“لعبة القفز من النافذة” لهدى الشماشي: عنوان يختزل الرغبة في النجاة وهاجس السقوط

“لعبة القفز من النافذة” لهدى الشماشي: عنوان يختزل الرغبة في النجاة وهاجس السقوط


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    الشاعر منير الدايري

    حين اختارت الكاتبة المغربية هدى الشماشي عنوان “لعبة القفز من النافذة” لمجموعتها القصصية، كانت تدرك تمامًا أن العنوان ليس مجرد واجهة لفظية، بل مدخل تأويلي ينفتح على ثنائية مربكة: بين اللهو والفناء، بين الطفولة والهروب، بين تجربة تَختبر الحياة، وفعل يُنهيها. في تركيب لغوي بسيط ظاهريًا، تختزل الشماشي عُمقًا نفسيًا ووجوديًا يستمر في التفاعل داخل صفحات العمل وخارجها.

    عنوان يوقظ القلق

    يحمل العنوان مفارقة صادمة؛ فكلمة “لعبة” تدعو إلى تصور شيء بريء، ربما سلوك عبثي يتكرر، أو نوع من التسلية. غير أن اقترانها بـ”القفز من النافذة” يفجر المعنى، ويحول البراءة إلى هروب، وربما إلى قفزة وجودية خارج العالم المعروف. القفز هنا ليس فقط فعلاً جسديًا، بل قرارًا نفسيًا معقدًا، يبدو بسيطًا في لحظته، لكنه مليء بالحيرة، والخوف، والرغبة في التغيير.

    النافذة: حدود بين الداخل والهاوية

    في أدب الشماشي، النافذة ليست فتحة للضوء فحسب، بل هي رمز الهامش، الحافة، النقطة التي تفصل بين ما نراه وما لا نجرؤ على لمسه. القفز منها يعني تجاوز الإطار المرسوم، ومغادرة الحكاية. وربما لهذا السبب كتبت في واحدة من قصص المجموعة:
    “أقف عند النافذة، لا أجرؤ على القفز، لكن لا شيء في الغرفة يمسك بي.”

    من الحكاية إلى الصدمة: تأويل الأمل

    تفتتح الشماشي مجموعتها بقصة عنوانها “حكايات الغابات والنُّسور”، وفيها تقول:
    “هذه حكاية عن الأمل.”
    ثم تعود لاحقًا في قصة “بينما تنتظر”، لتكرر العبارة نفسها:
    “هذه قصة أخرى عن الأمل.”
    لكن الأمل في أعمال الشماشي ليس متفائلًا على نحو ساذج، بل هو حالة حدية، يظهر غالبًا كتمسك متأخر بشيءٍ يتسرب، أو كمقاومة شبه يائسة ضد الانطفاء.

    شخصيات على حافة الانهيار

    شخصيات المجموعة تتنوع بين نساء يتحللن إلى دخان، ورجال يحملون مصابيح في جيوبهم كما في الأساطير، وأرواح تنتظر الخلاص في صمت. في قصة “المرأة التي تحولت إلى دخان”، لا نقرأ فقط عن الغياب الجسدي، بل عن محاولة لمحو الأثر، وكأن التحول إلى دخان هو وحده الكفيل بالهروب من ثقل الحرب والذاكرة.

    الكتابة كقفزة بديلة

    هدى الشماشي لا تقدم وصفًا مباشرًا للمعاناة، بل تكتب عبر التلميح، الرمزية، والتكثيف الشعري. تقول في إحدى المقاطع:
    “ليست الكتابة ما أنقذها، بل القفز المؤجل الذي ظلّ حاضرًا في الخيال.”
    وهنا تقترب الكتابة من فكرة القفز، وكأن كل قصة تُروى هي شكل من أشكال الهروب المؤجل، أو القفز الآمن داخل الورق بدل النافذة.

    نظرة النقاد

    أشاد النقاد بأسلوب الشماشي في تقديم القصة القصيرة بشكل مكثف وحاد. كتبت عنها الناقدة الأردنية أمل الحسن في موقع “الوميض الثقافي”:
    “تكتب هدى الشماشي القصة كما لو أنها تقطع شريانًا بأدب. لا تهرب من الألم، بل تواجهه بصيغة فنية تشبه الهمس.”
    وفي مقال نقدي بموقع “الضفة الثقافية”، وُصفت المجموعة بأنها:
    “احتشاد سردي لأسئلة كبيرة تتخفى داخل مواقف عادية، بلغة فيها قدر كبير من الجرأة والسكينة في آن.”

    خلاصة: العنوان كبوصلة سردية

    “لعبة القفز من النافذة” عنوان ليس بريئًا، ولا عابرًا. هو مرآة للنص، ومفتاح لنفسيته الداخلية. إنه دعوة إلى تأمل القرارات المؤجلة، الرغبات المكبوتة، والهاويات التي نحدّق فيها دون أن نقفز… أو ربما نقفز، لكن داخل الكتاب.