“دورا سلوان وادي السير وبالعكس”.. ألاجئٌ أنتَ أم نازح؟

“دورا سلوان وادي السير وبالعكس”.. ألاجئٌ أنتَ أم نازح؟


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    رقية العلمي

     

    ما تاريخ القضية الفلسطينية ومسيرات شعبها إلا حروب وهجرة ، على الرغْم من ذلك ما زال الانتماء لفلسطين متجذر داخل الوجدان الفلسطيني ولم يخبُو رجاء العودة طوال ستة وسبعون سنة عمر النكبة.
    تتشابه السير الذاتية والمذكرات للأجئ الفلسطيني محورها نكبة 1948 وما تعرضت له العائلات من مآسي الهجرة وتبعاتها، في واقع وجد فيه الفلسطيني نفسه يعيش حياة ما خطط لها، مما عكس تلقائيًا على تذكرات اللاجئين وسير الكُتاب المدونة، معظمها يحاكي وجع الانخلاع من الأرض والسكن في مخيمات اللجوء وخوض غصبا تجربتها القاسية؛ كل ذلك كان ركيزة للأجىء السير قدمًا نحو النجاح حالة لم يغيرها لا وقت ولا زمان.
    السير الذاتية
    في مقدمة كتابها “لملمة أوراق تبعثرت” للكاتبة سلوى الجراح المولودة في حيفا عام 1946 تقول:
    [سأكتب عن نفسي، عن سلوى جراح، حياتها وتجاربها، نجاحاتها وخيبات أملها في رحلة امتدت من فلسطين التي ولدت فيها، ونشأت على حبها، إلى العراق].
    لاجئ ونازح في آن معًا
    بعد قرابة عقدين من الاحتلال لفلسطين بعد تأقلم اللاجئ على الواقع الجديد، داهمته حرب ثانية، حرب حزيران 1967؛ ستسُتحل باقي فلسطين:
    [صار العالم يسمينا نازحين] مريد البرغوثي رأيت رام الله.
    فصار هناك شريحتين في المجتمع الفلسطيني اللاجئين والنازحين: الأول نتاج النكبة بينما الثاني نتاج النكسة.
    كذا ما عرف به نفسه الكاتب عادل بصبوص في سيرته الذاتية “دورا سلوان وادي السير وبالعكس” دار الآن ناشرون وموزعون 2024:
    [في مدرسة في وادي السير سألنا الأستاذ من اللأجىء منكم ومن النازح؟]
    لما لم نفهم السؤال شرح لنا:
    [اللاجىء هو من لجأت عائلته إلى الضفة الشرقية بعد حرب 1948 والنازح هو من نزحت أسرته من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية هذا العام، أي عام 1967]
    فأجبته:
    [أستاذ أنا لاجئ ونازح في آن معًا: أنا لاجئ تجرعت أسرته مرارة اللجوء عام 1948 ثم شربت من الكأس نفسها شديدة المرارة مرة ثانية هذا العام أي 1967].
    خيام ومخيمات
    في سيرته الذاتية “وطن من كلمات يقول الكاتب عبد الباري عطوان المنحدر من بلدة أسدود:
    [تلك القرية الصغيرة التي عاش فيها أبي وأمي حتى حلول النكبة عام 1948 حين وصل الفلاحون مخيم دير البلح للاجئين وجدوا أن الأمم المتحدة قد أسست مدنا كبيرة من القماش نظمت الخيم بطريقة يتجاور فيها القادمون من مكان واحد. وكان على العائلة بكاملها الاشتراك في الخيمة مع ثلاث من عماتي وجدي واثنين من أعمامي الله وحده يعلم كيف حصل ذلك. لكن أمي حملت بي في تلك الخيمة ولدتُ في فبراير 1950].
    دورا سلوان وادي السير
    مذكرات عادل بصبوص:
    [فتحتُ عيناي على هذه الحياة في أواخر الخمسينيات في دورا، تعود أصولنا إلى الدوايمة المحتلة خلال نكبة 1948 لم يكن لدى الأسرة خيار سوى الاستقرار في دورا والتأقلم مع الوضع الجديد الذي لم يكون مريحًا، ليس فقط بسبب صعوبة توفير متطلبات العيش من سكن وعمل يدر الدخل، وأنما بسبب الصفة أو “الوصمة” التي أصبحت تلاحقهم حيثما حلّوا، فمفردة “لاجئ” وصف جديد غريب على الأسماع، قاسٍ على الأفئدة، صادم للعقول].
    بعد سنوات قررت العائلة السكن في بلدة سلوان قضاء القدس وستبقى هناك حتى حرب حزيران 1967
    عبور الجسر
    حول تفاصيل ذلك يتابع بصبوص:
    صبيحة يوم الأثنين الخامس من حزيران المكان القدس بدأت الحرب التي سمعتُ الكبار في الأيام الأخيرة يتخوفون من اندلاعاها… اليهود قادمون.
