جعفر حسّان… السياسة أم الاقتصاد في الأردن؟

جعفر حسّان… السياسة أم الاقتصاد في الأردن؟


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    لو كنتَ مراقباً وصحافياً فضولياً، لرغبت في أن تكون في عمّان، في هذه الأيام، بعد الانتخابات النيابية أخيراً، ورحيل واحدة من أطول الحكومات عمراً، وأقلّها شعبية، حكومة بشر الخصاونة، ليكلّف العاهل الأردني مدير مكتبه الخمسيني، جعفر حسّان، تشكيل الحكومة. أمّا أن تكون في عمّان، فلنمائم الصالونات السياسية لذّة قلّما تشهدها في الشكل ذاته في عواصم عربية أخرى. والصالونات تلك ملتقيات سياسية موازية للعمل السياسي الرسمي في البرلمان أو الحكومة، وتضجّ اليوم بالحديث عن التشكيل الحكومي، وعن وسامة القادم الجديد إلى مقرّ رئاسة الوزراء في الدوار الرابع (في جبل عمّان)، والأصوات المعارضة، والمتحفّظة أيضاً، وعن كثيرين ممّن يدّعون معرفة الكواليس، وممّن يحذّرون من المستقبل… إلخ، لكن لرئيس الوزراء الجديد تصوّرات وشخصية سياسية مختلفة إلى حدّ ما، قد تلعب دوراً في تغييرٍ ما في قواعد اللعبة السياسة في الأردن، أو أنّه يعجز عن تجاوز تلك القواعد، فيمر كما مرّ كثيرون قبله، وهذا ما يستحقّ بعض التحليل.

    وجعفر حسّان من مواليد جنوب عمّان، خريبة السوق، ويُكرر محبّوه، وبعض أقاربه، أنّه أصبح أوّل رئيس للوزراء من جنوب المدينة، وفي هذا دلالات مهمّة لمدينة تقسّم نفسها دوماً على أساس طبقي بين الغرب والشرق، والشمال والجنوب، لكنّ جعفر لا يمكن أن يوصف بأنّه من هناك طبقياً، بتعليم عالٍ من أعرق الجامعات الغربية بين فرنسا والولايات المتّحدة، وخبرة عمل رسمي في السلك الدبلوماسي الخارجي، واستلام لحقيبة وزارية، والعمل بالقرب من العاهل الأردني عبد الله الثاني، وتولّى فيها إدارة مكتبه مرّتَين. وهو من النُّخَب التي أُفرزت واستَقطبها الملك حين تولّى سلطاته الدستورية، فهو من “رجال الملك” الجدد آنذاك، بامتياز، مثل عدة نخب أردنية قُرِّبت من القصر، بحكم تصوّراتها السياسية الاقتصادية التي تتطابق مع تصوّر الملك ورؤاه، وليس باعتبارهم مُجرَّد مُنفِّذين.

    لكن هذه السيرة بذاتها لا تكفي لمحاولة فهم السياسة التي سيتّبعها رئيس الوزراء الجديد، ولعلّ في كتابه “الاقتصاد السياسي الأردني: بناء في رحم الأزمات” (الآن ناشرون وموزّعون، عمّان، 2020)، ما يعبّر عن تصوراته السياسية، أو الاقتصادية بشكل كبير، ويساهم في رسم ملامح سياساته المتوقّعة، وما يمكن أن ينتج منها سياسياً، ولعلّها تضيء التحدّيات التي قد يواجهها.

    الدولة الاتكالية

    يصكّ جعفر حسّان مصطلحاً لوصف الدولة الأردنية منذ تأسيسها، بديلاً من مصطلح الدولة الريعية، ويعرّفها بـ”الحالة الاتكالية” ‏التي “تكوّنت في النموذج الاقتصادي الأردني القائم على المساعدات المُقدّمة للحكومة من ناحية، وتحويلات القطاع العام والمغتربين للقطاع الخاص من ناحية أخرى”. وإذا كان هذا على مستوى البنية الاقتصادية، فإنّ تلك الحالة انتقلت، وفقاً للمؤلف، “إلى المجتمع وسوق العمل والقطاع الاقتصادية محدثةً تشوّهات هيكلية كبيرة ‏وسادت في القطاع العام ومؤسّساته وامتدت إلى القطاع الخاص أيضاً”. انعكس هذه التشوّه الهيكلي الذي يتحدّث عنه جعفر حسّان في أوجه سياسية عدّة، لا بل بات في مرحلةٍ ما من أكثر العقد السياسية – الأمنية أهمّية للدولة.