د. كايد الركيبات
كاتب أردني
صدرت رواية فاطمة حكاية البارود والسنابل للدكتور محمد عبدالكريم الزيود عن دار الآن ناشرون وموزعون في العام 2021، جاءت الرواية في 221 صفحة من القطع المتوسط. أشكر الدكتور يوسف الشمري مدير مديرية ثقافة محافظة معان الذي مكنني من الحصول على نسخة منها ضمن جملة من الكتب التي أهدتها دار “الآن” للمجتمع المحلي.
بدأت سردية الرواية بعنوان فرعي “من شرفة الغويرية” يصف فيه الكاتب على لسان بطلة الرواية “فاطمة” البيئة الاجتماعية التي اكتسبت منها الرزانة والجلد على استرجاع ذكرياتها منذ ولادتها حتى لحظة إتمام الرواية. كانت العاطفة الإنسانية بكل تقلباتها حاضرة في كل صورة ومشهد تذكره بطلة الرواية، التي ولدت تصرخ ناعية وفاة والدتها التي ماتت بحمى النفاس. وما إن بصرت فاطمة نور الحياة وغدت قادرة على إدراك ما يدور حولها حتى فجعت بوفاة والدها، فعاشت مع شقيقها “حمدان” الذي عاجله الموت ليلة زفافه. فانتقلت للعيش في بيت خالها “حسين” زوج عمتها صبحا، إلى أن تزوجت من “صالح” الذي يكبرها بعشرين عاماً، فعاشت في كنفه بقية عمرها تقاسي مشاعر الحرمان من عاطفة الأمومة.
ارتكز جوهر البناء الموضوعي في سردية رواية “فاطمة” على التأريخ الواقعي للحياة الاجتماعية التي كانت سائدة خلال النطاق الزمني الذي حدده الكاتب في ديباجة الرواية بقوله: “جرت أحداث هذه الرواية خلال الفترة الزمنية الممتدة بين منتصف الأربعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي”. اعتمدت الرواية على السردية الاسترجاعية بأسلوب رواية المذكرات، لتخدم الهدف الأساسي للراوي الذي يحاول أن يصور حالة التطور في المجتمعات البدوية التي واكبت التطور الحضري الذي شهدته الدولة الأردنية خلال الإطار الزمني لأحداث الرواية، من خلال توصيف لحظة فارقة في حياة أبناء المجتمع من حياة الترحال والبداوة إلى حياة التوطين والاستقرار وما صاحب هذه النقلة النوعية من اختلاف في طرق الكسب واختلاف في التوازن والوعي الثقافي واختلاف في طبيعة وشكل المسكن. ومن هنا يتولد لدي الاعتقاد في سبب وجود جملة “حكاية البارود والسنابل” في عنوان الرواية.
كان واضحًا استخدام أسلوب الرواية الشفهية وعنصر التوثيق الجمعي في البناء الموضوعي لسردية الرواية، إلى جانب القدرة على خلق صورة متخيلة موازية للحدث تساعد في الانتقال بين المواضيع المتتالية في سردية الرواية. وقد اندرج تحت عناوين “من شرفة الغويرية”، “بيت من بخور”، “بابور وراديو”، “العبدلي” مثال حي لهذا الأسلوب.
اعتمدت سردية الرواية على المعرفة الشخصية عند الحديث عن الجغرافيا التي تدور بها أحداث الرواية، فقد بدا هذا واضحًا من دقة الوصف المكاني واستخدام الأسماء الحقيقية للمناطق السكنية التي تعتبر موطن فروع عشيرة بني حسن. وقد نقلت لنا الراوية تحت العنوان الفرعي “دروب الطيب” أسماء المناطق والطرق الواصلة بينها بشيء من التفصيل.
كشفت سردية الرواية عن الخلفية الثقافية والوظيفية والمعرفة التاريخية للكاتب الذي تخفى بشخصية فاطمة في تصوير مشاهد تعايش شخصيات الرواية مع بعض الأحداث مثل قضايا التجنيد أو الحديث عن بعض التفاصيل التي تتحدث عن معارك الجيش العربي في القدس ووصف حالة التوطين التي مثلت الانتقال من حياة البداوة والترحال إلى حالة الاستقرار والعيش في تجمعات قروية. وقد بدا واضحًا تأثره بالأسلوب القصصي في تحديد المواضيع الفرعية التي كونت بنية السردية الروائية التي قسمها إلى ثلاثة وأربعين عنوانًا فرعيًا، مثل كل منها قصة بحد ذاتها، وتقديمه إضافات معرفية في الهامش لتوضيح أسماء بعض الأماكن والشخصيات والأحداث التي جاء ذكرها في سردية الرواية.
قدمت الرواية بأسلوبها السردي عددًا من العناصر التي كانت برأي الكاتب من أسباب النقلة النوعية في أسلوب معيشة مجتمع الرواية ــ إن صح التعبير ــ فالعنصر الأول هو تخلي أبناء المجتمع من فئة الشباب عن العمل في القطاع الزراعي والانخراط بالخدمة العسكرية، الأمر الذي وفر مصدر دخل ثابت للفرد. والعنصر الثاني هو ظهور مشاريع اقتصادية تتطلب أيد عاملة مستقرة، مثل بناء شركة مصفاة البترول. والعنصر الثالث هو تشكل التجمعات السكانية بالقرب من الوحدات العسكرية واستقرار أسر العسكريين فيها، الأمر الذي تطلب توفير بعض الخدمات، وكانت سببًا في خلق فرص عمل جديدة لأبنائها. ومن الأسباب الرديفة أيضًا استقرار النازحين من الضفة الغربية في هذه المناطق السكنية الناشئة، وما يتبع من حاجات أساسية كان لا بد من توفرها، والتي أسهمت في التطور المعيشي للسكان بعيدًا عن حياة البداوة والترحال.
الرواية بالمجمل قدمت بلغة سهلة واسترسال مترابط، أعطت تصورًا واضحًا للفكرة الجوهرية التي تحاكيها من الواقع الاجتماعي.