أطفال آليون“ لمحمد إبراهيم نوايا.. سردية الخيال العلمي والفنتازيا

أطفال آليون“ لمحمد إبراهيم نوايا.. سردية الخيال العلمي والفنتازيا


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    خديجة مسروق
    (ناقدة جزائرية)

    يقول الكاتب الأميركي بول فوسيل: “يجب أن يكون أي شخص يتحدث عن أسفاره كاذبا، لأن المسافر إذا لم يزوّر روايته بروح وبأساليب من الخيال، فلن يرغب أحد في سماعها”.
    القاص محمد إبراهيم نوايا في مجموعته القصصية “أطفال آليون” تجاوز كل الأمكنة والأزمنة والواقع. خرج من القالب الحكائي التقليدي إلى تجربة مغايرة، مغرقة في اللاواقعي، مرتبطة بالتشكيل الحكائي المتعلق بالخيال العلمي والفنتازيا، لا سيما أن العالم يعيش زمن التكنولوجيا، التي جعلت من الإنسان مجرد آلة تتحكم فيها يد الآخرين.
    يسافر نوايا بالقارئ عبر رحلة اللامعقول، مبتدعا مخلوقات فضائية وأرضية متخيلة، تتصارع داخلها تلك المخلوقات، وتتنافس من أجل الظفر بآلة التحكم لتوجيه العالم وفق ما يخدم مصالحها.
    قصص ”أطفال آليون“ صدرت عن “الآن ناشرون وموزعون” (2023). اختار نوايا لبعضها عناوين باللغة العربية وأخرى باللغة الإنجليزية.
    قصة “دوران“، بطلها من كوكب الأرض يسافر إلى كوكب زحل، بالمطار يُلقى القبض عليه لاشتباه اسمه الثلاثي مع اسم شخص مطلوب قضائيا. عند التفتيش وضعوا على رأسه آلة تترجم أي لغة إلى نبضات كهرومغناطيسية.
    سئل في التحقيق إذا كان هو المسؤول على ما حلّ بكوكبهم، لأن سكان الأرض عرفوا بالحروب الطاحنة فيما بينهم، وسكان الفضاء حذرون جدا منهم، خوفا من أن تنتقل عدوى الحروب لبلادهم. وكل زائر لهم من كوكب الأرض يخضع للتفتيش وللتحقيقات الدقيقة. يجيب البطل عن سؤال المحقق حول قضية الحروب التي يعيشونها وهم في كوكب واحد، يقول إن “الدول العظمى هي التي تتحكم في النظام الدولي، وتهيمن على الدول الصغرى”. معنى ذلك أن الدول العظمى هي المسيطرة، وهي المسؤولة عن إشعال فتيل الحروب على كوكب الأرض. في الأخير يخبره المحقق بأن أوراقه سليمة لكنها لا تخوله للدخول إلى كوكبهم.
    يحدث لبطل قصة “انتي فيريس“ كما حدث لبطل قصة “دوران“، يقبض عليه رجال الأمن، وهو متجه لركوب الطائرة عبر بوابة إلكترونية. البوابة الإلكترونية تطلق صافرة تنذر بوجود خلل ما. يقومون بتفتيشه بعد أن نزع كل ثيابه. ومع ذلك البوابة لا تعمل حين يهم بالخروج منها. تقول القصة إن البوابة الإلكترونية مجهزة لمراجعة أفكار الناس، يخبرونه، “الباب الإلكتروني الذي حاولت أن تستغفله مزود من أحدث الشركات الفنية في العالم. التقارير الصادرة منه أثناء عبورك تفيد بأنك تحمل في رأسك بعض الأفكار غير المرغوبة، وقد تكون خطيرة “بعد أن تم فحصه من طرف القارئ الإلكتروني قرروا فرمتة كامل عقله للتخلص من أفكاره التي يرونها تهدد مصالحهم العليا.
    أما في قصة “عالم محاذ“ يصف القاص كيف يمكن للتقنية العلمية أن تنتج نسخا عديدة لإنسان واحد. إذا كان في واقعنا هناك بعض الأشخاص يحملون نسخا لشخصيات متعددة، فإن الشركات الخارقة التي يتخيلها نوايا تقوم بالاتفاق مع مجلس الأمن، بإنجاز نسخ للبشر متماثلة، وبالصورة التي يريدونها. كل ذلك في إطار الحفاظ على المصالح العليا. يقومون بـ”تغيير قيادي المعارضة ويستبدلونه دون أن يشعر أحد، أو بعض المسؤولين والشخصيات.. ربما يختارون الرئيس نفسه إن أرادوا إبعاده عن خطر محتمل“.
    العصر عصر التقنية المتطورة، ويمكن أن يحدث فيه ما هو متوقع وغير المتوقع. مثلما يصوره القاص في قصة “عيون لاصقة“، يذهب بمخيلته فيتصور تقنية جديدة لمراقبة المواطنين، والتحكم في ما يشاهدونه. حيث تقوم الدولة بدفعهم لتركيب عدسات خاصة تخضع للمراقبة. تلك العدسات المجهزة بآليات خاصة، تقوم بتعديل وفلترة الصور التي يشاهدها صاحب العدسة بما يتناسب مع المصالح العليا والسياسة العامة؛ “نجعل مظهر المعارضين أمام الناس العامة كالشياطين، حتى يدرك الناس أن الحكومة عليها أن تحميهم من أولائك الوحوش في سجونها.. وستظهر العدو أمامهم لا يشبه هيئة البشر، بل كمصاصي الدماء.. سينفذون الأوامر الصادرة لهم بقناعة، ويقتلون أيا كان، بلا تردد، دون أن يصابوا بنوبات الضمير“. أي تصبح الناس عبارة عن كائنات آلية تتحكم في إرادتها دولها وحكوماتها.
