تسديدات “الماكاروف” على ما تبقَّى من فصول الحكاية

تسديدات “الماكاروف” على ما تبقَّى من فصول الحكاية


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    حمود بن سالم السيابي

    كل المشاوير موصولة بآخر خطوة ، عدا التاريخ الذي يتعشّق بعض الأمكنة فيتلكَّأ عن بلوغ الخطوة الأخيرة ، ويتخذ من حقائب سفره أصائص زرع لكيلا تراوده النفس الأمَّارة بالرحيل.
    وإن دنتْ استحقاقات المغادرة تَذَكَّرَ الزرع الذي تبرعم على تراب حقائبه فاستبعد فكرة ترك المكان.
    بل وحذف كل الموانئ من الخرائط ، وقطع كل الدروب إلى المطارات.
    ذلك هو حال التاربخ مع عدن التي أناخ عليها ركابه ممتشقاً “كلاشنكوفاته” و”ماكاروفاته” ومفسحاً الظل للكوادر لأن تتعهَّد شجر الحلم ليخضر.
    ولقد قُدِّر لي أن أكون ببندر عدن في شتاء يناير من عام ١٩٩٣ بصحبة أحبَّةٍ من رؤساء ومدراء تحرير الصحف العمانية فأقترب من تاريخ عشَّش هنا ونسي الطيران.
    ومخرَ عُبابَ الوقت ومعه عطره وقصائده وناياته وضحكاته وأدمعه فاستطالتْ مسافات وأزمنة البقاء بدلاً من أن تتآكل.
    جئتُ عدن مع رفاق الحِبْر من صنعاء بعد أن أمضينا ثلثي النهار ونحن نمسِّد بتلويحة الأكف قمم جبال طرزها الغيم.
    ونجوب دروباً تسكَّع فيها الضباب.
    ونتعكَّز على أكتاف أصدقاء غمرونا بما يحبِّب إلينا اليمن ويحفرها عميقا في الأكباد.
    كان الوقت يقترب من الثالثة عصرا وفق الساعات الرقمية في لوحة السيارات التي أقلَّتْنا من عاصمة اليمن إلى عروس الجنوب ، إلا أن ساعة “بج بن عدن” في “التَّواهي” كانت خارج الوقت ، ولعلها تواطأت مع التاريخ فقتلتْ عقربيها لكيلا تشعره بدنوِّ الرحيل.
    وهذا الفارق في التوقيتات مردّه للتغيُّر المتسارع في السياسات والمناهج والعقائد والفلسفات والانقلابات والتصفيات ، فرصد الفيزيائيون اضطراب السرعات المقسومة على اختلاف التوقيتات ليتكشّف هذا التباين اللافت.
    ووحده “جامع العيدروس” في مدينة “كريتر” كان يؤذِّن لصلاة العصر في الموعد الذي لا يحتكم لأمزجة صنَّاع الساعات ، ولا يخضع لاشتهاءات عقارب الوقت ومعتنقي الفلسفات والاتجاهات والتيارات والاصطفافات.
    بلغنا شارع “مَدْرَم” في المُعَلَّا قبل أن نتبيَّن اللوحة المرورية الدَّالَّة عليه ، ففي صف البنايات القادمة من العهد الانجليزي ما يكفي للإفصاح عن توائم “نايتس بردج” و”لانكسترجيت” و”كوينز واي” و”سومرس تاون” و”كرومويل رود”.
    لقد تسرَّبتْ صور واجهات البنايات الملوَّنة في شارع “مَدْرَم” مع كل طائرة طارتْ من بندر عدن.
    وكانت سيارتنا تخترق الألوان المكثفة في الواجهات ، وكنتُ أخترق مرايا السيارة لأفتش في “مَدْرَم المعلا” عن مقر الجبهة الشعبية.
    هل سقطتْ لافتة المقر من الشارع أم أن كل المقار خرجت من الحسابات السياسية لتبقى في عهدة الأمس وذاكرة من رفعوها.
    يبدو أن أبا باسم سعيد بن مسعود مريخ بيت سعيد ممثل الجبهة الشعبية في عدن غادر المعلا وعدن واليمن إلى الأبد ، وعاد إلى وطن العز بعد أن اغترب عنه ولم يغترب ، وهاجر بعيدا ولم يهجره.
    إنه في حضن صلالة الوفية لينعم بما تبقَّى من عمر على قمم سمحان والقمر حيث الحوجري رائحة الأيام.
