيتين في مسرح محصور هو عبارة عن مطعم في مدينة عمّان في الليلة الأولى من شهر حزيران لسنة 1967، الذي جاء بأسوأ كارثة تمر على الأمة العربية في القرن العشرين، عندما منيت جيوش ست دول عربية بالهزيمة أمام إسرائيل، وما زالت الأمة تعيش آثارها وتداعياتها حتى اليوم.
وتحدث الحضور عن أن الرواية لا تتحدث عن نكسة حزيران بشكل مباشر، لكنها تخوض بعمق في الأبعاد “الجوانية” لنفسيات شخوصها، كاشفة عن هشاشة الإنسان العربي النفسية في تلك الفترة، في محاولة من الكاتب للتوقف على أحد أهم أسباب الهزيمة.
يقول قاسم توفيق في مستهل الرواية: “أما الخوف فقد حط رحاله واستوطن، وجعل سماء عمّان مكفهرة حتى اليوم”.
الخوف إذن هو سيد الموقف وكان ماثلا في الأجواء، ولكل مواطن عربي أسبابه ودوافعه التي تتحكم بمنسوب هذا الشعور لديه زيادة أو نقصانا، وقد تكون وجدان خائفة لوجودها وحيدة في هذا المكان مع ذيب، أو لبعدها عن البيت وقلقها على والدتها المسنة، أو لصوت الطائرات والقصف، أو من مصير الحرب، أو ربما لكل هذه العوامل، أما ذيب فكان متسربلا بالخوف طيلة مراحل حياته، والتي أطلق عليها، الحياة الأولى، والحياة الثانية، والحياة الثالثة، وقد أمعن الكاتب في وصف تفاصيل هذه الحيوات من نشأته إلى لحظة وجوده في هذا المسرح بلا تخطيط ولا تدبير إلا ما رسمه خيال الروائي.
وقد وجد الكاتب في هذه المناسبة فرصة مثالية للخوض في تلافيف نفس هذا “الذيب” مثالا لما كانت عليه نفسية الإنسان العربي في حقيقتها، ولعل في اختيار الاسم دلالة، إذ إن ذيب (الإنسان العربي) لم يكن ذاك القادر على مواجهة عدوه.
وقدم الكاتب شهادة خاصة عن الرواية مستنكرا مرور أكثر من خمسين عاما على كارثة حدثت في يوم واحد، وما زالت آثارها ومفاعيلها قائمة، كما كشف الكاتب الذي يحمل سجله الأدبي عشرين عملا روائيا لغاية الآن،عن علاقته بشخصيات الرواية وتفاعله معهم، وانفعالاته أثناء العمل على الرواية، وبعد صدورها وانتقالها إلى ملعب القراء. وقدم صورة مرحلية لعلاقته بشخوص الرواية سيّما ذيب ووجدان.متفكرًا فيما كشفه من معلومات عن شخص ذيب، مبررا ذلك بضرورات الخوض في أعماق ذيب وقراءة أسباب الخوف المستقر في عمق نفسه الأمر الذي هيأه ليكون مهزوما حتى قبل النكسة، ومثله كثيرون ولأسباب قد تتشابه أو تختلف.
وقد جرى حوار عميق وجاد بين أعضاء المجموعة والكاتب، وقد أشاد المشاركون بالرواية التي استطاعت أن تأسرهم بموضوعها وشخصياتها وأفكارها، معتبرينها إضافة نوعية للرواية الأردنية والعربية.
جدير بالذكر أن مجموعة “آفاق اللغة” هي مبادرة ثقافية قام بها مجموعة من السيدات والرجال المهتمين بالثقافة، تأسست عام 2022، وقد بدأت بعدد محدود لا يتجاوز العشرين شخصًا، وقد تضاعف العدد مرات. تعنى المجموعة باختيار الكتب المتميزة وقراءتها ومناقشتها بحضور ومشاركة الكاتب نفسه، مع التركيز على الكتاب الأردنيين.
يشار إلى أن الروائي قاسم توفيق أصدر من خلال “الآن ناشرون وموزعون” مجموعة من الروايات إضافة إلى رواية “ليلة واحدة تكفي” منها: “جسر عبدون”، و”حانة فوق التراب”، و”ميرا”، وقد أصدر الكاتب ما يقارب العشرين عملا روائيا لغاية الآن، وقد وصلت روايته ” ليلة واحدة تكفي” إلى القائمة الطويلة في جائزة البوكر 2023، وحازت روايته نزف الطائر الصغير على جائزة كتارا للرواية العربية 2018.