رواية «على الهاوية التقينا» لضحى القضاة.. سرد تراجيدي ينحاز للجوهر الإنساني

رواية «على الهاوية التقينا» لضحى القضاة.. سرد تراجيدي ينحاز للجوهر الإنساني


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    نضال برقان

    يشي عنوان رواية الكاتبة ضحى القضاة «على الهاوية التقينا» الصادرة عن «الآن ناشرون وموزعون»، بعمّان بالنهايات المأساوية التي يكون معها البطل عارفا لنهايته، ويكون اللقاء مقدمة للفراق.
    ولا يخفي عنوان الرواية في إشاراته وعلامته ذلك المعنى المتضاد بين فرحة اللقاء المفترضة، وخوف الانحدار والسقوط المتوقع في الهاوية.
    وإذا كان يمثل العنوان عتبة النص، ويكشف تفاصيل الحدث، فإن عنوان الرواية قد اختزل بذكاء ليس أحداث الرواية فحسب، بل اللعبة التي تنطوي عليها قوانين الحياة نفسها.
    والرواية تندرج في سياق السرد التراجيدي الذي تتطور فيه الأحداث الدرامية إلى النهايات الفاجعية المؤلمة، ولكنها في الوقت نفسه تتسم بالواقعية التي تشير إلى قسوة الحياة التي نأتي إليها دون أن يكون لنا خيارنا، ويبقى ذلك الخيار الذي لم يكن لنا فيه رأي هو المسيطر علينا حتى الممات.
    هذه الفكرة التي تقوم عليها الرواية ببساطة، لكن أبطال الرواية لا يذعنون لتلك القدرية بل يكابدون للبحث عن احتمالات أخرى تجدد الحياة وتمنحها معاني إنسانية، وهي المكابدة التي تمنحنا فرصة الكشف عن معدننا الأصيل.
    تتحدث الكاتبة في الرواية بلغة بسيطة، وتسرد حكاية أبطالها بخط زماني يبدأ من العام 1995 إلى 2015، ليبدو الزمان معاصرا وراهنا، ويمس جيل الشباب في عصر العولمة وقيمها وعلاقاتها، ولكنها في الوقت نفسه لا تلتفت للمحدد المكاني بل تتركه مفتوحا ليمتد على واقع الجيل برمته.
    تحكي الرواية عن حادثة موت شقيقة البطل «دانيال» في عيد ميلادها الرابع، وهي الحادثة التي تنعكس على حياته، وحياة والدته التي يكتشف أنه ابنها بالتبني. ووالده بالتبني الثري المستهتر الذي يترك في نفسه بقعة سوداء نحو الحياة، إلا أنه يثابر وينجح في الحياة العملية.
    وحينما يتعرض لاختبار الحب مع «ناي» ابنة صاحب الشركة يستعيد واقعه، وتتداعى الذاكرة بالأحداث التي تعيده للعتبة الأولى التي لم تفارقه، وهو أنه لقيط، فيموت الحب في مهده عند أول لحظة. وتقول بطلة الرواية «ناي» أن لقاءهم كان على منحدر هاوية.
    تتحرك الرواية وأحداثها في مجال اجتماعي متنوع بين أسرة «دانيال» ووالدته «الدكتورة سارة»، المرأة الطيبة التي تعاني من الفقد لابنتها الصغيرة، وإهمال زوجها، وأسرة «سعيد» والد «ناي»، وهي أسرة أرستقراطية منسجمة مع ذاتها، و»مريم» المرأة الفقيرة التي تعمل موظفة بسيطة في شركة «دانيال» الصارم، ولكنه في الوقت نفسه لا يتردد في مساعدة المحتاج.
    وتروي الكاتبة الحكاية وفق زمنين متوازيين تبدأ بحكاية الطفلة الصغيرة «ريتا» بجو من الفرح للاحتفال بعيد ميلادها، ثم مأساة موتها، وتعود لسرد أحداث «دانيال» الذي نكتشف أنه تسبب في موتها دون قصد فيحمل عذاب الضمير طيلة حياته، ولكنه لا يتأخر في التبرع بكليته لـ»آدم» ابن العاملة «مريم» الذي تعرض لحادث سير، لتقول الكاتبة: «من قال إن الموت نهاية، أحيانا يكون البداية، ارتقاء إلى الأفضل».
    وعملت وسيلة التنقل بين مستويات اجتماعية وأمكنة وأزمان مختلفة في السرد لتنقل القارئ في مناخات وأجواء متضادة ومتباينة حد الاختلاف، ولكنها الحياة، وهي انتقالات خففت من السرد الخطي المتواصل الذي كان يمكن أن يكون مملا.
    ومع أن طبيعة الأحداث في الرواية التي تقع في 230 صفحة من القطع الوسط تنطوي على القسوة التي تفرضها المكابدة والشقاء، إلا أن القارئ يلمس الطيبة التي تميز شخصيات في الرواية  حتى الأشرار منهم.
    يشار إلى أن رواية «على الهاوية التقينا» هي الأولى للكاتبة ضحى القضاة.