    وحيث راية عُمان الغالية طمأنينة القلب وهدأة الروح.
    لقد تم غلق المقر إلى الأبد ومعه بقية المقار بعد سنوات من عشرة رشاشات “الكلاشنكوف” ومسدسات “الماكروف” لأجل ظرف أملاه الزمان ، فاتخذ أبو باسم وبقية الرفاق قراراً لا رجعة فيه لأجل مستجد وطني أوجبه الزمان.
    وكما كان قرار الاغتراب مبَرَّراً في وقته وعفوياً في اتخاذه ودونما مواعيد مجدولة له ، كانت ذات الشخوص على موعد خطَّه الوعي فجدْولوا العودة وقد أفلحوا.
    وبين نقطتي البدء والختام كان الوطن أنشودة لم تغب عن الشفاه.
    وقمر شوق لا يأفل.
    وشموخ جبال تعلِّم جبال الدنيا معاني الرسوخ والثبات.
    أعود لشارع “مَدْرَم” وقد خلا من عبء اللافتات السياسية ومقار الحركات والتنظيمات التي احتشدتْ هنا لسنين فجعلتْ من عدن عاصمة لليسار العربي وملاذاً للشيوعيين إلى أن طرح ميخائيل جورباتشيف ما عرف ب”البيرسترويكا” أو “إعادة الهيكلة” ففكَّكَ الاتحاد السوفييتي وأنهى الزمن الشيوعي.
    ثم أكمل الغرب المهمة بتغذية النزعات القطرية ودعم الانشقاقات لنيل الاستقلال لتنتقل بنادق دول الفناء الخلفي للسوفييت من الكتف الأيسر إلى الكتف الأيمن ، ومن تبعية مدفوعة الأجر إلى تبعية مدفوعة وبأقل أجر.
    واستغلَّ الأمريكيون أفول نجم فيدل كاسترو فأكملوا انقضاضهم على جارتهم كوبا فقام أوباما بزيارة تاريخية لجزيرة التبغ متأبطاً يد ميشيل أوباما.
    وأتعب الأمريكيون الصين بدعمهم لتايوان.
    ولوَّحوا بجزرة الوعود لكوريا الشمالية فهرول “كيم جونج أون” إلى البيت الأبيض للقاء ترمْبْ.
    إلا أن لعُمان قراءتها للمتغيَّر الطقسي العالمي فلم تنتظر شجرة “البيرسترويكا” التي هزَّها جورباتشيف لتتساقط الثمار ، فليس من طبع عُمان لملمة نثار ما تهزه الريح رغم معاناتها من عداء المعسكر الشيوعي وما ترتب على العداء من استنزاف لمواردها.
    لقد اسْتَسْبقَتْ عُمان تفكُّك المعسكر الشيوعي لتسجِّل نجاحات اختراق في العمق.
    وفتحتْ خطَّ اتصال مع بكِّين قادَ إلى علاقات دبلوماسية مع الصين ، وأتبعتْها بالخطوة الأكبر والأهم بتوقيع اتفاق المبادئ مع الاتحاد السوفييتي قبل أن يتبنى مجلس السوفييت الأعلى “البيروسترويكا” بعامين ، حيث قام مولانا الهيثم المعظم وكان وقتها بوزارة الخارجية بالتوقيع على الاتفاق.
    وقد شَرُفْتُ وزميلي عبدالله بن شامريد الرئيسي بتمثيل جريدة عُمان في تغطية حفل التوقيع في البعثة السوفيتية بنيويورك.
    لقد استشرفتْ القيادة العمانية المشهد الذي سينشأ في هذا الجزء من الكون فحزمت الأمر لاستباق النهايات بإطلاق حوار جاد مع الأقوياء قبل أن ينكسروا.
    وآمنتْ القيادة العمانية بأن التفاوض مع الضعفاء لن ينتج سوى تسويات ضعيفة ، ولن يقود إلا لحلول ترقيعية وتوافقات هشة.
    لذلك فضَّلتْ عُمان الاتفاق مع الاتحاد السوفييتي القوي بقطبيَّتِه ومحوريَّته وتوابعه قبل أن ينهار ، تاركةً للآخرين انتظار شجرة “البيرسترويكا” لتسقط ثمارها الفاسدة فعندها “لكل ساقطة لاقطة”.
