“القبلة السوداء”…صورة كاملة للحياة

“القبلة السوداء”…صورة كاملة للحياة


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    مصطفى البلكي
    أديب وروائي مصري

    شخصيات القبلة السوداء للمبدعة والفنانة تغريد حبيب منذ البداية متعطشة إلى الحب كونه الوحيد الذي يرمم ما أفسده الدهر, فينقسم الأشخاص بين فريقين فريق ينتهج طريق الحب بما يحمله من خير وقدرة على التسامح( عبير, زياد, أمال) , وفريق يحب بطريقته, تتسيد في دروبهم مفردة الأنانية( هناء, أيوب, ربيع) تلك الآفة التي تسد منافذ الرؤية أمامهم فيتحول الوحش الذي يسكنهم إلى آلة حرب تدمر, وخلال رحلة نسج أحداث الرواية, وتطورها لا تكتفي بسرد الحكايات ولا العلاقات بل تتجاوز إلى القاء الضوء على المعاناة التي تعيشها المرأة التي شاء القدر أن يجعلها وحيدة أو تعيش مع رجل لا يعرف قدرها كما حدث مع أمال صديقة عبير, ومها الممرضة التي كانت أحلامها بسيطة وبيضاء كنقاء سريرتها, وكذلك المعاناة في ظل جائحة تواجه العالم وتفرض عليهم إجراءات لم يتعودوا عليها..كل هذه العلاقات, تم صياغتها من خلال لغة محملة بكم هائل من المشاعر الإنسانية للغوص في حياة فنانة تشكيلة , تعيش لحظة فقد, من تلك اللحظات التي تغير الإنسان وتجعله يغير بوصلة حياته, إما أن يتقدم بسرعة للأمام هربا مما حدث, أو أن يسقط بكل قواه فيما حدث, بغرض التداوي بالحنين, والسفر هنا بتذكرة كاملة منحت لعبير, لأن ما كان بقي بداخلها فتعود معه بغرض الشفاء أو رفع الضرر, واللحظة هنا, لحظة موت, موت لوحة حملت لها بداية علاقتها بأيوب الرومي, الفنان التشكيلي الذي ينحدر من أب مصري وأم فلسطينية, ومتزوج من ابنة خالته, الغيورة والتي لا تهتم بفنه, ولا تهتم بجعله يشعر بحبها, وتتابعه متابعة من يبحث عن جريمة يشم رائحتها, ويتوقع حدوثها, والجريمة من وجهة نظرها أن يقع زوجها في الحب, وكأن ما كانت تبحث عنه وفره القدر, حينما ذهبت عبير لمعرض أيوب محملة بشجونها الخاصة كونها أرملة لرجل عاشت معه خمس سنوات, أثمر الزواج بأن رزقها الله ولدا, يتعلق بها, وهي قطعت له وعدا أن يظل رجلها الوحيد وحبيبها الذي تسعى لسعادته.
    في جو من الألفة حيث الألوان التي لا تكذب والموسيقى الهادئة, ودهشة المفردات, ملك تفكيرها, أو سد فراغا كان يشغلها, وحينما تتلاقى معه وجها لوجه اتخذ العقل لدى كل واحد منهما قراره بالإنجذاب من قبل كل طرف للطرف آخر, أيوب لفقده الصلة التي كانت بينه وبين زوجته, وعبير كي تملأ الفراغ العاطفي الذي تعاني منه, فولدت من جراء هذا اللقاء المشاعر لدي كل واحد, ذهب أيوب لتأكيدها من خلال البورتيرية الذي رسمه لعبير, وكان سببا لتقوية الانجذاب, وذهابها إلى مرسمه, وهناك تلاقت لأول مرة معه في عناق , ولمس أديمها بشفتيه, ووضع أثره الذي لم يكن في استطاعتها وهي المرأة التي تقف وحيدة في مواجهة حرب شرسة يشنها عليها الحرمان والوحدة, إلا أن تمتلئ به, وتصبح هجرتها دائمة إليه, وتعيش فترة بعدها يقتص الندم من داخلها, وتشعر بأن الخطأ الذي حدث, ورضوخها له, لا يجب أن يتكرر, وتصنع لها الأيام طوق نجاة, فيسافر أيواب إلى مصر لرؤية جده الذي يقترب الموت منه, ويحدث ما حذرته منه عبير, من مغبة السفر في ظل أجواء متوترة في غزة, ويصبح رهن الاعتقال لدى جهات التحقيق المصرية, هو الرجل الذي لا يقترب من السياسة إلا من خلال رموزه التي يبثها في لوحاته..
    وتحيك الأيام دربا لم تكن عبير تظن يوما أنها سوف تسلكه, تتعرف على توأم أيوب” زياد” الذي يعشق الموسيقى ويعلمها, تقع في حبه, وتدخل في دهشة خاصة, ولا تجد سببا لما يحدث, وتدرك أن الحب يدرك بملئه, وهذا ما فعله حبها لزياد, الذي أخذها بعالمه وبغرائبه, حتى يتم الافراج عن أيوب ويعود, وتحدث النقلة المهمة في صدام يغير حياتها…وتتحكم الأنانية في قلب أيوب, والغيرة بقلب زوجته هناء, ويسعى كل واحد منهما بطريقته لقتل الحب بين عبير وزياد, أيوب بسرد ما حدث بينه وبينها, وهناء بواسطة شقيقها الذي يدبر لها حادثة تنجو منها, ثم اقتحامه لمنزلها وقيامه بالاعتداء عليها وتجريدها من ملابسها, وتصويرها وهي عارية, وتهديديها إن لم تترك زياد سوف يفضحها بنشر صورها, ولأن العاجز أمام ما يحدث له في لحظة ما قد يلجأ إلى الصمت, قنعت بما حدث , وابتعدت عن زياد, وكانت النتيجة الحتمية أن رفض كل العوامل التي تربطه بالحياة, مما اضطر أيوب إلى السعى لإصلاح ما أفسده, ويكتشف ما حدث لعبير, ويسعى لفك اللغز الذي سبقه إليه زياد وحله, وتمضي بنا الأحداث , في طريقها الطبيعي الذي رسم بمهارة للشخصيات لتصنع مصائرها, فيتهور ربيع ويرتكب جريمته, ويطلق النار على أيوب, ويؤدي الموقف إلى مواجهات بين هناء وعبير, وبين عبير ونفسها, وبين هناء وشقيها, وفي النهاية ينتصر الحب في لقطة كاشفة من خلال احتضان عبير لابنة ربيع في معهد الفنون للمحبة.
    ما يلفت النظر في العلاقات التي نشأت في الرواية الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” هو نسق مخالفة الاعتياد والتعلق بما يرفع من شأن الإنسان, فعلاقة عبير وزياد, علاقة قامت على قدرة الشاعر الصادقة التي شيدت واقعا صمد ضد كل العواصف التي هبت, والتي كانت كفيلة بأن تلقى بكل واحد منهما إلى جهة بعيدة, يصعب بعدها أن يلتقيا مرة ثانية, إلا أن الروح التي لا تنظر إلا إلى النور الذي يلمسها هي المنتصرة دائما ما دامت قد حققت شرط الاحتواء.