“رسائل ورد”.. البحث داخل الذات في لحظة عشق

“رسائل ورد”.. البحث داخل الذات في لحظة عشق


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    “الدستور” الأردنية

    «رسائل ورد» كتاب جديد للأديبة عايدة تحبسم، صدر عن «الآن ناشرون وموزعون»، وارتأت الكاتبة أن تعرّف بالكتاب بأنه «نثر فني»، رغم أن النصوص هي في حقيقتها قصيدة نثر، وقد تجاوزنا منذ زمن إشكالية التسمية.
    والكتاب «رسائل ورد» له من عنوانه نصيب، يشعرك أنك في بستان مشرق، والنصوص جاءت كرسائل في الحب والعشق، تتجلى فيها الرومانسية باقترانها بلفظة الورد، وتطغى فيها الأنوثة محتفية بالحياة، ومتأججة باللهفة والشوق.
    والنصوص تحتفي بالذات في الكتابة، وتعلن انحيازها الكلي لهمومها، وهي الأكثر قربًا وعمقًا مما يلامس الوجدان، فللكلمة سحر وفعالية تمكنها من قبول احتمالات، وهي تجربة شعورية مكثفة، وأفكار مكتنزة تذوب في وهج الشعور، ومحاولة للانخراط في النص الابداعي خارج كل وهم أنها كتابة عن الإنسان خارج كل انتماء، فهي الشاعرية الحقيقية شاعرية الحياة في مقاومتها لأعداء الحياة.
    تعبر عايدة تحبسم في «رسائل ورد» عن الحب والعشق للآخر وللوطن، بأسلوب ممتع وشيّق، تشد القارئ إلى كتابتها، وتبقيه عند حسن ظنه بها، وتتنقل بين الكلمات المنتقاة بإبداع، وبجمل موسيقية عذبة.
    البحث عن الذات
    تستدعي الكاتبة في البحث عن الآخر، البحث عن الذات، ويصبح الآخر هو تلك الأنا الأخرى التي توجد في داخل الذات، والبحث عن الآخر هو الذي يدفع الكاتبة للبحث في ذاتيتها، لتواجه في داخلها أناها الأخرى، ولهذه الأنا الأخرى أوجه عدّة: الأنا الكاتبة المستورة التي تعاود الظهور، والأنا العاشقة التي لا زالت رغم انكساراتها تحلم برجل يختزل كل رجال العالم، والمرأة الحالمة التي تتمرد من أجل أن تعيد للحياة بعدها الإنساني في أبهى صوره وهو الحب.
    يا أنت
    في كلّ مرّة
    أكتب بها عن الحبّ
    تمر بخيالي
    فتسحرني ابتسامتك
    ينتفض قلبي
    وأخطئ بكتابة اسمك
    أخطئ في رسم ملامحك
    وأخطئ بقراءة عينيك
    تتراقص الحروف
    بين أصابعي وتتساقط
    حرفا حرفا
    أجمعها
    ألملمها
    أعيد كتابتها
    فتخذلني أناملي
    وصفك فاق الخيال
    وطيفك لا يزال
    فالآخر الداخلي هو الوجه الخفي من هويتنا الأصلية، والآخر هو المرآة التي من خلالها نمارس التفكير في ذواتنا، ونحدد هويتنا، وأبرزت الكاتبة انتصار الأنا الأخرى وهي رمز الحب والحياة والإبداع.
    تشكّل الذات
    تتشكل الذات الأنثوية في النصوص ذاتًا متغيّرة خاضعة لأطوار من الحب تخلق أزمتها في رحلة البحث عن الآخر داخل الذات، تعود الى انعتاقها واكتشاف كينونتها، وتتجلى الذات عبر مستويات لغوية غنية، ابتداء من اللغة المباشرة، ومرورا لمستوى اللغة الشعرية التعبيرية، وانتهاء بالمستوى الحلمي.
    تطل الذات في تشكيلها الأول من خلال لغة مباشرة بمستوى بسيط، خاضعة متقوقعة حول نفسها:
    كن رفيقًا بي فإني
    ليس لي غلاك أنت
    طفلة تهوى دلالك
    مهرة ترجو حنانك
    تشتكي حينا خصامك
    ان بها يوما ثسوت
    ترتضي حلو ابتسامك
    لا تغب عني حبيبي
    ليس لي إلاك أنت
    ويأتي مستوى اللغة الشعرية التعبيرية حين تواجه الذات رغبة الحضور والتجلي حين تكون وحدها، من خلال فعل الكتابة:
    في مملكة الضاد
    تتزاحم الحروف
    في وصف لقاء منتظر
    متمازجة في عناق
    لإعلان الفرح
    قبل أن يعلو صوت الأنين
    هي لم تجزم الأمر
    ونون التوكيد تعلن عن نفسها
    أما المستوى الحلمي يعكس مكبوتات الذات، ويُغري الرغبات الكامنة في لا وعيها:
    متى تسكب الشمس نورها
    ويخرج طائر الفينيق من الرماد؟

