“ديوان العرب”
تتسم القصص التي تقدمها ملك شقير في مجموعتها “شادي” بالنَفَس الواقعي الذي يلتفت إلى الأحداث اليومية البسيطة، فيضعها في قالب أدبي يقربها إلى القارئ، ويجعله جزءا من تفاصيلها.
وجاءت المجموعة الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 498 صفحة من القطع المتوسط، وكانت حافلة بالمشاهد التي تنتمي إلى سياقات زمانية ومكانة متباينة، لكنها ائتلفت لتشكل وحدة متماسكة، جسدت سطورها رؤية الكاتبة وطريقة فهمها للأشياء.
واحتفلت قصص المجموعة بالطبيعة، فجعلتها مسرحا تتحرك فيه الشخصيات وتلتحم بمعالمه. تقول الكاتبة في قصة البحيرة:
“كانت ضفاف البحيرة داكنة اللون تكثر فيها الصخور. اختفت المدينتان القديمتان الحافلتان بالأحداث منذ دهور دون أن تتركا فيها أثراً. ثم غاضت الحياة بكل أشكالها من الضفاف فتحولت إلى بيداء لم تكن لتطأها قدم لولا هذا الفندق. ولعل الفندق نفسه سيختفي يوماً. راحت مروة تطيل النظر إلى ذلك القفر الذي لم ترَ مثله من قبل فرأت فراغه نفسه حافلاً بالأسرار. ومن ورائه تراكمت صخور شاهقة تشبه بناء ذا تصميم مبتكر تجنب بانيه إعطاءه شكلاً محدداً، وهي أحفل منه بالغموض”.
وتصف مشاهد الطبيعة في قصة “شادي” التي حملت المجموعة اسمها:
“استيقظ الطفلان صباح يوم الجمعة على صوت الريح وهي تهز النافذة هزاً، والمطر وهو يضرب زجاجها. نظرا فوجدا السماء ملبدة بالغيوم الكثيفة، والفضاء قاتماً، والأشجار تترنح وكأنها تكاد تقتلع من أرضها. تذكرا أن هذا أول أيام الربيع كما قال لهما أبوهما فتضاعف أساهما. كانا يتوقعان أن يتحسن الطقس اليوم فماذا حدث؟ كيف يأتي الربيع بكل هذا المطر والبرد؟ كيف يُظلم وجه السماء هكذا في أول أيامه؟ إنهما يتلهفان على اللعب في الحديقة بعد ذلك الشتاء الطويل الماطر. لكن ها هو المطر يهطل بغزارة وها هي الريح تعصف فتبعث فيهما خوفاً عميقاً”.
ومع احتفائها بالريف، لم تغفل الكاتبة تفاصيل المدينة، لكن هذه التفاصيل كانت دائما ممتزجة بالطبيعة المتخيلة التي تبث روحا إيجابية في المكان، وتحتفي بالشمس والضياء والمطر، جاعلة من الفصول خلفية ثابتة تؤثر في الأحدث وفي تلقي القارئ لها..
تقول الكاتبة في قصة “نور”:
“وصلت إلى الشارع العريض فرأيت بعض رواد الحانة يقفون خارجها وبعضهم الآخر يجلس على المقاعد الخشبية المصفوفة على الرصيف. كلٌّ يحمل في يده كأساً كبيرة ذهبية. الحديث هامس باسم، والأجسام متقاربة تنبعث منها حيوية خافتة. امرأة أو اثنتان تنتظران الباص في صمت. أشخاص قلائل يمشون على الرصيف أو يعبرون الشارع. منهم من هو مسرع ومنهم المتمهل”.
وامتازت لغة الكاتبة بالسلاسة والرصانة، ما يشير إلى تمكنها من صنعة الكتابة، وامتلاكها مخزونا لغويا تُستحضر فيه أسماء الأشياء والتفاصيل المكانية والزمانية بدقة. وكانت عبارات القصص الأربع والعشرين مكثفة، ومزجت بين الوصف والحوار؛ الأمر الذي مكَّن الشخصيات من التعبير عن نفسها في المواضع التي كان من الضروري لها ذلك.
ومن الجدير ذكره أن ملك منير شقير معلمة ومدرّسة جامعية وأمينة مكتبة ومترجمة، درست في جامعة القاهرة وفي جامعة ميشغن الغربية بالولايات المتحدة الأميركية وفي جامعة وستمنستر ببريطانيا، ونالت منها شهادات جامعية عليا بتفوّق في الأدب الإنجليزي وعلم المكتبات والترجمة.
وقد مارست مهنة التعليم في مدرسة ثانوية بالأردن، ثم عملت في مكتبة الجامعة الأردنية، ثم درّست اللغة العربية والترجمة في جامعة وستمنستر وجامعة آغا خان والمركز الإسماعيلي في لندن.
وهي مترجمة مع عدد من الهيئات الرسمية في بريطانيا، وترجمت مجموعة من القصص القصيرة لكاثرين مانسفيلد من الإنجليزية إلى العربية.