“الركض في المنخفض” لنبيل قديش.. استحضار جراح الماضي

“الركض في المنخفض” لنبيل قديش.. استحضار جراح الماضي


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    “الرأي” الأردنية

    تدور أحداث رواية “الركض في المنخفض” للكاتب التونسي نبيل قديش الأخيرة، حول رجل أربعيني يقرر، بعد عشرين عاماً، أن يعود إلى أحد الأحياء الشعبية الخطيرة، باحثاً فيه عن ذكريات أليمة رافقت إقامته القصيرة أيام صباه في ذلك المكان.
    ويشكلّ متن الرواية الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون”، مجموعة من الذكريات التي انهالت على البطل ناكئةً فيه كثيراً من الجراح، بسبب ما تعرّض له في الحيّ من قسوة على يد زعيم عصابة سبّبَ له عاهة مستديمة في وجهه، وجرحاً غائراً في نفسه لم يفارقه طوال تلك السنوات.
    وفي الأحداث التي تدور في مئتين وأربعين صفحة، يعود الأربعيني الكهل متحملاً مخاطر وجوده في ذاك المكان، راغباً ربما في تصفية حساباته مع الأشرار الذين آذوه، أو رؤية وجه حبيبة قديمة، أو العثور على واحد من أولئك الأشخاص القليلين الذين تركوا في نفسه أثراً جميلاً. وربما عاد أيضاً هارباً من حاضره الذي خسر فيه عمله، وحين صار على شفا الانهيار، بحث عن أدنى بصيص من الأمل يعيد له ألق صباه.
    ويتسم أسلوب قديش في الرواية بالتدفق، تدور فيه عجلة السرد بلا هوادة، ويمسك الراوي العليم خلاله بكل تفاصيل الحكاية. أما الشخصيات فتتنفس عبر رئة الراوي الذي ينقل للقارئ خلجاتها الدقيقة، متنقلاً بين المواقف والمشاهد بخطى محسوبة، ومقدماً وصفاً نفسانياً يحصي أنفاس شخصيات الرواية. ويقتصد الروائي في الحوار جاعلاً له دوراً ثانوياً خلال السرد. أما لغته فلغةٌ رشيقة قادرة على نقل الأصوات بحرفية عالية.
    يقول قديش على لسان بطل روايته في حوار داخلي بين البطل ونفسه: “هل تفهمني؟ نحن نعيش الزمن دائماً على أنه مادة سرمدية تتوجه بالسرعة القصوى في مسار وحيد إلى الأمام، لا عودة فيه إلى الوراء، وذلك خطأ كبير. لا تحزن لعدم تمكنك من عيش حيواتك الأخرى غير عيشتك الوحيدة الفريدة التي تهورتَ فيها وأخطأتَ التصرف. ها إني أمنحك الفرصة لتعيش حيواتك الأخرى الافتراضية التي تتمنى فعل الكثير فيها. روايتي هذه من أجلك أنت، من أجل أن تتيح لك ترميم المتصدع من ماضيك. إنها تشبهك، تشبهني، تشبهنا نحن الاثنان، فهي تتوق لأن تكون روايات أخرى، تلك التي كانت من المحتمل أن تكونَها، ولم تكنها…”.
    يشار إلى أن نبيل قديش وُلد عام 1977، صدر له مجموعة قصصية بعنوان “العبث مع نيتشه” تُوجت بجائزة “الكتام آر” التقديرية لأفضل المجاميع القصصية التونسية للعام ٢٠١٤، وحازت روايته “زهرة عباد الشمس” جائزة الكومار الذهبي صنف الروايات البكر (٢٠١٥)، كما وصلت روايته “شارلي” إلى القائمة القصيرة لأفضل الروايات التونسية في معرض تونس الدولي للكتاب عام ٢٠١٦، وشارك بروايته “بياض العين” في ورشة “البوكر” لأفضل الكتّاب العرب عام ٢٠١٧.