يؤكد الدكتور يوسف محمود العناتي في كتابه “اللغة العربية.. التحدي والاستثمار” أهمية الحفاظ على اللغة العربية في ظل ما تتعرض له من محاولات للهدم والمحو، ذلك أنَّها لغة القرآن الكريم، واللغة التي حُفظت بها كتب الأديان السماوية كلها، ولغة العبادة لدى المسلمين، واللغة التي يتواصل بها أبناء العالم العربي من المحيط إلى الخليج، ولغة التراث الأدبي والهوية الوطنية العربية.
ويناقش العناتي أطروحة كتابه الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” (2023)، ضمن أربعة أبواب هي: “التحديات التي واجهت اللغة العربية في صدر الإسلام والعصر الحديث”، و”التحدي الإملائي والكتابي”، و”الاستثمار في اللغة العربية”، و”دعوة إلى تغيير أبجدية اللغة العربية”.
ويوضِّح العناتي الذي عمل أستاذًا في عدد من الجامعات، أنَّ أصل اللغة العربية يرجع إلى العربية الشمالية القديمة التي كان يتكلم بها العدنانيون وتحمل من الخصائص ما لا تحمله أيّ لغة أخرى في العالم، كالاشتقاق، والتخفيف، والاعتدال، والإعراب، ووفرة مخارج الأصوات فيها، علاوة على الترادف، والدلالة، واستقبال المعرَّب والدخيل، والنحت إلى جانب الأصيل.
ويبين أنّ للغة العربية نظامها الخاص الذي يعكس ثراءها، ويقوم على النسق الصوتي في النطق، والنسق الصرفي، والنسق النحوي في الإبانة والإعراب، مشيرًا إلى أنَّ البحث في علم الأصوات والنسق الصرفي دفع إلى ظهور المدارس المعجمية ابتداءً من القرن الثاني للهجرة.
ويرى العناتي أنَّ التناسق مرتبط بنظام عام شامل هو “نظام الحركة ورباعية الحرف”، داعيًا في هذا السياق إلى تحديث حروف اللغة العربية، وتدريس هذه الحروف للتلاميذ في المرحلة الأولية.
ويستعرض الباحث التحديات القديمة التي واجهت اللغة العربية، ومن أبرزها: انتشار اللحن، فتمّ نقط القرآن الكريم، ثم الأخذ بالإهمال والإعجام لحل مشكلة نقط الشكل ونقط الإعجام. ومن تلك التحديات أيضًا: ظهور الشعوبية، وتدمير بغداد، وسقوط الخلافة الأموية في الأندلس، ما أدى إلى حرق المكتبات وكل ما كُتب بالحرف العربي.
ووفقًا للعناتي، اتخذت التحديات منحى جديدًا في العصر الحديث؛ نتيجة لوقوع الوطن العربي تحت نير الاستعمار، فابتدأت هذه التحديات في مطلع القرن العشرين للميلاد بالهجوم على النحو العربي من خلال الدعوة إلى العامية وترك اللغة العربية الفصحى، والهجوم كذلك على الخط العربي، واستبدال الحرف اللاتيني بالعربي، والدعوة إلى العناية بالأدب الشعبي المتداول بغير اللغة الفصيحة.
ويتناول الباحث الآثار المترتبة على التزمُّت والتشدد في عدم الميل للتجديد، وعدم تكوين برامج توعوية عن أهمية اللغة العربية الفصحى لغويًّا ودينيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، وعدم تفعيل وتنشيط مواقع التواصل الاجتماعي في الوطن العربي خدمةً للغة العربية التي باتت تعاني من ازدواجية بين البيت والمدرسة، مؤكدًا دور المؤسسات الرسمية في الوقوف أمام هذه التحديات من خلال عقد المؤتمرات الدولية للغة العربية، وإنشاء المراكز الثقافية لحمايتها.
ومن التحديات التي يناقشها الكتاب انتشار الأمية في العالم العربي؛ أي أمية القراءة والكتابة، ومزاحمة اللغات الأخرى للعربية في الدراسة والاقتصاد والمجتمع من خلال العولمة، لهذا أصبحت لغة الخطاب في الشركات والتواصل باللغة الإنجليزية في الغالب الأعم.
وفي الباب الثاني من الكتاب، يركز الباحث على التحدي الإملائيّ والكتابيّ، حيث يفرق بين الإملاء لغةً والإملاء اصطلاحًا، ثم يورد تسميات أنواع الإملاء التي لم توجد في المصادر العربية القديمة، ويورد تقسيمًا آخر يعتمد على المرحلة العمرية والدراسية ابتداءً من الصفوف المبكرة حتى المرحلة الجامعية.
كما يستعرض العناتي بعض الصعوبات اللغوية والمشكلات الكتابية في اللغة العربية؛ التي تعود لعدم إتقان مهارات التعلم في الكتابة والقراءة ومهارة نطق بعض الأحرف المتقاربة في المخارج الصوتية، والارتباك الاتجاهيّ. ويناقش أيضًا أسباب التأخر القرائيّ والكتابيّ، وتشخيص الأعراض، وأنوع العلاج ومتابعته، بما في ذلك: العوامل الجسمية والصحية، وسلامة القدرة العقلية، والأسباب الاجتماعية والنفسية.
وفي الباب الثالث، يتحدث الباحث عن استثمار اللغة العربية لتحسين الخصائص اللغوية للعنصر البشري الناطق بالعربية من خلال أدوات ناجحة وبيئة صحية، فالاقتصاد واللغة بحسبه مرتبطان بعضهما ببعض، فقد نشأ الأدب العربي القديم في أحضان التجارة والاقتصاد، وكان للعرب في الجاهلية أسواق أدبية مثل سوق عكاظ والمجنة يتبادلون فيها المنافع الاقتصادية والأدبية.
ومن أنواع الاستثمار في اللغة العربية التي أشار إليها العناتي: الاستثمار الثقافي، وذلك من خلال وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، وكراسي البحث والمخطوطات، واستقدام البعثات من خارج الدول العربية ليتعلم الطلبة اللغة العربية أثناء دراستهم الجامعية.
وفي مجال الاستثمار الاقتصاديّ للغة العربية، يقترح الباحث إقامة شركة عربية اقتصادية تكون متعددة الجنسيات العربية وبرأس مال عربيّ. وفي الاستثمار الخدمي، يبيّن كيفية استثمار الخط العربي لإظهار هذا الفن بأشكال متعددة من خلال مشغل التدريب والبحث، وإنشاء كلية للعلوم السمعية لتعليم اللغة العربية. كما يشير إلى أهمية استثمار مواقع التواصل الاجتماعي عن طريق السياحة، وإمكانية الاستثمار البشريّ من خلال إنشاء الجامعات التي تدرّس باللغة العربية في الداخل والخارج مع فروع لها، واستثمار العمالة الوافدة.
ويوجّه العناتي في الباب الرابع الدعوة إلى تغيير أبجدية اللغة العربية وتجديدها من خلال نظام الحركات، ورباعية الحرف (رباعية الشكل ورباعية الصورة)، موضحًا أنّ الحركة هي التي تعطي الحرف روحًا، وهي التي تقلب الفعل والاسم من حال إلى حال، مؤكدًا أنَّ علينا أن نجدد أبجديتنا العربية من داخلها دون المساس بأيّ أصل من أصولها.
class="inline-block portfolio-desc">portfolio
text