الناقد “محمد رمضان الجبور”
موضوع «الغجر» من الموضوعات التي نادراً ما يتناولها الأدباء أو يتطرق لها الكتّاب، فهم الفئة المهمشة ليس في الاقتراب منهم أو ترحالهم، بل في جميع شؤون حياتهم، فلا وطن لهم ولا ثقافة، حتى تاريخهم يخالطه الكثير من الأساطير والخزعبلات، فالاقتراب منهم والكتابة عنهم يظلّ فيه نوع من المغامرة التي تكتنفها المصاعب أحياناً. ومن الكتب الصادرة حديثا، كتاب للدكتورة مي بنات، تناولت فيه تحت عنوان جميل ومُلفت «صورة الغجر في الرواية» وتحت هذا العنوان الرئيسي عنوان آخر يوضح العنوان الأول «دراسة مقارنة في نماذج عربية وعالمية».
وفي تمهيد مختصر ومفيد تناولت د. مي بنات التعريف بجماعة الغجر… التسمية، وأصول الغجر، ولغتهم، ومعتقدهم الديني، وعاداتهم، ومهنهم، ومظهرهم فهم يشتركون في هيئة خلقيّة متقاربة، ثم تحدثت عن الصورة النمطية للغجر، وختمت التمهيد بالحديث عن الغجر والأدب.
الكتاب جاء في ثلاثمائة صفحة من القطع الكبير، وقدمت له د. مي بنات بمقدمة تُوضح فيها فكرة الكتاب، فقد رأت أن الغجر يشكلون عاملاً مشتركاً في الثقافة العالمية، فانبثقت لديها فكرة المقارنة بين صور الغجر في الرواية العربية والأجنبية، فاعتمدت على خمس روايات عربية :
مخلفات الزوابع الأخيرة للروائي الأردني جمال ناجي رحمه الله، أرض الغجر/ للروائي المصري أحمد أبو هيبة، ورواية الغجرية للروائية والقاصة المغربية وئام المددي، ورواية «الغجر أسياد الحرية – الغجرية المتألقة» للروائي الفلسطيني عبد الله المالكي، ورواية «شموس الغجر» للروائي السوري حيدر حيدر.
واعتمدت د. مي بنات في دراستها على خمس روايات أجنبية للمقارنة وهي: مائة عام من العزلة لماركيز، أحدب نوتردام لهوجو، ورواية العذراء الغجرية للورانس، ورواية الخيميائي لكويلو، ورواية الغجرية لثربانتس.
قسّمت د. مي بنات كتابها إلى ثلاثة فصول، تناولت في الفصل الأول صورة الشخصية الغجرية وركّزت فيها على صورة شخصية المرأة الغجرية في الرواية العربية والأجنبية، ففي الرواية العربية تحدثت عن مجموعة من الصفات التي تميزت بها المرأة الغجرية، المرأة الفاتنة، والمتحررة، والحكيمة، والمسؤولة، وفي الرواية الأجنبية تحدثت عن المرأة الجميلة، والخلوق، والذكية، والدميمة وكما تحدثت عن المرأة فقد تحدثت عن الرجل الغجري سواء كان ذلك في الرواية العربية أو في الرواية الأجنبية، ومن ثم تعقد مقارنة بين تلك الشخصيات في الرواية العربية والأجنبية.
وتتناول الكاتبة د. مي بنات في الفصل الثاني من كتابها صورة الثقافة الغجرية وتعقد مقارنة لهذه الصورة في الرواية العربية والرواية الأجنبية، وتتناول في هذا الفصل الكثير من المفردات التي تخدم هذا الجانب من الدراسة، مثل المهن والحرف، العادات والتقاليد، والاحتفالات وطقوس الموت، والمظهر واللباس… وصور الحياة الروحية عند الغجر من خلال الدين والخرافات والأساطير.
وفي الفصل الثالث تناولت الكاتبة صورة الغجر في بعض عناصر التشكيل الروائي، وجاء هذا الفصل ليتناول ثلاثة مباحث هامة في الرواية وهي: سيميائية العنوان، والفضاء الروائي، ورمزية الغجر في الرواية العربية والأجنبية، فالروائي العربي رمز بالشخصية الغجرية إلى الفئات المهمشة والمنبوذة، وأحيانا يحمل رمز الغجر في الرواية إلى الحرية، وأخرى إلى الاغتراب والشتات أو البساطة.
يبقى أن نقول إن هذا الكتاب صادر عن (الآن ناشرون وموزعون) بدعم من وزارة الثقافة. ويظل هذا الكتاب من الكتب التي لها الأهمية الكبيرة في الرجوع إلى موضوع الغجر في الرواية.