نوف منير الور
عندما تراها سترمقك بمقلتيها المكحولتين بـ«سكن» البارود، فوق مهجة قمحاوية اللون كسنابل الأرض المعطاءة بغزارة، إنها «فاطمة»، هي ليست امرأة من عصرنا، إنها الإنصاف الحقيقي لتاريخ النسوة الأردنيات اللاتي أنجبن الأحرار وقت الحصيد، سنابلا مملوءة بالخير والعطاء، «فاطمة.. حكاية البارود والسنابل» هي رواية أردينة بامتياز لابن العالوك البار الدكتور محمد عبد الكريم الزيود.
عندما تصلك، سيشدك الاسم، والملامح الأردنية المتجذرة فوق غلاف الرواية، هو التعلق بالمكان، والهوية الحقيقية، التي انطلق منهما الزيود ليروي رمق الثقافة الأردنية لأعمال روائية توثق مراحل مهمة من هويتنا الأصلية، قبل ان يشوبها تيار التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي التي أربكت منظومتنا الحضارية، وأدخلت إلى نسيجنا ألوانا ليست تشبهنا.
من يقتحم صفحات هذه الرواية، يعرف كيف بنيت هذه البلاد، وكيف يفرح أهلها بالعريس، وكم هو محوري أن تكون مفطوما على الشهامة، من يستسلم لكلمات الرواية يعرف كيف كبر الجيش، وكيف يزف الشهيد، سيدرك كل من يقرأ أن علاقة المسيحيين الاردنيين بإخوتهم المسلمين فسيفسائية متأصلة ومتجذرة، وليست وليدة اللحظة، كل من يغوص في أعماق «فاطمة» سيعرف جيدا كيف عاشت هذه البلاد الطاهرة حياتها على يد ابناءها المخلصين.
إن انحيازي لقراءة الرواية ليست فقط المعرفة المميزة بشخص الكاتب وشخصيته المسكونة بحب الوطن، فلم يكتب يوما سردا سطحيا ولم يبتعد بقلمه الحر عن قوميته العربية، إن انحيازي هذه المرة كان أكبر للمكان، لـ»الزرقاء» المدينة التي أحب، والتي رسمت ملامح ثلاثة عقود من عمري، إن وصفها متدرجا بين ألويتها وقراها في فترة زمنية لم أعاصرها، حمل إلى قلبي الكثير من الشغف لقراءة الرواية المعبقة برائحة المكان، واستكمال حلقات المدينة التي أنجبت العسكر وما زالت تنجب الأحرار شأنها كوطن أبيّ كبير اسمه الأردن.
«فاطمة» هي جزء حقيقي من تاريخ هذه الأرض، يجب أن يدرَّس جيدا لجيل سرقته الفضاءات و»سلخته» عن جلده وابناء جلدته، فاطمة ليست رواية فقط انما هي إنعاش للذاكرة، ودواء للاستيقاظ من الغيبوبة لكل الذين سرقهم تسارع الانترنت وجرفتهم سيول التحضر فانستهم أين تكمن الحضارة، للزيود وكل من يكتب للوطن وعنه، تنحني القامات.
«فاطمة» مؤرخة وطنية بامتياز، بفتح الراء وكسرها، بسردها وحواشيها وتفاصيلها، نسجت «مدرقة» أردنية من الطراز الرفيع.
نشر في (الدستور) الأردنية
الاثنين 19 حزيران