يضم كتاب “أنامل النسيم” الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون”، مجموعة من القصائد المترجَمة للشاعر الباكستاني فيض أحمد فيض، ترجمها إلى العربية الشاعر السوري نوزاد جعدان.
واستُهل الكتاب بإطلالة على الأدب الأوردي، وبخاصة أشكال الشعر فيه، إلى جانب التعريف بسيرة حياة الشاعر فيض، وتقلبات المرحلة التي عاش فيها على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وضمّن جعدان كتابه دراسة عن عصر الشاعر والمصادر التي استقى منها أفكاره، ما يمثل معْبرًا إلى ذاكرته الوجدانية، ومنطلَقًا للتحليق في آفاق شعره، لا سيما أن البيئة التي انتمى إليها والأحداث التي عايشها؛ أثّرت به تأثيرًا واضحًا، ودفعته إلى التفاعل معها بشكل كبير.
وأوضح المترجم أن قصائد فيض أحمد فيض تكشف عن الصور البديعية التي استخدمها الشاعر، والتقارب في السمات الثقافية والدينية بين اللغتين العربية والأردية، ما جعل شعر فيض يحتلّ مكان الصدارة من بين الشعراء الأرديّين المناصرين لقضايا الشعوب في عدة دول؛ ما يجعل قصائده ذات سمة إنسانية.
ورأى جعدان أن الشاعر فيض تمتزج عنده الإنسانية بالشاعرية، والتأمل في شعره -بوصفه إنجازًا لغويًّا وبناءً لواقع آخر عن طريق اللغة-؛ يُظهر للمتلقي تمتُّعَ فيض بحساسية عالية في النظر إلى المواقف، وبقدرة خاصة على التعبير؛ ما يميز نصوصه التواقة لبناء واقع أفضل يليق بما يطمح إليه العالم الإنساني.
تحتفي قصائد فيض بالإنسان عبر نسيج متكامل وبناء هرمي محكم، كما يبرع الشاعر في استخدام المجاز والاستعارة والمجاز المرسل والتشبيه والكناية، وهذا يدل على سعة خياله وعمقه، كما يظهر في ثنايا قصائده بديع البيان والمعاني والمحسنات اللفظية والمعنوية، كالإيهام والتورية والجناس.
ويشير المترجم إلى أن هناك الكثير من المفردات العربية والفارسية والتركية التي تسرّبت إلى قصائد الشاعر، إلى جانب عبارات تستحضر التراث الهندي والإغريقي والإسلامي، فكان فيض بذلك “شاعر الأسلوب الذي يشحذ فكره لكي يأتي بالغريب والجديد الذي لم يستطع غيره نظمه”.
لذا يرى جعدان أن الشاعر فيض كان مجددًا لمفاهيم الرموز التقليدية، وقادرًا على استبدال رموز حداثية تناسب الواقع الحالي بها؛ فـ”الحب” عنده يحمل رمز التقدم الاجتماعي والنهضة، و”العاشق” هو المتعلق بالمثُل العليا والمدافع عن العقائد السياسية، أما “الحبيب” فهو الزوج أو الوطن أو الاستقلال والتحرير، أو أيّ قيمة عُليا تدفع المجتمع للنهوض، ويعبّر الشاعر بكلمة “الوصال” عن الحرية، و”الفراق” عنده يعني السجن أو المنفى، أما “الوليمة” أو “المأدبة” فتعني المجتمع.
ويشير المترجم في تقديمه للقصائد، إلى أن الشاعر تعامل مع أنماط شعرية متنوعة؛ كالقصائد الكلاسيكية، والرباعيات، وشعر التفعيلة، والشعر المرسَل، والمخمّسات، والمثنويات، والسونيتات.
أما تعامله مع البحور الشعرية، فقد كان يميل إلى الهزج والمتقارب والرمل والرجز والخفيف والمجتث، بالإضافة إلى البحور المشتركة بين الفارسية والعربية أو الخاصة بالأردية.
ويوضح المترجم أن فيض أحمد فيض نظم أول مجموعة شعرية له بعنوان “مرثية صورة – نقشي فريايدي”، وكان ذلك في نهاية العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، واشتملت المجموعة على قصائد غزلية تهيمن عليها روح الشعر الكلاسيكي الفارسي، وقصائد من النمط الكلاسيكي الأردي تقتدي بشعراء من أمثال مير تقي مير وميزرا غالب، وقصائد تحمل همًّا وطنيًّا خالصًا، وبُعدًا إنسانيًّا لتجييش المشاعر الوطنية وبذل الروح لأجل إعلاء الحق والعدالة. كما تضم المجموعة قصائد وجدانية مفعمة بالتأملات عن الحب والجمال والخسارة ومودة الحبيب.
وبحسب المترجم، كشف ديوان فيض الأول، نظرته إلى المشاكل العامة التي كانت تعترض طريق التقدم في وطنه، والنزاعات القائمة بين كلّ من القديم والجديد، والاطمئنان والقلق، والعمال والطبقات المثقفة، والفرد والمجتمع.
أما ديوانه الشعري “أصابع الصَّبا” فتظهر فيه النزعة السوداوية التي لا تغيب عنها الروح الوطنية، كما يظهر النضج الشعري بشكل أكبر في ظل أوضاع لا تتقبل تلك النزعة الرومانسية، إنما تحتاج شاعرًا يكتب للجماهير وعن الجماهير، وفي الواقع ومن أجل تغييره.
ووفقًا للمترجم، كان فيض لا يتوقف عند التعبير عن المشاعر الوطنية، بل يتعداها ليناصر الحقوق المسلوبة في العالم، فلم ينظم في “أصابع الصبا” أشعار الغزل في صورها التقليدية فحسب، وإنما نظم أيضًا قصائد بأسلوب عصري حديث، واستخدم اللغة الأردية التي لا تربطها روابط كبيرة بالدارجة المستخدمة في الحياة اليومية.
يؤمن فيض كما يؤكد المترجم، بقوة الكلمة الشعرية، وهي تتجلى في قصائده ذات الشاعرية الممزوجة بالحداثة بينما هو يتناول المعضلات الاجتماعية على اختلافها، مع العناية بإظهار جمال الحياة للآخرين، ولتحقيق ذلك؛ يعمد فيض إلى استخدام مجازات واستعارات ميرزا غالب، الذي قال في أحد قصائده الغزلية: “إن واجب الشاعر أن يتمثل في عينه نهر دجلة كنقطة ماء واحدة”.
ويضيف فيض إلى ذلك فيقول: “إن واجب الشاعر هو أن لا يتمثل النهر في نقطة ماء واحدة فحسب، بل أن يُطلع الآخرين على ذلك وأن يعرّفهم به في الفن والحياة أيضا”.
وبعبارة أخرى؛ مهمة الشاعر عند فيض ليست الرؤيا والتأمل فحسب، بل الكفاح والبذل والجهد أيضًا، وهذا الدور التنويري هو المنوط بالشاعر ليقوم به.
class="inline-block portfolio-desc">portfolio
text