د. منال رضوان تكتب: دينامية النص فى «كويت بغداد عمَّان» للروائى الأردنى أسيد الحوتري

د. منال رضوان

الكاتب والناقد الأردنى أسيد الحوتري المولود بالكويت فى العام ١٩٧٤،صدرت له مجموعات قصصية منها: «الهمسات»، «النحت على جدار الورق»، «ما وراء الحرف» وغيرها، والعديد أيضًا من الدراسات النقدية قبل هذا العمل.
تتخذ رواية «كويت بغداد عمَّان» من الحدث الأشد تأثيرًا على الوطن العربى، وهو الغزو العراقى للكويت فى العام ١٩٩٠ وما أحدثه من صدع فى الواقع العربى حتى اليوم، فكرة رئيسة ملهمة لسرد العديد من الأحداث من خلال سعيد حازم البحترى، الأردنى المولود بالكويت، والذى يمثل الصوت السردى غير المباشر فى راويته للأحداث.
وعبر فصول بدأت بسفر التكوين وانتهت بسفر الخروج، مرورا بالنُقَّرة والقادسية وغيرهما، يتم الانتقال بين العناوين الدالة على الأحداث، باعتماد ملمحين مهمين، هما استخدام أسلوب أو مبنى الـ (ميتا سردية)، فضلا عن اعتماد النص على دينامية شديدة الوضوح.. وخلال السطور التالية سنعرض هذين الملمحين بشىء من الإيجاز:
– استخدم الروائى عدة تقنيات، بدأها بما يشبه الفيلم السينمائى، معتمدا على التقطيع أو التشظى، واللجوء إلى التعددية الصوتية؛ ليُدخل المتلقى معه فى معادلة تفاعلية لا تتوقف إلا بكتابته الصريحة لكلمة (cut) وانتهاء الأحداث؛ فيحيل أدواته إلى تلك التعددية الصوتية.
التى بدت واضحة فى الفصل الأول بين البطل والجنود الذين حاولوا توقيفه، قبل أن يتجه إلى استخدام ما ورائية الرواية؛ وتذكر ما مر من أحداث، ليس بعالمه الخاص أو ما يعرف بالأنا الصغرى فقط، بل فى سبيل اعتماده الحكى والإدراك لتلك الطبيعة السردية تجده يقوم بكسر ما يعرف بالحائط الرابع بينه وبين القارئ فى أكثر من موضع وينفتح على أحداث عديدة فى بلدان أخرى متفاعلا مع المتلقى فيقول:
(وأتذكر أنه تم اقتراح أن أُسمَّى رمضان أو كريم، ولكن القدر شاء أن أدعى سعيدًا.. فهل سيكون لى من اسمى نصيب؟! هذا ما سنكتشفه بالصفحات القادمة بعون الله تعالى، فابقوا معنا…) وبجعل القارئ جزءًا أصيلا من المعادلة، ضمن الحوترى تفاعله مع عشرات الأحداث محليا وإقليميا، بل عالميا أيضا؛ مما منح المبرر لذكر مناطق عديدة، أولى الزمن فيها أهمية خاصة، عن طريق حيلته الأذكى وقيامه بذكر عشرات الأغانى والروايات والشخصيات المعاصرة.
فى سبيل إيجاد قسمات مشتركة بين الوجوه العربية التى اختلفت مواقفها، لكنها توحدت عبر الآداب أو الفنون. فعلى سبيل المثال، فى مصر يذكر تحديدا حى (الكيت كات)، ويعقد مقارنة ضاحكة بين الشيخ حسنى المستوحى من (مالك الحزين) والشيخ إمام فى ألحانه الساخرة، حتى يخلص إلى نتيجة مفادها أن «حسنى» لم يكن شيخًا ولا «إمام» كذلك بألحانه المحبوبة والجميلة.
هذه الواقعية الفريدة الساخرة أحيانا والمريرة فى أحيان أخرى جعلته يتناول بعض المسكوت عنه من وقائع، كاللواء العراقى الذى حرر جنين على سبيل المثال، أو الحال التى آلت إليها الصومال عقب أحداث ١٩٩١.
وغيرها من أحداث، ويمررها بمخاتلة ذكية بدأت من عتبة النص الأوّلى (كويت بغداد عمان) والتى جعلتنا نتذكر تلك الحافلة التى كانت تمر على ساحل الخليج العربى وتحمل الاسم ذاته.. بل ربما تبادر إلى الأذهان ذلك القطار الذى كان يمتد من القنطرة فى مصر إلى حيفا فى فلسطين، ومنها إلى بيروت، وكان له العديد من الفروع تخدم يافا والقدس وعكا ومرج بن عامر.
كما أن هناك هذه المراوحة التى اعتمدها الروائى فيما بين الشريط السينمائى والمرآة التى يتذكرها البطل ليشاهد ماضيه فيها ويستشرف مستقبله – أو مستقبل أمته – مع أسلوب السرد الذى اعتمد فى الجزء الأول على تعددية حملت التشذر الزمكانى عقب التوقيف وعصب عينيه بغطاء الرأس الأسود ومن ثم ضمان نجاح استخدام آليتى التذكر والإسقاط.
وضمنت فكرة الحافلة التى تصدرت صورتها غلاف العمل استمرارية دينامية حراكية مثلت قوة فاعلة وغائية تعتمد آلية للكشف عن المتغيرات التى تطرأ على المجتمعات العربية بغية التنوير أو التغيير، وهو ما سمح بالتحرر من سكون حالات الوعى أو ما يعرف وفق «أوجست كونت» و«سبينسر» بـ (السكون الاجتماعى)؛ لجعل النص يُنتج (أدبيا) وفق هذه البنية الدينامية الدالة والمتغيرة؛ لاحتواء الظرف الموضوعى المحيط بالحدث الرئيس والمنشئ لأثره عقب الاجتياح.
وهى المراوحة ذاتها التى اعتمدها فيما بين الشريط السينمائى وتلك الحافلة الخيالية التى تشبه بساط الريح، فتضم (بثينة العيسى وإبراهيم أصلان وعوض الدوخى وطلال مداح والشيخ إمام وعلى الساعى.. وغيرهم).
فكانت الأكثر ملاءمة لذكر عشرات الأماكن والأحداث دون حدوث الاضطراب السردى الذى قد يقع البعض فيه، خاصة فيما يعرف بمعلوماتية الرواية أو ما يطلق عليه البعض «الرواية المعرفية»، رغم الحدود الفاصلة فيما بين المصطلحين السالفين، والتى أدركها الكاتب تمام الإدراك وجعلتنا نستكمل معه حلمه:
(ففتح الغلام من فوره ذراعيه للرصاصات المنطلقة صوبه وجرى نحوها بكل صدر رحب!
– وِلَك إشبيك؟ كَوم أوكف، أوكَف ما بيك شى، رميناك برصاص صوتى – «cut»).

نشر في (المصري اليوم)
21-6-2023