    التمركز حول الذات
    تصغي لهمسات الروح ودفقات القلب وتجليات الذات، تأخذ القارئ في متعة حقيقية في الإصغاء للذات أو الغوص في متاهاتها واستجلاء مكنوناتها، فعالم الذات العميق قوامه الرغبات الدفينة، وهي التي تتحكم فيه كالحب والإرادة وما تريده الذات وما لا تريده، وما تبحث عنه.
    سواد الليل يؤرقني
    ويؤلمني
    ما لم يردد
    اسمك واسمي
    قصتي بك لا تنتهي
    أسرج المصباح … نورا خفيا
    يتسلل غبر أشرعة نافذتي
    ليعلن عنك وعني
    بهمس تخشع له الروح
    الكاتبة تبقي ذاتها في كل دلالاتها العميقة وتوجهاتها الواعية، وعبثيتها في اللاوعي ونزعاتها الحالمة، هي المجال المعبر بصورة كاملة عن التفكير الداخلي، والصوت الداخلي، والتوجسات المخفية، والهواجس العلنية، وحتى عن بعض الجوانب المعتمة في زواياها الحادة.
    وعندما تنزع الى التمركز المكثف نحو الذات، فإنها بذلك تتجه نحو استنطاق جماليات العزلة، والانفراد وأعماق الأشياء من حوله. ولعله من الأشياء الجميلة أن ينصت بعمق لصوته الداخلي للتصالح مع ذاته، ومع الظروف المحيطة بها.
    على مشارف الذاكرة
    امتطي صهوة اشتياقي
    ومن نوافذ الغربة
    يلوح طيفك
    ونظرة من عينيك
    تفضح الحنين
    تداعبني همساتك
    ونبرة من صوتك
    تعيد لي آمالي
    وأحلامي
    نحلق معا فوق بساط الريح
    نفترش القمر
    ونتدثر بأهداب السحاب
    فالذات تفتش عن الحب بمفهوميه الخاص والعام، ويكون الحب ذلك الهاجس الملح، والآخر هو الذي يمثل الصورة التي تتوق اليها الكاتبة في عالم الخراب والحرب. يطلّ الآخر بصورته المأمولة والمصاغة بلغة كما تحسّها الكاتبة ضمن حدودها الضيقة لعاشقة تعبر دوائر اللقاء والفراق، واللذة والقهر، والموت والحياة، ليصبح فضاء رحبا للماضي والحاضر، والإنسان والوطن.
    بلاد الياسمين
    تشتكي من هجر عشاقها
    بين رصيف ورصيف
    زرعوا كثيرا من
    آهاتٍ … ضحكات … دمعات
    ارتوت منها
    بيوت
    حارات
    طرقات
    وفي الغياب نمت كنخيل عانق الفضاء
    على أرصفة القهر
    تكاثرت الطعنات والأنات
    فالكاتبة تبدع في اختزان التفاصيل وتصوغها بشكل فسيفسائي، فالذات مرهفة تختزن الكثير من التفاصيل، وتحيلها ابداعا لتغطي ذلك الدمار المحيط بالعالم، وترسم الجمال حروفا بغية التلذذ به.
    فنحن أمام نصوص تحتفي بالحب، بمحكيات نفسية تحاول النفاذ الى تلك المنطقة التي يتقاطع فيها الحب والكتابة، فالحب هو أساس البحث عن الآخر، وبه يحيا التواصل، وأن تحب معناه أن تحسن الإصغاء للآخر، إلى الذات، وعنده تفقد الأنا توازنها، وتعمل من أجل إعادة اكتشاف هويتها، ووحدها الكتابة يمكن أن تساعدنا على العبور من ذواتنا للآخر، لأنها باب مفتوح في وجه الآخر المستور في دواخلنا.

    I am text block. Click edit button to change this text. Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit. Ut elit tellus, luctus nec ullamcorper mattis, pulvinar dapibus leo.