إيمان زيادة
سميحة خريس روائية أردنية ولدت في عمان في ( 16/أغسطس/ 1956)، درست المرحلة الابتدائية في قطر، ثم انتقلت إلى السودان وهناك أتمت دراستها الثانوية. تخرجت من جامعة القاهرة وحصلت على الإجازة الجامعية في الآداب، تتقن بالإضافة إلى اللغة العربية اللغة الانجليزية. عملت في مجال الصحافة والإعلام الأردنية والعربية منذ العام 1978، كتبت سيناريو النص، والسيناريو الإذاعي، والقصة، والرواية، كما ترجمت بعض أعمالها إلى الألمانية والإسبانية، ونشرت بعضها في الصحف العربية والأردنية، وحوَّلت رواياتها (شجرة الفهود، وخشخاش، ودفاتر الطوفان) إلى أعمال درامية، قدِّمت في عامي 2002 و2003 من خلال الإذاعة الأردنية. كرّمت خريس؛ تقديرًا لأعمالها الأدبية، وحصلت على العديد من الجوائز المحلية والدولية، وصدرت العديد من الكتب والدراسات النقدية التي تناولت تجربة سميحة خريس.
صدرت (رواية بقعة عمياء) عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن، في عام 2019م، ويمكن دراسة الرواية من منظور الواقعية الاجتماعية، حيث إنها تتناول في روايتها شخصيات من الطبقة الوسطى التي بدأت بالتلاشي في المجتمع الأردني، وقياسًا على ذلك في المجتمع العربي، وما يترتب على ذلك من سلبيات، لقد أوصلت لنا نوال فكرة تآكل الطبقة الوسطى في العاصمة عمان، فبات المجتمع مقسومًا إلى طبقتين، إحداهما الطبقة الثرية، والأخرى الطبقة الفقيرة. وهذا الخلل في التوازن المجتمعي سيؤدي إلى انهماك أفرادها في كسب لقمة العيش فقط على حساب تطورهم العلمي والثقافي، وعلى حساب قيمهم، وتوجه بعضهم نحو المنظمات الإرهابية كما فعل نادر ابن نوال، أو السلوك السلبي كخيانة الأصدقاء والمجالس، كما فعل ربحي زوج نوال، أو الوقوع في براثن الخطيئة؛ لتأمين بعض الحاجيات، كما حدث مع نوال نفسها، أو البحث عن الحب، الذي يفتقده الأفراد فيما بينهم، نتيجة انشغالهم بتأمين لقمة العيش بأسلوبٍ خاطئ، كما حدث مع ندى ابنة نوال، أو استغلال الطرف الأضعف ماديا كما حدث مع كمال الشاعر حين استغل الفراغ العاطفي عند ندى، وعبد الجليل حين استغل فقر نوال.
تعد الشخصية أهم عناصر بنية الشكل الروائي؛ لأنها الأداة والوسيلة التي يعتمدها الكاتب للتعبير عن رؤيته، ولأنّ عناصر الرواية الأخرى تدور في فلكها، فهي تحمل القيم الإنسانية التي ينقلها الكاتب من الحياة إلى الورق، فتقول خريس في مقدمة الرواية: ” فرت شخصيات الرواية من الورق وتوزعت في الأحياء العربية، إنها قنابل موقوتة… انتبهوا” وهذا ما لمحناه في رواية (بقعة عمياء) لخريس، التي تدق ناقوس الخطر من هيمنة الطبقة الثرية في البلاد العربية على الطبقة الفقيرة بعد تلاشي الطبقة الوسطى ، وقدمت (عمان) كنمودج لبقية العالم العربي..
