رواية زجاج الوقت للكاتبة العراقية هدية حسين: سرد متضافر بين الحقيقة والجنون

رواية زجاج الوقت للكاتبة العراقية هدية حسين: سرد متضافر بين الحقيقة والجنون


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    لنا عبد الرحمن

    رواية زجاج الوقت للكاتبة العراقية هدية حسين: سرد متضافر بين الحقيقة والجنون في عملها الروائي الصادر مؤخرا زجاج الوقت تتابع الروائية العراقية هدية حسين كتابتها عن الوجع العراقي لتكشف عبر تفاصيل حية مخزونة في الذاكرة مأساة الشعب العراقي التي تتخذ عدة وجوه بين السلطة والقمع والخوف والجنون. تبدأ الكاتبة روايتها بجملة شعرية للشاعر عبد الرازق الربيعي تقول بماذا يعود الغريب إذا عاد من ليله السرمدي ؟تدور أحداث الرواية في العراق ولا تحدد الكاتبة مكاناً معيناً بل نستنتج أن أحد أحياء بغداد هو مكان أحداث الرواية، ولعل هذا ما فعلته هدية حسين في رواياتها السابقة بنت الخان و ما بعد الحب و في الطريق إليهم حيث مسرح الأحداث مكان مفترض في بغداد يتحرك الأبطال ضمن شوارعه وعوالمه التي تستمدها الكاتبة من الأجواء العراقية خلال وبعد الحرب. نجد هذا الأمر أيضاً في زجاج الوقت فالخط السردي يبدأ بالتوتر التصاعدي في الجزء الثاني من الرواية، إذ تفتح الكاتبة الحدث الرئيسي مع شخصية العمة التي تحملها اسما يقترب من اسم الكاتبة الحقيقي عندما يمر عابر سبيل ويسألها أنت السيدة (هداية) إنه أمر غريب أن لا تتعرفي علي .هكذا يدخل القاريء إلي صلب الرواية من بوابة رجل مجهول يسأل عن امرأة تقوم بفعل السرد وتمسك بالخط السردي الأول للرواية؟المحور الأول في السرد هو حكاية العمة أو السيدة هداية مع عابر السبيل يونس حيث يظل وجوده الوهمي حقيقة بالنسبة إليها، فالعمة تتوهم وجود رجل أحبته في الماضي منذ أعوام غابرة وها هو يعود ليسأل عنها، هذه الحقيقة التي تؤكدها وحدها ولا يشاركها في تأكيدها أي حدث واقعي، بل تنطلق من فعل متخيل بافتراض أنه رجل من زمن غابر رجع من عالم الأرواح وها هو شخص أرضي يتحاور معها، تقول في الرواية: وما جئت بتمام شكلي، ولا أنت الآن علي ما كنت عليه كل ما أدركه أنني ذلك الرجل الذي أحبك في زمن مضي، ولا تسألين كثيراً عن التفاصيل. الموت مادة قديمة تتسربل هيئة جديدة، والروح تظل كما هي يقذف بها من مسكن إلي مسكن وفي ثوب مغاير والشكل فقط هو الذي يفقد ص 19.مكعبات الثلجولكن علي الرغم من هذا الحدث الوهمي والمتخيل في آن واحد إلا أنه يبدو مبرراً عندما ننطلق إلي الخط السردي الثاني الذي تبدأ به حزام أو حنان إبنة أخ هداية إذ تكشف حزام أن عمتها تمارس الكتابة وتحكي عن تفاصيل حياتها وعلاقتها بها، وكيف تولت رعايتها وهي طفلة تلك العمة التي فشلت في الزواج ممن تحب بسبب وقوف أخيها عائقاً أمام زواجها ثم أجبرت علي الزواج من رجل آخر كانت حسنته الوحيدة أنه جعلها تكمل دراستها، لكن تلك العمة التي انكسرت أكثر من مرة تقوم باحتضان إبنة أخيها التي سقطت من رحم أمها إلي يديها بعد أن ماتت الأم في حمي النفاس، تقول حزام لم أكن أفهم سر التوتر بين أبي وعمتي إلا بعد سنوات حيث كانت عمتي تزقني مثل طير صغير بجرعات مسمومة عن تجارة أبي المشبوهة، وعن تدخله غير المبرر في حياتها الخاصة، كانت عيناها حزينتين وهي تقول: رفض تزويجي من الرجل الذي أحبه لا لشيء إلا لأنه ابن أحد الأعيان الذي اتهمته السلطة بالقيام بصفقات غير مشروعة ومخجلة تكشف حزام أن عمتها تقوم بكتابة رواية اسمها مكعبات الثلج وتتحدث عن هلوسات عمتها وتخيلاتها وإن كان هذا الكشف لا يتصاعد إلا بدءاً من النصف الثاني من الرواية بعد أن تختفي العمة، وبعد أن يتم العثور علي جثة رجل أمام البيت يتم استجواب العمة وحزام حول علاقتهما بالرجل المقتول والملقاة جثته أمام بيتهم فمن هو هذا الرجل؟ هل هو يونس الذي ادعت العمة أنها التقت به وأنه جاء إليها من عالم آخر؟ يستمر التوتر الحدثي في التصاعد عقب هذا الحدث المفصلي، حزام تتعرض لمشاكل في عملها لأنها ترفض السكوت عن ممارسات غير شرعية، العمة تختفي في ظروف غامضة بعد أن يتم استجوابها من قبل أجهزة الأمن لتحال فيما بعد إلي مستشفي للأمراض العقلية، ثم ظهور شخصية غامضة هي السيد سليمان الجار الذي يراقب الأحداث ويتظاهر بمساعدة حزام وعمتها، ولعل الحدث الأهم سرقة أوراق رواية العمة واختفاءها تماما من البيت، تقول حزام : أخضعوني لاستجواب سريع ولم يسألوني عن رجل اسمه يونس اكتفوا بالاستماع إلي ما أعرفه عن عمتي. نفيت أية علاقات لها مع الجيران، وعرجت علي وصف وضعها النفسي غير المستقر في الفترة الأخيرة، وأكدوا لي أنها تحت إشراف طبي في مستشفي الرشاد للأمراض النفسية ص 123.تتسع مساحة السرد التي تحتلها حزام في النص بعد هذا التصاعد الحدثي ويفتح النص علي أكثر من احتمال علي مستوي السرد والأسلوب. فالرواية التي بدأت مع حكاية العمة هداية والرجل المفترض يونس تنتقل إلي خط سردي آخر مع حزام لتتضافر بهذا الانتقال البنية السردية المركبة بغية الكشف عن الأحداث عبر رؤي أخري للحدث الواحد، ورغم أن البنية الأساسية للرواية هي العمة إلا أن فعل توتر القص وتشابك الحكاية، وتداخلها بين الخاص والعام يتم عبر حزام التي من المفـترض أن تمثل الجانب العقلي الأكثر اتزانا واستيعابا لما يجري في الداخل والخارج، ولما يدور علي أرض الواقع، من ظلم واضطهاد ورشوة وفساد وأيضا لما يحدث تحت سقف بيتها من تهويمات العمة التي تعيش بين خطي الواقع والجنون.من هنا تمنح الكاتبة للقاريء متعة التضليل في السرد وفي التفتيش عن عدة أوجه للحكاية خاصة مع دخول حزام في عالم التخيلات والأوهام. حزام التي تغرق في وحدتها يتم استدراجها رويداً رويداً من قبل الكاتبة إلي عالم مشحون يبث في داخلها الرعب، وكما لو أنها امتداد لشخصية العمة. حزام أيضاً تتعرض لفشل قصتها مع حبيبها زكريا ، وكما كانت العمة هداية علي علاقة غير واضحة مع الجار سليمان نجد حزام تتواصل مع هذا الجار الغامض بغية الكشف عن أسرار عمتها إلا أنه يختفي فجأة، ثم تتبدل الأدوار لنجد حزام تقوم بفعل الكتابة لتتوحد بذلك مع شخصية عمتها، وكما لو أن كل شيء كان مفترضا وعبثيا في آن واحد تقول صرت في الأيام التالية أسهو عن أشياء كثيرة، أهرب إلي مكتبي الصغير، أتناول الدفتر الذي اشتريته قبل يومين والذي حرصت أن يكون شبيها بدفتر عمتي أزرق باهت، أكتب بينما الأحداث تتكاثف وتتضخم. أبدأ الكتابة مخاطبة عمتي من أول يوم تلقتني فيه بين يديها ولا أدري إلي أين سأنتهي ص 176.هذا التشويش في السرد والذاكرة الذي يبدأ من أول الرواية مع قص العمة حكاية يونس يستمر علي مدار النص، حزام مثلاً تستغرب أن يكون اسمها حزام لأن اسمها هو حنان وليس حزام والعمة تسأل حزام عن رجل تعرفه اسمه عدنان لكن حزام تنكر، وتقول أنها لا تعرف أحداً بهذا الاسم،ثم هناك التشوش عند حزام ذاتها التي تعيد كتابة سيرة عمتها بعد أن تجدها ملقاة علي باب البيت مريضة، متهالكة وحليقة الرأس لا نعرف من فعل ذلك بالعمة بعد أن كانت في مستشفي الأمراض العقلية، لينطوي هذا الحدث مع موتها ويظل غامضاً، تقول لم يفاجئني موتها فهي ميتة منذ أول يوم رموها فيه عند الباب. ماتت عمتي ومات معها سرها تاركة في قلبي غصة كبيرة وأسئلة ستظل هائمة مدي العمر .تتيح رواية زجاج الوقت للقاريء تلمس الأوجاع العراقية بشكل غير مباشر، من دون الحديث عن سجون ومعتقلات وتعذيب لأن السرد كله يتم عبر شخصيات نسائية تقدم للقاريء رؤيتها الخاصة للواقع، من هنا حملت الرواية كثيرا من التأويل والعلامات والدلالات التي تمكنت الكاتبة هدية حسين من تضفيرها مع فعل السرد وتقديمها للقاريء بأسلوب بوليسي مشوّق بعيد عن الرتابة سواء علي مستوي السرد أو الشخوص.كاتبة من فلسطينـ الكتاب: زجاج الوقت (رواية).ـ الكاتبة: هدية حسينـ الناشر: دار نارة الأردن