“ديوان العرب”
يقدّم عادل الحمداني في روايته “أميرة بنت تونس” شخصيات حيَّة، تأخذ القارئ معها إلى عالمها الممتد بين بلدين عربيين متباعدين جغرافيا هما: عُمان وتونس، وزمنين تفصل بينهما تحوّلات عميقة، هما: سبعينيات القرن العشرين، والعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
وجاءت الرواية الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 284 صفحة من القطع المتوسط، واختيرت لغلافها لوحة من أعمال الفنانة أميرة العبيدي. وامتاز أسلوب الحمداني فيها بدقة الوصف الذي يقرّب القارئ من تفاصيل الشخصيات، وينقله في الوقت نفسه إلى الملامح الجغرافية للمدن والأمكنة.
وتدور معظم الأحداث في تونس خلال الزمن الحاضر، لكنها ترتبط ارتباطا مباشرا بنصف قرن مضى شهدت فيه سلطنة عُمان بواكير نهضتها، وانفتح مجتمعها على المجتمعات العربية، فأثمر هذا الانفتاح تلاقحا وامتدادات نفسية ووجدانية عبَّر عنها العمل من خلال شخصية بطلي الرواية؛ أميرة وسعيد.
وتصف الرواية حال سعيد الذي جاء إلى تونس وهو لا يعرف عنها سوى معلومات سطحية، وأنها بلد: “شاعر الخضراء أبي القاسم الشابي والمصلح الاجتماعي الطاهر الحدّاد، بلد لطفي بوشناق وصابر الرباعي وهند صبري، بلد أحمد الحفناوي الذي هرِم قبل ثماني سنوات ولم يهنأ باللحظة التي حلم بها.
لا يعرف عنها أكثر من ذلك. حتى حين أضاف بنت تونس في السناب شات لم يتخيل أكثر من حاجته لسؤالها عن مكان ما أو أن يطلب اقتراحها حول موقع هنا وآخر هناك”.
وتتوالى الأحداث فتصهر البطلين معًا في مصير واحد، يعيدان اكتشافه من جديد:
“ساد الصمت بينهما وهما يرتشفان العصير بقطع الثلج القابعة في الأسفل. تلاقت أعينهما أكثر من مرة فرسم كل واحد منهما ابتسامة على وجهه: «كم هي جميلة ومتزنة وقوية هذه التونسية!» قال في نفسه بينما قالت هي: «لماذا لم ألتقِ به من قبل. لماذا تكون حياتنا مرهونة بصدف القدر وتقاديره؟». تذكرت فجأة مقولة لسبونغ بوب جرت مجرى الحكمة على لسانه: «لا تتأسف على نجمة ضاعت منك، فالسماء مليئة بالنجوم وإن لم تكن من نصيبك فمن يدري لعل القمر نصيبك».
وقد طعَّم الكاتب قالبه الرِّوائي المتعارف عليه بعناصرَ جديدة منحته مزيدًا من الجمال، دون أنْ تُضعف رصانتَه أو تُفقدَه تشويقه الحكائيَ، فاتَّسمت الرِّواية في مقاطعَ منها بطابع توثيقيٍّ للإنجازات التي شهدتها عُمان، وأسماء الأشخاص الذين اضطلعوا بتحقيق هذه الإنجازات.
وأخذ الحمداني القارئ في رحلة عبر الجغرافيا التونسيّة، وأطلعه على معالمها الطبيعيَّة والأثريَّة، وعلى أزيائها الشعبية، وأصناف الطعام فيها، وعادات الناس وطبيعة أمزجتهم، واستطاع تصوير التفاصيل الدقيقة التي منحت تونس تفرّدها. وفي المتن، تنقَّل بين أعمال روائيَّة خالدة، فامتزج سردُه بها، اقتباسًا وتناصًّا وإحالةً.
إحدى شخصيات الرواية تستحضر ذكريات عملها الصحفي والإعلامي في جريدة عمان والإذاعة العمانية، وتسرد تفاصيل عاشتها خلال تسعينات القرن الماضي، وتذكر شخصيات إعلامية كان لها دور بارز في مسيرة العمل الإعلامي في سلطنة عمان. في إحدى أحاديثها تقول: “في كل الأحوال كانت هناك جهود من قبل هؤلاء الإعلاميين لصناعة إعلام محترف، إعلام قدّموا له كل طاقاتهم على حساب عوائلهم ومتعهم الخاصة. في ذلك الوقت لم يكونوا ينظرون ولا يفكرون في المناصب أو المصالح الشخصية”.
ومن الجدير ذكره أن عادل الحمداني كاتب وإعلاميٌّ من سلطنة عُمان. عمل في مجال إعداد البرامج الإخباريّة والحواريّة الإذاعيّة والتلفزيونيّة لأكثر من أربعة وعشرين عامًا، نشر مجموعة من مقالاته وقصصه القصيرة في الصحافة، صدرت له رواية بعنوان “غرفة محكمة الإغلاق” عام 2020.