أحمد فضل شبلول والذات الساردة في “رئيس التحرير”

أحمد فضل شبلول والذات الساردة في “رئيس التحرير”


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    العرب اللندنية

    ينم كتاب أحمد فضل شبلول “رئيس التحرير أهواء السيرة الذاتية” منذ الإهداء في مطلعه على بساطة الفكرة في إيجاد الكاتب الحلول لحياته غير الإشكالية مع شخصيتين هما منى فارس والجوهرة إبراهيم اللتين أرادهما جسدين لروح واحدة في مؤلفه.
    واللافت في الأمر أن الكاتب وسم كتابه تحت مسمى “رواية” وهو ما يضع القارئ في منطقة حيرة حول جنس هذا الكتاب، إن كان سيرة ذاتية كما هو متعارف عليه من اشتراطات السيرة؟ أم رواية متخيلة لها عوالمها وتفاصيلها كما يراها الكاتب؟ ففي هذا الكتاب يلعب شبلول دورين أولهما هو ذاته التي يحكي عنها بجرأة وطلاقة، وثانيهما دوره كسارد للأحداث التي يجنح بعضها إلى الخيال.
    وقد وصل التمازج هذا إلى حد أن بطل الرواية أو السيرة اسمه يوسف عبدالعزيز وهو لا يتطابق مع اسم صاحب الكتاب الذي يقترحه كسيرة ورواية في ذات الوقت.
    أشار الكاتب منذ الصفحات الأولى إلى نشأته في سبعينات القرن العشرين، وإن كان قد شارك في انتفاضة 18 و19 يناير عام 1977، إلّا أنّ حلمه تعلّق بالصحافة وليس السياسة، وبالتالي لا نجده يولي المسائل السياسية أهمية كبيرة في أهواء سيرته. في سرده لمراحل حياته وتجربته يتخطّى الكاتب تفاصيل العشرات من السنين التي يكتفي في الحديث عنها ببعض الإشارات العابرة، ولكنّه يولي أهمية خاصة لعمله صحافيًّا فاعلًا في مجلة خليجية.
    كما يتطرق إلى علاقته بالمرأة وتأثيرها في درب نجاحه، ثمّ نجده قد ضمّن أهواء سيرته بعضًا من التخييل الذاتي بعد أن أضحى يشتغل في تلك المجلة، حيث تمكّن من متابعة حلمه برئاسة تحريرها بعدما وعدته منى فارس الحبيبة الأولى التي شكلت له عين العقل الأولى بهذا المنصب، إضافة إلى الجوهرة عين العقل الأخرى التي ربما تكون زوجه بعد تسلّمه منصبه الجديد.
    م يقدّم شبلول سيرة ذاتيّة على الرغم من أنّه أشار إلى أنها أهواء السيرة الذاتية، بمعنى أنّ ما قدّمه هو اختيار جوانب من سيرته، والارتكاز عليها لبناء عوالم تخييلية لها علاقة بالسرد الروائي، ولكنّنا نتساءل هنا هل قدّم عملًا روائيًّا، كما أشير في غلاف كتابه؟
    إذا كان شبلول قد أمتع قارئه بالسرد ورغّبه بمتابعة القراءة لكشف أسرار الراوي، وحاول أن يتجاوز طرق السرد المألوفة، إلّا أنّه لم يقدّم عالمًا روائيًّا أساسه الخيال والشعرية، بل كان أقرب للسيرة الشخصية التي تعنى باستعادة بعض من يوميات ووقائع مختارة جرت معه، وكانت حاسمة فيما وصل إليه من حيرة إزاء انتظاره قرار تسلّمه لرئاسة التحرير.
    وحاول شبلول أن يمنح اختتام نصّه انفتاحًا لأسئلة جديدة قرّبته من فن التخييل السردي الذاتي الذي يعتمد أحداثًا حقيقية وقعت قبل الكتابة، على عكس الرواية التي تخلق عالمًا جماليًّا جديدًا يحاكي الواقع ويمنحه قيمًا جديدة. واستطاع الكاتب بالفعل أن يقارب هذا الفن الجديد الذي يقع بين السيرة الذاتية والرواية في كثير من مواقع نصّه، وإن كانت قد غلبت على سرده الإحالات المرجعية على حساب التخييل.
    من سمات نص شبلول أنه تمكّن من تقديم سيرته مندمجة مع تجربة امرأتين ناجحتين، فجاء نصّه ذاتيًّا متح من سيرته وسيرة الآخرين ومن الواقع، واكتفى بجانب من سيرته التي نقّحها وعالجها فتطابق صوت كاتب “أهواء السيرة الذاتيّة” مع صوت السارد، على الرغم من أنّه أبقى صوتًا ضمنيًّا من خلال الشبكة التي نسجها مع شخوص نصّه للقارئ الذي يحتاج إلى التيقّظ لجمع أركان النصّ وتشكيله من جديد في بنية متخيّلة.
    وإذا كان الكاتب قد أذعن لتاريخه الشخصي وطموحاته فإنّه لم ينس الإشارة إلى قضايا تهمّ الجماعة، فجاء نصّه علاقات منسوجة بين ذاتيته وحياة الآخرين الذين ضمّن أفعالهم وصفاتهم في سياق النصّ، فحصل له تصوّر شامل عن الموضوعات التي حاول طرحها.
    أخيرًا وليس آخرًا، فالقارئ لنصّ شبلول يستشعر أنماطًا كتابية متنوعة فنجد السرد والشعر والرسالة، كما استحضر ذكرياته مع عدة أشخاص، وولّفها حتّى أضحت نسيجًا ملوّنًا متخيًّلا يقف على التخوم بين الأجناس الأدبيّة، مما سهّل عليه توصيف الواقع بعد أن وظّف الذات العارفة ومنحها سلطة السرد متخليًّا عن إصلاح العالم ومكتفيا بالبحث عن الذات الفاعلة وسط طوفان المجموع على فردانية البشر.