    هذا هو شارع “مَدْرَمْ” الأشهر والمتصل بالتواهي وكريتر وخور مكسر والشيخ عثمان والمطار والميناء وفندق “كرسنت” وتلة “ساعة بج بن” أستعيده لأستنطق الذين مشوا فيه وعلى رأسهم الانجليز الذين حلوا بعدن عام ١٨٣٩ فبنوا وزخرفوا إلى أن رحلوا عام ١٩٦٧م.
    واهتزَّ شارع “مَدْرَمْ” بالتصفيق كما لم يهتز من قبل ذات مرور لموكب الملكة إليزابيث الثانية وزوجها الأمير فيليب على هذا الشارع الانجليزي الطراز وفق أجندة التجوال الملكي بين دول التاج ومحمياته
    ومشاه المغفور له بإذن الله السلطان سعيد بن تيمور ذات تنقُّل له من عدن باتجاه بغداد والقدس والقاهرة ولندن وواشنطن.
    وتعطَّرتْ ضفافه ذات مجد بمرور الخالد الذكر قابوس بن سعيد وهو في طريقه إلى مطار عدن ومنه إلى هيثرو فالريف الانحليزي فساندهيرست.
    وكان سيمشيه مجدداً قابوس الخالد ذات زيارة لدولة الوحدة بعد أن أنجزَ زيارة الشطر الشمالي لليمن التاريخية ، إلا أن الخلافات بين شركاء الوحدة علي عبدالله صالح وعلي علي سالم البيض فوَّتتْ فرصة مدِّ الزياة إلى عدن فألغى جلالته الزيارة في اللحظة الأخيرة رغم أن وفد المقدمة قد وصل مطار عدن.
    وهنا في “مَدْرَمْ” مرَّ قحطان الشعبي وعلي سالمين ربيع وعبدالفتاح إسماعيل وعلي ناصر محمد وعلي سالم البيض وبقية رجال ثورة ١٤ أكتوبر.
    وإلى هنا جاء أمين عام الجبهة عبدالعزيز القاضي من مقره في الغيضة ليتابع مكتب عدن.
    وهنا مرَّتْ جنازير الدبابات لتقتلع الكحل من عيني المدينة ، ومشتْ السيارات التي ترفع صوت المسجل على “تلاحين” بلفقيه وأيوب طارش ومحمد مرشد ناجي.
    ونغادر المعلَّا ومدْرَم باتجاه خور مكسر حيث وضع الفرنسيون لمساتهم على فندق “فرونتيل” الذي تحوَّل فيما بعد إلى “عدن موفنبيك”.
    ومن شرفة الفندق الفرنسي أسرِّح النظر في جمال مدينة تتقاسم مع مسقط الغالية جبالاً بلون ذوبان الجوز ساعة المطر . وسماءً زرقاء مرقشة بنثار الغيم كشالات نبيلات مسقط والملكتين أروى وبلقيس . وخلجاناً كأسورة المعاصم فتأوي إلى وداعتها السفن المتفلِّتة من شقاوة الموج.
    إلاَّ أن ما يفرق بين “البندرين” مسقط وعدن أن الانجليز تركوا في عدن “لندنهم” الصغيرة بشوارعها وبيوتها وقطاراتها وكنائسها وفنادقها ، واكتفوا بالمبنى اليتيم لقنصليتهم في مسقط.
    ما زال الحديث عند عتبة العام ١٩٩٣ والشطر الجنوبي لليمن حديث عهد بأفول الشيوعية فانطفأتْ كل النجمات الحمراء من مبانيها باسثناء واحدة نسيها الزمان في زحمة الاندماج مع جارة الشمال وباستثناء بقايا مدارس النجمة الحمراء التي أبقتْ الاختلاط في المرحلة الثانوية.
    ينبهني المرافق إلى ترسبات دخان على جدار بناية متهالكة مررنا بجانبها فيقول أن الشائعات التي تنخر بندر عدن تجزم بأنها بقايا احتراق مدرَّعة استقلها عبدالفتاح إسماعيل بعد موقعة المكتب السياسي بين علي ناصر محمد وعلي عنتر في الثالث عشر من يناير عام ١٩٨٧م.
    وإن الأدخنة العالقة على الجدار كانت على خط سير المدرَّعة وقد عُوجِلَتْ بتفجير قبل أن تبلغ القاعدة البحرية فتفحَّمتْ المدرعة ومن بها ليبقى الوشم الأسود للجريمة.