    أميركا، الدولة القوية في العالم، تعمل على الحفاظ على قوتها. في قصة “رحابة“ يقول نوايا في نسيج حكايته المتخيلة، بأن عالم الجيولوجيا الأميركي الذي أسماه “توماس”، قام برحلة إلى المريخ.. وجد عبارة مكتوبة على الأخدود المؤدية له، تقول: “مرحبا بكم على سطح كوكبنا“.. تلك العبارة دوخت الأميركان. فليس من المعقول أن يرحب سكان الفضاء بزيارة سكان الأرض دون أن يكون من وراء ذلك هدف معين. فذهب الأميركان للتخطيط لتعزيز قواتهم العسكرية على كوكب الفضاء لضمان مصالحهم..
    الدول الفقيرة قد يسلب منها كل شيء بما فيها ضوء الشمس، ذلك أن الدول العظمى تعمل على استغلال الطاقة الشمسية بشكل رهيب. تحكي قصة “غروب مشرق“ عن سعي الدول القوية لحجب النور عن دول العالم الثالث، بوضع جدار يمنع توزيع ضوء الشمس توزيعا عادلا بين سكان الأرض.
    وفي قصة “تكافؤ“، يبين لنا القاص كيف أصبح الروبوت أو الرجل الآلي يحل محل الإنسان، وكيف أصبح أكثر أهمية وأعلى قيمة من الإنسان: “كيف لرجل آلي لا يمتلك المشاعر، وليس لديه أي وعي، وقد تمّ تجميعه من المعادن والصفائح الإلكترونية، أن يعامل كإنسان له نفس حقوقنا؟“. بطل هذه القصة يتهم بجريمة القتل العمد، لأنه قام بتفكيك رجل آلي، لأن القانون يساوي “بين جميع الكائنات المنتجة، بصرف النظر عن أصولها”. ويصدر الحكم ضد البطل، بتنفيذ عقوبة صارمة جدا عليه.
    يقول محمد إبراهيم نوايا إن الروبوتات مبرمجة على خدمة البشر، وعلى الإنسان أن يتعايش مع وجود الروبوت في حياته لأنه أصبح فعلا جزء منها. في قصة “روبوتيا“ يتحدث عن حكاية مستعارة من اللاواقع ودائما مع العالم الآلي، حيث قام المهندس ديفيد بتصميم روبوت سماه “صوفيا“ ومنحه الجنسية السعودية وجعله على شكل الممثلة “سكارليت“.
    “سكارليت“ تجعل الروبوتات أكثر إنسانية، مفعمة بالحس الشعوري، منضبطة انضباطا صارما، بحيث “لا تسرق، لا تقتل، ولا تعتد على أحد“. يبدو من ذلك أنها مبرمجة وفق تشريعات ترتبط بالجنسية التي تحملها. أسرة صوفيا تتكون من روبوت ذكر وروبوت أنثى، يختاران ما يشاءان من الأطفال، بتقديم طلب بالموافقة، وبالصفات التي يريدونها.
    المشيئة العلمية للبشر تحاول أن تتمرد على قوانين الطبيعة. وتصور قصة “ثقب أسود“ حدوث معجزة عجيبة على الكوكب الذي تعيش فيه مخلوقاتها. بعد حدوث تغيرات جوية وكوارث طبيعية بها، بوقوع الزلازل وانفجار البراكين، ووجود أعاصير قوية. خرج رئيس المجلس على الهواء للإعلان بأنه بعد حدوث تلك الكوارث لن يكون هناك “ليل وشرق وغرب، أو حتى صيف أو شتاء، لأننا اخترنا حياتنا كما نريدها نحن لا كما تفرضها علينا قوانين الطبيعة. وقد آن لنا أن نتمدد في الفضاء، وأن نختار موقعا جديدا ومناسبا لنا في الكون“. العالم يعيش عصر العولمة، والقصة خيالية لكنها تقترب من الواقعي.
    عصر العولمة تحول فيه العالم إلى قرية كونية لا وجود فيها لحواجز بين القارات والدول، إلا بعض الجدران المهترئة، التي يمضي العالم المتطور في إزالتها، ليكون هناك على سطح الأرض شعب واحد، وثقافة واحدة، ويد واحدة تتحكم في كل شيء.
    فهل يمكن للإنسان مهما بلغ من العلم والتطور، أن يتحكم في مشيئة الكون؟ طبعا لا ولن يحدث. فللكون خالق واحد أحد لا شريك له.
    بفلسفة خاصة صاغ محمد إبراهيم نوايا تصوراته المتخيلة للعالم في عصر التكنولوجيا، أو ما بعد التكنولوجيا. اختار لقصصه نسيجا حكائيا من الخيال العلمي، لمعالجة الواقع الإنساني بما يحمله من انكسارات ذاتية، أفرزها عصر العولمة، الذي أصبح فيه الإنسان مجرد آلة ميكانيكية يوجهها الآخرون بحسب أهوائهم.
    تميزت قصص “أطفال آليون“ بأسلوب ممتع وجميل، مع بعض الغموض المفعم بالتشويق الذي طبع الحبكة القصصية. وهي تحمل بعدا سياسيا يعكس الممارسة السياسية الجائرة لدى بعض الدول في العالم.
    أخيرا نقول إن محمد إبراهيم نوايا نجح في إيصال فكرته للقارئ، وأنه يمتلك من المؤهلات التي تفتح له آفاقا في الاستمرار في الكتابة في أدب الخيال، الذي يعد مجالا صعبا ليس بإمكان أي كاتب أن يكتب فيه، خاصة أن السردية العربية تفتقر لهذا النوع من الأدب.