“الدستور” الأردنية
طرح الزميل الروائي احمد الطراونة عددا كبيرا من الاسئلة، ليس حول تجربته في كتابة روايته «وادي الصفصافة» فقط، بل حول جدوى الكتابة ومشروعيتها والعلاقة مع التاريخ في صفحاته القريبة او البعيدة، ليقول ان الوادي الذي حمل اسم تلك الشجرة ليس مجرد مكان، وليس مجرد ذكرى، جاء ذلك في شهادته الابداعية التي قدمها مساء امس الاول في المكتبة الوطنية ضمن برنامج «كتاب الاسبوع».
وذهب الطراونة لتقديم تعريف لوادي الصفصافة الذي انطلقت منه احداث روايته، لافتا النظر الى انها «مئة عام من الاستماع لحكاية لم تسرد بعد، وأسئلة ما تزال تنزف من قصب الحناجر المعلقة على أعواد المشانق، وهي قصائد لم تكتب بعد، وأحلام مجنونة، ودمامل تطفو على وجه الحقيقة من حين لآخر، ليصل الى القول انها « أنا وأنتم وكل هؤلاء الذين يقرأون دون كيشوت لكنهم لا يعذرون أحلامه، وهي كذلك قلق وسحر، وبعض أصوات من الماضي القريب، وجنود ثقال حشرجت أرواحهم عندما عاش الأحرار حلمهم، ليعترف امام جمهوره بانها «نص عتيق بوجع جديد»، مضيفا ان القارئ سيدور معه في حلقة واسعة من الأسئلة التي لا إجابات لها.
واشار الى اننا الآن في أمس الحاجة لإعادة قراءة الجانب المضيء في التاريخ النضالي، وخصوصا القريب منه والذي لا يزال متداولا في أحاديث الناس، وهذا يعني أننا غير قادرين على الخروج من الشرط الزمني حتى هذه اللحظة، فنحن لا نزال نحمل حزن وفرح هؤلاء الناس الذين قاموا بهذا الفعل، ولا نزال نعاني مما عانوا من استعمار كوني غيب القيم الإنسانية البسيطة لصالح المعقدة، والقيم العليا لصالح القيم الدنيا، مما دفعهم لما قاموا به قبلنا.
وكشف الطراونة في شهادته انه قدم من خلال رواية وادي الصفصافة، الفعل الاجتماعي في تلك اللحظة بصورة بعيدة عن التقريرية، وقام بخلق الأجواء والأشخاص والأماكن والأحداث الخاصة به، وانتقى منها ما يخدم فكرة الرواية، وذلك بعد أن تمكن من قراءة العديد من المراجع التي تحدثت عن تلك الفترة، فضلا عن أن الرواية تعج بالشخصيات الحقيقية والتي التقاها شخصيا وسردت له جزء من الأحداث، إضافة إلى إصغائه الجيد للمخيال الشعبي الذي رافق هذه الحكاية، ولعل ذلك كله جاء ليخدم الراهن بكل أسئلته فهو يطرح العديد من القضايا والمشكلات ويسقط عليها الكثير من الحلول.
وختم الطراونة شهادته بالاعتراف بانه تقمص شخيصة عدد من ابطال روايته مثل حسن واحمد، وهما كما قال يشبهان كثيرين ممن هم حولنا.
من جهته وصف الشاعر والناقد محمد سلام جميعان الروائي الطراونة بانه احد اخطر اثنين من الروائيين الاردنيين، مستندا في ذلك الى قراءته لرواية وادي الصفصافة في ورقته النقدية التي بحثت في بنية الرواية اللغوية، واصفا لغة الطراونة بتنوعها الاسلوبي والكلامي الذي تمرد على الاتجاهات السائدة في الرواية الاردنية، وان كل لغة هي لحظة وجود، وهناك اكثر من لغة في رواية الصفصافة، لافتا الى ان الطراونة أعطى للغة الرواية معنى اجتماعيا منح روايته سمة ثقافية اجتماعية وجعل من اللغة وسيلة إجرائية لقراءة شخصيات الرواية، وان المؤلف، حسب جميعان، لم يستعمل اللغة بإطارها الخارجي بل جاء استعماله لها من داخل النص الروائي، متوقفا عند عنوان الرواية الذي راى فيه أداء لغويا رفيعا، حيث بدا فيه اسم المكان مضمرا لا ينكشف معناه الا بعد الدخول في عالم الرواية، وهو عنوان اكتسب مغزاه من الحدث وتحول من كونه اداة الى موضوع.
وقال جميعان ان الراوي لم يسمح للغة التعبيرية ان تطغى على لغة الشخصيات، في حين كانت لغة الثوار بالمحكية، وراى ان الطراونة كان يلجأ في روايته الى مسرحة الحوار والحدث معا، ذاهبا الى مزج اللغة الادبية باللغة الصحفية، وان الرواية تحمل طبقات لغوية متعددة ذات منطوق اعلامي، تتحدث عن الماضي بينما بعض تفاصيل الرواية تتحدث عن احداث معاصرة مثل حصار مخيم جنين وغزو العراق، وذهب جميعان لتقديم عدد من الاستشهادات من داخل النص الروائي للتدليل على مقولاته النقدية وتدعيم وجهة نظره في الرواية.
وكان الزميل الكاتب رمزي الغزوي ادار الندوة التي تحدث في بدايتها عن اهمية رواية وادي الصفصافة من الناحية الادبية والوطنية، مشيدا بتجربة الطراونة الذي استطاع انجاز عمل روائي متميز، وفي نهاية الندوة دار حوار بين الروائي والجمهور حول اهمية الرواية وموضوعها والاحداث التي تناولتها.