    هاهي حرائق هذه الجغرافيا المسكونة بالجنون والحلم والنزق والثورة تشتعل مجددا في الذاكرة وأنا أقرأ كتاب “رصاصة الماكاروف وما تبقى من فصول الحكاية” للشاعر والسارد الأستاذ علي العايل الكثيري.
    لقد انتهتْ كل فصول الحكاية وما تبقى هو السرد.
    إلا أن سرد العايل الكثيري ليس ككل سرد فهو كاتب الفصول وهو الفصل الوازن في الحكاية.
    وما دمنا في المُعَلَّا و”مَدْرَمْ” بالتحديد فهي جغرافية علي العايل الكثيري ، إذْ دخل العايل مقر الجبهة الذي كان هنا وخرج وهو يحمل رسائل تخصه كطالب علم في مدارس “الشعب” و”٩ يونيو” وفي ثانوية حسان في الغيضة وفي مدرسة “البرولبتاريا” في لحج.
    وجاء مرارا إلى “مَدْرَمْ” لينهي إجراءاته انتقاله من مدرسة لمدرسة ، ويتابع تكليفاته من سرية إلى سرية ، وليراجع في أمور تتصل بعلاجه في الخارج ، ولحجز تذاكر السفر بين عدن والريان وعدن وطرابلس الغرب وعدن والقاهرة وعدن وبمبي.
    وعلى مقربة من هنا كان يمشي باتجاه “خور مكسر” حيث معسكر جمال وعمائر “باهارون” التي اعتاد الإقامة فيها مع عائلته ، وتحوَّلتْ مع السنين إلى مناخ شبه دائم لدى تردده بين الغيضة وعدن.
    والمتتبِّع لتجربة علي العايل سيلمس ذلك التمازج بين وجعه باعتلال ظروف الوطن والوجع باعتلال البدن مما يضفي ثراء على تجربته وفارقاً لافتاً عن بقية تجارب رفقاء السلاح.
    لقد عانى علي العايل مذ كان رضيعا في أيامه الأربعين من التهاب عينه اليمنى وسرعان ما تطور الالتهاب ليفقد الابصار بها .
    وأبصر الدنيا من قمم الجبال وهو بعين واحدة وبأبٍ مسافر.
    وعاد أبوه الذي لم يسبق أن رآه بعد ثلاث سنين فلم يعرف ماذا تعني العودة ولا استشعر دفء الأبوة التي لم يذقها.
    ورأى النار في طفولته تشتعل لتبتلع “الستريت” الذي يحمي العائلة وممتلكاتها من الشمس والمطر وهبوب الريح فلم يكن بمقدوره أن يساهم في الاطفاء.
    ورنَّ في سمعه خبر استشهاد عمه في معركة مرباط الأولى وهو لم يدرك بعد معنى الاستشهاد.
    وحمل طفولته واعتلال صحته فعبر بهما الوديان والوهاد حتى منطقة “ميرورت” غرب “جادب” ليلتحق بمدرسة الثورة التي يديرها الأستاذ أحمد بن سالم البريكي فيتتلمذ على يد عدد من المتطوعين العمانيين والفلسطينيين والبحرانيين.
    ويتوحَّش ألم العين إلى صداع مما يضطره للخضوع لعملية استئصال للعين اليمنى في المستشفى الجمهوري بعدن.
    وتكبر المعاناة فيتحوَّل الصداع إلى صرْع فيتخلف عن زملائه في الدراسة لتلاحقه النظرات المتنمِّرة فتصنِّفه كمعتلٍّ في عقله.
    وتشاء الصدف أن يحمل رسالة من إدارة مدرسة الثورة في الغيضة إلى أمين عام الجبهة في الغيضة أيضاً تتهمه بالجنون.
    وتقترح المدرسة في الرسالة على أمانة الجبهة بضرورة إعادته إلى الوطن.
    وفي لقاء للعايل مع أمين عام الجبهة يسأله عبدالعزبز القاضي وهو يتفرَّس ملامحه العاقلة عمَّا إذا كان يود العودة للوطن فيجيب علي العايل الكثيري “لو أردتُ العودة فلن أستأذن منك”.