    والحقيقة أن خوف السكان لم يكن من سلاح العدو بل من بوادر بدأت تؤكد بأن الضفة الغربية وقعت في يد الاحتلال!
    كان الخوف من تكرار مجزرتي دير ياسين وكفر قاسم يهيمن على عقول السكان والسؤال الملح:
    “ما الذي سيحل ببناتنا ونسائنا؟”
    وعليه تهيئ الجميع للرحيل
    [سلكنا الدرب نحو وادي السواحرة بعد المشي في ممرات ترابية وصلنا أريحا بينما الطائرات الحربية تحوم في الأجواء. توجهنا صوب الجسر ومن هناك غادرنا فلسطين].
    كرت الإعاشة
    [إنها بطاقة التموين الذي صرفته الأونروا في أعقاب نكبة 1948 تتيح تلك البطاقة السحرية، على حد تعريف الكاتب، الحصول على إعانات شهرية تتكون من مواد تموينية]، بضمن ذلك يفند الكاتب سيئات ومحاسن كرت المؤن هذا.
    درس الكاتب في مدارس الأونروا وأنهى شهادتي الأعدادية والمترك من مدارس عمّان ثم تخرج من قسم الهندسة في الجامعة الأردنية ودخل سوق العمل في التخطيط السكني وتنمية المدن والقرى.
    الكتابة بعد التقاعد
    السيرة الذاتية للكاتب عادل بصبوص أنموذجًا لقصة نجاح اللأجئ، نابعة من مثابرة الأم وجهد الأب، بعد التقاعد خطرت بباله فكرة التدوين للإحفاد قصة تحاكي الطفل عادل الذي أبصر النور قبل نيف وستين عامًا في دورا ثم رحل مع عائلته من سلوان عبر الجسر الواقع على نهر الأردن شرقًا من ضفته النهر الغربية، نازحًا إلى وادي السير.
    طفل كبر ومعه ما زال حلم العودة الى سلوان ثم الى دورا هو الأمل المتمثل “وبالعكس” للعودة من حيث هجر أهله ونزح هو.
    الأم اللأجئة
    يشعر الكاتب باليتم ساعة رحيل أمه في عمّان:
    [رحلت أمي وبقيت إنجازاتها حاضرة ملء السمع والبصر فقد استطاعت في زمن الفقر والعوز أن تصنع من القلة وفرة ومن المستحيل ممكناً فكانت النتيجة نجاحاً باهراً قطف ثماره اليانعة أبناؤها الستة وبنتها الوحيدة، كان لكل منهم مع أمه قصة وحكاية بدأت بالجد والمثابرة وانتهت بالتفوق والنجاح، ولعل أروع القصص هي ما استطاعت أمي نسجه بحنكتها وصبرها مع ابنها ياسر المصاب بشلل الأطفال غير مثابرتها على علاجه ألحت على ضرورة تعليمه، سيتخرج من الجامعة وسينخرط في تعليم اللغة الإنجليزية]. مثال آخر لتضحيات الأمهات اللاجئات.
    الأمانة متوارثة
    وكما أَمن مريد البرغوثي ابنه تميم على رام الله التي غادرها من خلال الجسر وعاد إليها بعد ثلاثين سنة من نفس الجسر
    في نهاية “رأيت رام الله” يقول:
    [سأنتظر تصريح تميم سأعود معه إلى هنا سيراها سيراني فيها وسيسأل كل الأسئلة بعد ذلك].
    ولا يختلف ذلك عن فاروق وادي صاحب كتاب “منازل القلب كتاب رام الله” ، مكانه الأول، الذي عاد إليه بعد ربع قرن من الغياب يتحدّث فيها عن نقطة الخروج من رام الله والعودة إليها.
    سيبقى امتداد الحب واللهفة على رام الله وفلسطين مستمر حيث نشر نجل فاروق في مرثية لوالده فاروق وادي 1949- 2022 يصف فيه كيف كان والده يصحبه إلى جبال عمان ليشاهدا معاً فلسطين في المدى.
    مثل ذلك يطمئن بصبوص والده ساعة وفاته:
    [نم قرير العين يا والدي فزرعك الذي غرست قد أزهر وأينع وها هم أبناؤك وأحفادك يسيرون على خُطاك ويتطلعون العودة إلى الدوايمة التي شهدت مولدك وأيام صباك وشبابك الأولى، ليحققوا حلمك الذي كنت تتوق لتحقيقه].
    ما بين دورا بصبوص، وبين رام الله وادي والبرغوثي، واسدود عطوان، وحيفا الجراح وعشرات من سير المدن الفلسطينية تبقى كل دارات الطفولة راسخة في الذهن أما معايشة أو من روايات السلف يقودنا ذلك إلى المقولة الأولى والأخيرة:
    كَم مَنزِلٍ في الأَرضِ يَألَفُهُ الفَتى وَحَنينُهُ أَبَداً لِأَوَّلِ مَنزِلِ