ولكل شخصية في العمل الروائي اسم يدل عليها، وقد قال العرب قديمًا: “لكل امرئ من اسمه نصيب”، فما نصيب شخصيات رواية (بقعة عمياء) لسميحة خريس؟
من اللافت في أسماء شخصيات رواية ( بقعة عمياء) أن الكاتبة لم تختر أسماء شخوص روايتها عبثًا، بل حرصت على إيجاد مفارقة بين اسم الشخصية وطبيعتها، فالبطلة نوال كانت تحلم بحياة برجوازية في حي راقٍ كالشميساني، وحلمت بإنشاء أسرة سعيدة، وعملت جاهدة طوال حياتها في البنك لتحقيق ذلك، إلا أنها لم تنل ما تريد، وكأن اسمها عكْسَ رغباتها، وحقق المفارقة التي جاءت ضد التوقع، فبالرغم من فخامة الشقة والحي الذي تسكنه إلا أنّ الفقر ظلّ يلازمها بين تلك الجدران، وكذلك البؤس الذي تكلل باكتشافها حقيقة زوجها (ربحي) الذي طرد من عمله في المكتبات؛ لأنه كان عينًا على المثقفين، وأبناء المنطقة، يكتب فيهم التقارير التي يقبض ثمنها دراهم معدودة تعود عليه بالخزي والعار. وإصابة ابنتها الصغيرة (نور) بالعمى، فقد وقفت عاجزة أمام ذلك القدر الذي اعتبرته عقابًا من الله لها حين أقدمت على علاقة مشبوهة بجارها (عبد الجليل) مقابل أن يتسامح معها في إيجار البيت، الذي لا تستطيع دفعه بانتظام. ولم تنل نوال حب وتقدير ابنتها (ندى) وابنها (نادر) اللذين عاملاها بشراسة واحتقار بسبب شكوكهما بعلاقتها بعبد الجليل وأسلوب حياتها وطريقة لبسها.
أما (ربحي) زوج نوال، فقد كان يحلم بالمجد والشهرة، فسلك لأجل ذلك درب الخيانة، فكان جزاؤه خسارة وظيفته، وخسارة عائلته، فجاء اسمه مفارقًا تمامًا لما كان يحلم به من المجد والشهرة والرفاهية. وكذلك ابنتها نور، الفتاة الصغيرة الهادئة كالعصافير، فقدت بصرها قبل أن ترى النور في حياتها، فكان الاسم على عكس الواقع. وكذلك الابنة الكبرى (ندى) فكانت حقيقتها عكس هذا الاسم الرقيق، فقد كانت شرسة، وعنيدة وحادة الطباع خاصةً مع أمها. وكذلك الابن الوحيد (نادر) فكان ككثير من الشباب في عمره طائشًا، وصل به الأمر إلى أن يترك الدراسة، ويتجه إلى عالم داعش المجهول، فمات قتيلًا غريبًا، وهكذا فهو كان ضحية للإرهاب الذي تلقف كثيرا من الشباب الذي يحيا بلا هدف ولا أمل.
هذه الشخصيات الرئيسة في الرواية، وأما أسلوب خريس في اختيار أسماء شخصياتها الثانوية فلم يتغير، بل استمرت برسم المفارقة فيها، كما هو الحال في تسمية الشاعر كمال؛ فقد كان شاعرًا مغمورًا، انتهازيًا، وغير مسؤول، وهذه صفات نقص لا كمال، فقد غدر بالفتاة التي أحبته وغادرها بعد أن تركها فريسة لمجتمع لا يرحم لولا حكمة أمها نوال في علاج الأمر. وأما (مصلح)؛ الشاب السائق الذي ضم (نادر) إلى منظمة داعش الإرهابية، فقد كان يشرب الحشيش، ويسوق الشباب إلى الموت بعد ضمهم لداعش. أي صلاح مع هذه السلوكات الفاسدة؟
و كذلك شخصية عبد الجليل؛ فلم يكن عابدًا زاهدًا لله، كان يغش في تجارته من أجل كسب المال، ويرتكب الخطيئة مع جارته استغلالًا لفقرها، وزوجته لميس، حيث يصفها عبد الجليل بأنها امرأة رخوة، لا يطيق لمس جلدها الرخو، أو تذوق طبيخها، أو محادثتها، وهذا الوصف عكس معنى (لميس) تماما، فلميس تعني المرأة ناعمة الملمس.
وهكذا، جاءت أسماء الشخصيات مستلبة من دلالاتها؛ لتحدث الكاتبة المفارقة المؤلمة، والمصير المر الذي ينتظر هذه العائلة، التي غدا أشخاصها في هذه الرواية مثل أوراق الخريف، تتساقط تباعًا؛ لتذروها الريح كيفما اتفق.
نُشر في مجلة فيلادلفيا الثقافية/العدد الثامن عشر.