    ما زلتُ في سياق استدعاءات الأمس الذي عاشه الشاعر والسارد الكثيري فتلوح جدران مدرسة “البلوريتاريا” التي أسسها سالمين ربيع علي فأنتظرُ إطلالته والرفاق عند “كشك محمد حيدرة” ليدخل الكثيري وطلاب الأرياف من أبناء الضالع ويافع وردفان ليتبضعوا علب بسكويت يغمسونها في شاي القسم الداخلي بين الوجبات.
    وأقتحم خلوته في غرفة الإذاعة المدرسية بالغيضة وهو يعلي صوت المايكرفون لينشد “لبيك سمحان المنادي”.
    وأشهد حفل تفوقه رغم اعتلال صحته وكثرة تنقله فاسمه بين الأوائل .
    وحتى في عودته إلى الوطن صباح السادس من يونيو عام ١٩٨٠م. كان مختلفاً ، فقد سبق والتقتْ أسرته التي رافقته إلى العلاج من الصرع في الهند بأفراد من طاقم القنصلية العمانية في بمبي ففاتحوهم بأمر العودة فاستجاب الأب وبقية الأسرة إلا العايل الكثيري الذي تحجج بإكمال الدراسة.
    وبعد سنين من قراءته المتأنية للغد أدرك في النهاية استحالة الاستمرار فعاد من بغداد إلى المنامة فمسقط فصلالة.
    والتحق بالعمل بعدة جهات في صلالة فانسجم مع بعضها واختلف مع بعضها الآخر.
    وكانت بعص المنغصات وراء اتصاله مجدداً مع بقايا رفاق الأمس فراكَمَ دفع الأثمان.
    وكما استنزفت صباه الغربة هاهو يدفع في كبره أثمانا أكثر كلفة تمثلت بسنوات الاعتقال إلى أن خرج بعفو سلطاني أواخر عام ١٩٨٩م.
    وبعد خروجه من السجن ثم التقاعد ظلَّ الشعر سمير العُمْر و”تلاحين” الزمان ، فأصدر ديوان “ذاكرة الرماد” وأتبعه برواية “سِيَريَّة” أسمهاها “رصاصة الماكاروف”.
    ومع أنني لم أقابلْ الأستاذ علي العايل الكثيري سوى التواصل الواتسبي فقد شرفني بثقة لا أستحقها بتقديم ديوانه “ذاكرة الرماد” رغم علمه المسبق بأن بضاعتي مزجاة.
    وهأنذا اليوم ألتقيه على صفحات “رصاصة الماكاروف” ولكن بعد أن أحال الصُّنَّاع الروس مسدس “الماكاروف” إلى التقاعد ليحل مكانه المسدس “ياريغين” بسعة ١٨ طلقة أي بزيادة تصل إلى الضعف عن “ماكاروف” الذي يتم تلقيمه ب٩ طلقات فقط.
    وبعد أن تحولت مدرسة “البروليتاريا” إلى معسكرٍ للواء الخامس.
    وتوقفت عقربا ساعة “بِجْ بَنْ عدن” في “التواهي” عن الدوران.
    وبدأت بنايات “مدرم” بتتابع السقوط لقدمها.
    وتهشمتْ واجهة “كرسنت” لتعوي الريح في الشرفات الخشبية.
    وتلقَّى “موفنبيك” رشقات من صواريخ المتقاتلين
    وقفل “محمد حيدرة” كشك “البروليتريا” على آخر علبة بسكويت انتظرتْ طالباً يشتريه فلم يأتِ.
    وأختمُ هذا التطواف في “ما تبقَّى من فصول الحكاية” بما دوّنه علي العايل الكثيري من فندقه في موسكو قبل عامين ذات حنين للوطن:
    “يقولوا كلما سافرت
    (علي) لا تترك الديرة
    وانا روحي تشيل ظفار
    معاها وتحتضن ريـفي

    وانا مهما يقولوا غاب
    ترى لي في الوطن جيرة
    حكاها بالمطر شعري
    وترسم بالشجن طيفي

    وعيني تحمل الذكرى
    ويلبسها الوطن سيرة
    عسى الذكرى بها الغربة
    تعوض بالنظر صيفي”
    ——————————
    مسقط في ٢١ ديسمبر ٢٠٢١م.
    *بعض الأسماء الواردة في النص رحلت عن دنيانا إلى الدار الأبقى.
    *بعض الصور المنشورة من صفحة الأستاذ علي العايل في الفيسبوك ، وبعضها من المواقع العدنية ، والبعض اليسير من أرشيفي.