“وكالة الأنباء العُمانية”
تظهر الحرب في رواية “سارة وسيرافينا” للكاتب البوسني جواد قرا حسن، بوصفها فضاءً يمور بالأحداث التي قد تبدو غائمة وعصيّة على التفسير، وتمارس تأثيرها في المصير الإنساني الذي يقف أمامها مكتوف اليدين.
وتُلقي الرواية التي ترجمها إلى العربية إسماعيل أبو البندورة، الضوء على التفاصيل اليومية التي يعيشها الأبطال وسط حالة من الخوف تفرضها أجواء الحرب عليهم، إذ كان الكاتب معنيًّا بتوجيه الأنظار إلى معاناة شعبه وما تعرَّض له من مآسٍ لم تفرّق بين كبير وصغير.
وجاء في مقدمة الرواية التي تقع في 254 صفحة، أنها “تصف حالة ونفسية الإنسان المحاصَر الذي لا يلوي على شيء ويبقى أسير انكساره وحصاره، وتدخل إلى العديد من الخفايا التي تدور في خياله وتستدعي في خاطره كل مفردات الحياة السابقة وقت السلم والألفة، وتسد في هذا الخاطر إيماءات وبشائر الأمل والتفاؤل ليعود هذا الإنسان إلى انطوائيته وحسراته وآفاقه المسدودة”.
وتصف الرواية الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون”، الظلم الذي يُميت النفوس ويقهرها ويضعها في سراديب معتمة من المعاناة التي لا وجود فيها للضوء ولا للفرح، وتتناول حالة إنسان مقهور يستصرخ الضمائر لكي يعيش مثل بقية الكائنات ويخرج من الحصارات.
وتناقش الرواية قضايا وجدانية تتعلّق بالمشاعر والحب وذكريات الطفولة، ويغلّف الكاتب فيها آراءه بتأملات فلسفية تحاول الوصول إلى معنى الوجود الإنساني، الذي تصبح الأسئلة حوله ملحَّة في ظروف الحرب والقسوة والدمار.
نقرأ في أحد مقاطع الرواية: “إننا لا نعرف فقط بأننا لا نتذكر؛ لأننا لا نعرف كيف نتمعّن بشكل مضاعف في وعينا. إن يدَك تتذكر كلّ الأيدي التي صافحتَها، وكلّ المقاعد التي لمستَها، وكلّ الأوراق التي لامسَتها اليد أثناء الكتابة، إنها تتذكر كلّ ذلك، لكنّك لستَ مؤهّلًا لتُصغي إلى يدك، ولستَ في وضع تتعلّم فيه وتفهم ما تتحدث به إليك. لا نسيان، ولا زوال، فالموت هو مجرد تغيير في الهوية أو طريقة وجودها”.
ويتّسم أسلوب الكاتب بدقة الوصف ووضوح العبارة، وقد نجح المترجم في نقل العمل إلى العربية مع الحفاظ على روحه في لغته التي كُتب بها. ومن الأمثلة على ذلك ما يرد على لسان إحدى الشخصيات كاشفًا عن واقعها النفسي في آخر الرواية: “لقد حذّرَتني هانيا في أحد الأيام من أنني أقضي مزيدًا من الوقت في واقع موازٍ، افتراضي، أو من وحي الذاكرة، وليس في هذا الواقع الذي وهبنا إيّاه الله العزيز. قليلًا ما أخرج من البيت، ونادرًا ما أدخل أحد المحلات المليئة باللمعان المعدني، لا أطيق ربما ذلك اللمعان البارد والتخفّي البليد الذي تعرضه لي هذه المحلات. لذا يبقى عالمي مليئًا بالمحلات العزيزة، التي لن يشرب فيها أحد شيئًا أبدًا”.
يشار إلى أن جواد قرا حسن كتب الرواية والمسرحية والقصة القصيرة والمقالة، ونال العديد من الجوائز المرموقة، مثل: جائزة غوته (ألمانيا)، وجائزة هيردر (ألمانيا)، وجائزة معرض الكتاب في لايبزغ (ألمانيا)، وجائزة فرانز نابل (سويسرا). وقد تُرجمت روايته هذه إلى لغات عدة، وصُنِّفت في عداد أهم خمسين رواية على المستوى العالمي.