“الغد” الأردنية
يتناول كتاب د.جعفر حسّان “الاقتصاد السياسيّ الأردنيّ: بناء في رحم الأزمات”، مسارات تطوُّر الاقتصاد السياسيّ الأردنيّ منذ نشوء الدولة، وبشكل خاص السياسات التي تمّ اعتمادها خلال العقدين الأخيرَين.
ويعاين الكتاب الذي صدر حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمّان ، تحوّلات هذا الاقتصاد، ويشير إلى مواطن القوة والضعف في مسيرته، وما يتيح الإفادة من الدروس المستقاة من التجارب التي خاضها والاختبارات التي شهدها. وكلّ ذلك بموضوعية وواقعية، وعلى أساس الحقائق والتطبيقات العملية وبمنأى عن الانطباعات المشوّهة والأخبار الكاذبة والمواقف المسبَّقة والأحكام المضلّلة.
وجاء الكتاب في مئتين وتسعين صفحة من القطع الكبير، شملت مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، وتصدّرت غلافَه صورةٌ ترمز لتطوُّر العاصمة الأردنية منذ سنوات الاستقلال وتحوُّلاتها حتى يومنا هذا.
وتكمن أهمية هذا الكتاب في أنّه شهادة من الداخل. ذلك أنّ معظم ما نُشر حول تطور السياسة الاقتصادية الأردنية على مدى العقود السابقة كان بأقلام وجهود باحثين أجانب وباللغة الإنجليزية في الغالب، ومنها تقارير لمؤسسات دولية عن الأردن.
ويأمل المؤلف، كما جاء في المقدمة، أن يمثّل هذا الكتاب دافعاً للمزيد من الحوار الجادّ والبحث والتقصّي والإثراء المعرفيّ والنقد المبني على التجربة والخبرة والعلم، خاصة مِن قِبل أولئك الذين شاركوا بقراراتهم وجهودهم واجتهاداتهم ورؤاهم في كتابة تاريخ العقود الأخيرة بنجاحاتها وإخفاقاتها. كما يأمل أن يكون الكتابُ دافعاً إلى المزيد من الكتابات الجادّة مهما اتسمت بتباين الرؤى واختلافها وهي تتناول هذا المجال الحيويَّ والجدليَّ بالضرورة، لتحقيق إضافة نوعية وتقديم مراجعة مسؤولة للسياسات السابقة، وتسليط الضوء على آلية العمل ومنطق القرار وطبيعة التحديات التي مرّ بها الاقتصاد الأردني وأسبابها.
وتشير خاتمة الكتاب إلى تحول رئيس في المعادلة الاقتصادية وظهور حالة من الاستقطاب بين القطاعَين العام والخاص بعد أن بدأت العلاقة بينهما تتغير بشكل كبير منذ بداية التسعينيات مع انخفاض الإنفاق الرأسمالي وجفاف المساعدات الخارجية، متخذةً شكلَ التنافُس على النفوذ والسياسات والمصالح نتيجة تساقط النموذج الاتّكالي للدولة. فازداد اعتماد الدولة على قدرة القطاع الخاص على الإنتاج لتحصيل الإيرادات الضريبية التي أصبحت المورد الأساس للدولة، ليعاد توزيعها للقطاع العام مع ارتفاع النفقات الجارية من كلف رواتب وتقاعدات الإنفاق الرأسمالي وانخفاضه.
وأثّرت هذه التغييرات في فئات المجتمع والقوى التقليدية، خاصة مع تحوُّل دور الدولة في الاقتصاد، وزيادة التباين في الثروة، وازدياد مظاهر الإنفاق المفرط والاستهلاك الترفي، ونمو الثروات الجديدة، فبدأت فئات كبيرة من المجتمع ترى أن النهج السائد يهمّشها.
ويؤكد المؤلف أهميةَ التحول في العلاقة بين القطاعَين العام والخاص من التبعية إلى التكاملية، لأنّ نجاح أيّ منهما أو فشله مرتبط بنجاح الآخر أو فشله، مبينا أن الاقتصاد الأردني استطاع أن يواجّه تحدّيات هائلة منذ نشأته، وأبدى مرونة واسعة في التأقلم مع كوارث عديدة واجهت المملكة على المستويات كافة؛ إنسانيّاً وجغرافيّاً وسياسيّاً. وبحسب المؤلف، يتسم الاقتصاد الأردني تاريخيا بارتباطه بالأزمات، إذ عملت الأزمات والتغييرات السياسية الإقليمية على تشويه بنيته إلى حد كبير، رغم أن القيادة جعلت منها دافعاً لمواصلة البناء وتسريع العملية التنموية.
ويقول المؤلف في هذا المجال: “ها هو الأردن يقف اليوم على أبواب القرن الثاني من عمر الدولة الحديثة، مؤكداً صموده في وجه التحديات التي فشلت دولٌ أقوى وأغنى في تخطّيها، وذلك بتصميم أبنائه وقيادته الهاشمية وعزمهم، سواء أكانوا مؤسِّسين أم بُناة أم محدِّثين. فقد طوّع الأردنيون الصعاب، وبنوا بلدهم بإرادة عالية رافعين رؤوسهم اعتزازاً بما أحرزوه”.
وأخيراً، يبيّن الكتاب الدروسَ المستفادة من الماضي في مواجهة تحدّيات الحاضر، وما يمكن تحقيقه في المرحلة المقبلة في ظلّ مخاطر “السير على الحافة”. فقد نشأ الاقتصاد الأردني في رحمِ الأزمات التي لا تنتهي. ما يستوجب طرح هذا السؤال: كيف نمضي للأمام؟
يشار إلى أن د.جعفر حسان أمضى 27 عاماً في العمل العام، إذ تولّى خلالها عدة مناصب من بينها: القائم بالأعمال ونائب السفير الأردني في واشنطن (2001-2006)، ومدير دائرة الشؤون الدولية في الديوان الملكي الهاشمي بالدرجة العليا (2006-2009)، ووزير التخطيط والتعاون الدولي (2009-2013) في حكومتَي سمير الرفاعي الأولى والثانية، وحكومة د.معروف البخيت الثانية، وحكومة عون الخصاونة، وحكومة د.فايز الطراونة الثانية، وحكومة د.عبدالله النسور الأولى، ثم عُيّن مديراً لمكتب جلالة الملك (2014-2018)، ثم نائباً لرئيس الوزراء ووزير دولة للشؤون الاقتصادية في حكومة د.هاني الملقي الثانية (شباط-حزيران 2018).
وهو حاصل على شهادتي الدكتوراه والماجستير في العلوم السياسية والاقتصاد الدولي من المعهد الأعلى للدراسات الدولية والتنموية بجامعة جنيف/ سويسرا، وشهادة الماجستير في الإدارة العامة من جامعة هارفارد-كمبريدج/ الولايات المتحدة الأميركية، وشهادة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة بوسطن/ الولايات المتحدة الأميركية، وشهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية من الجامعة الأميركية في باريس/ فرنسا.