البعد الاجتماعي في قصص” خوابي ” للأردني عيسى حداد

البعد الاجتماعي في قصص” خوابي ” للأردني عيسى حداد


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    عبدالله المتقي

    بصدور مجموعته ” خوابي ” عن “ناشرون وموزعون الأن” بعمان في طبعة أنيقة ومشهية ، يكون القاص الأردني عيسى حداد ، قد وضع الحجر الأساسي لتجربة قصصية واعدة ، تؤكد مطمحه الإبداعي في كتابة قصص تتناوح بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا ، والحصيلة هي نصا قصصيا .
    ولعل اقتراح الكاتب ل” خوابي ” عنوانا رئيسيا لمدونته القصصية ، كان اقتراحا واختيارا موفقا ، ولا ريب أن قارئ نصوص هذه الباقة المتنوعة ، يكشف عن قرب ، قصصي مقطرة بلغت نهايتها ومداها ، والقصة الجميلة تشبه الخمرة في قاع الخابية ، لذيذة وتسكر ، وأشير هنا إلى أن القاص عيسى حداد قادم من عالم الخدمات الطبية وجراحة الفم والفكين والوجه، وهذا يعني أننا سنقرأ نصوصا جميلة من جهة ، وننظر في وجهها العزيز تارة أخرى ,
    وعليه ، راهنت قصص ” خوابي ” على النبش في الذاكرة ، والغوص في هوامش الوجود الذي صار رمادا، لتصدح بجملة من القضايا الاجتماعية والثقافية والإنسانية والعاطفية والنفسية ، وللاقتراب من هذه التجربة وتوريط القارئ للتعرف على عوالم هذه الخوابي القصصية ، سنقوم بالإنصات لبعض موضوعاتها ورؤاها الجمالية .
    هكذا تتعدد القضايا التي عالجتها ” خوابي ” ، نتلمس صورة المجتمع في كثير من المحكي القصصي ، كما التقطها القاص بعين ثاقبة ، نجده ” يغرف أفكاره الرئيسية من قصصه من منهل روحاني شفيف ، من غير أن يتجاهل الفكر الشعبي السائد الذي يترجمه الوعي الجمعي في تعالقه مع الحيثيات المسكوت عنها في الحارة والشارع وموقع العمل ” يكتب الشاعر موسى صالح الكسوانى على الدفة الثانية من الغلاف .
    في قصة سحلية نقرأ عن موظف بسيط ، تشاركه سحلية النوم في السرير ، وحين يسأله أحدهم عن السبب يكون الجواب :” إن هذا الصديق الجميل يجلب لي الحظ السعيد ، وسوف يدلني يوما على كنز كبير ” ص17، ويحدث أن يترقى الموظف البسيط وتتغير أحواله ، وحينها ” بدأ أصدقاؤه يؤمنون بأن صديقهم كان على حق ، لذلك سارعوا بالبحث عن السحالي ، وإذا اقتضى الأمر ابتياعها مهما كلف الثمن ” ص 18.
    وعموما ، تكون قصة ال” سحلية ” مرآة عاكسة لدرجة الوعي بالمجتمع ، وتكشف نمط تفكيره الواهم والخرافي ، من خلال رؤية نقدية تعري سوأة هذا الوهم و هذه المعتقدات التي دأبت على أسطرة الأمل والألم في حياة الإنسان البسيط الذي ا لا يملك مفتاحا لأزماته وقهره سوى طلب اللجوء للفكر الخرافي والماورائي ، وإن كان غير ذلك ، فهو يحتاج إلى موقف ، وليس إلى حياد ووصف فوتوغرافي ، وهذا ما نشيمه من سخرية الكاتب اللاذعة .
    وفي نفس السياق ، تقترب ال” خوابي ” القصصية من بعض الظواهر الاجتماعية من قبيل الفقر ، واليتم ،و الطلاق ، الذي يفسد صفوة الشريكين ، وتدفعهما إلى وضع نقطة النهاية ، في قصة ” طلاق ” ، نقرأ عن دكتورة في علم النفس ، وعضوة بالعديد من المنظمات النسائية ، تطلب الانفصال بسرعة من شريكها، لتسر السبب في نفسها :” شعرت بالخجل من تخبر الجميع أن عريسها لا يجيد غير استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يطرب لأغاني أم كلثوم ، ولا يستسيغ شعر نوار قباني” ص 179 ، إنه انفصال ناتج عن تفاصيل مختلفة التي تدفع الكثيرين لوضع حد لعلاقتهما ، قرار ناجم عن ومن ثمة لم تجر الرياح بما اشتهت سفن الارتباط الزوجي ، ولنجد في النهاية قولة ل”مايند بودي غرين” الأميركي :” إن أكبر خطأ يرتكبه الأزواج هو اعتبار استمرارية الزواج من المسلمات”

    وفي سياق تنوع التيمات القصصية ، تحضر تيمة الطفولة كما في نصوص ” شفقة ، عاشقان ، دمية ، حبل المودة ، هدية ..” ، طفولة استلها القاص من جحيم الواقع العربي ، وعن هذا الواقع الطفولي الجارح ، نقرأ من قصة ” شفقة :” فرح الطفل وهو يرتدي حذاء لأول مرة في حياته ، وقد وصل إلى اليوم الذي يحلم به ، أراد أن يشكر الزبون على كثرة كرمه وشدة حنانه ، ولكن الزبون طلب من البائع أن يخلع الحذاء من رجلي الطفل ، وقد وجده مناسبا لقدم ابنه “.
    من الواضح أن المشهد مستفز وجارح ، ويكشف بعراء وحدة ، الوجه الخفي للتفاوت الاجتماعي وغياب القيم ، وغياب وامحاء الإنسان داخل الإنسان ، كما يعطي صورة عن واقع بلا قلب ، واقع مأساوي تعيشه الطفولة العربية ، متمثلا من التهميش والقهر والدونية ، مما يولد أعطابا نفسية لاحقا .
    ولم يفت الكاتب ، وهو يعرض لبعض صور الطفولة المختلفة ، أن يعرج إلى صورة أخرى أكثر جرحا وحدة، يمثلها أطفال الحروب في مجتمعات أضحت فيها الحرب خردة من فرط الاستعمال ، نقرأ أبضا ” نظرت من حولها في بيدر القمح ، لتشاهد دمية وجهها كزهرة الأقحوان ، وشعرها كسنابل القمح ، هرولت إليها ، وقامت بالتقاطها وضمها إلى صدرها بحنان ، لكن الدمية انفجرت بوجهها “ص 133
    هاهنا تتجسد شرور الحروب التي لا تستثني من رحاها حتى براءة الصغار من هول أسلحتها ، وتبديد أحلامهم الوردية ، وقتل ميولاتهم النفسية ، في غياب الضمير الإنساني ، وحضور الصمتٍ الموغل في ساديته ،في حق طفولة تتلظى على نار الأسى والموت ,
    ومن خلال تتبعنا لأحداث القصص نكشف عن هذا الوقع الاجتماعي الذي ينبني على التفاوت الاجتماعي ونكتشفه من خلال ما تعيشه الشخصيات من وضعية مزرية ، نقرأ في قصة ” زر ” :” بعد أن اشتد المرض بأمه ، ما عاد قادرا على مصاريف علاجها ، قرر أن يتخلى عنها ، ويتركها للقدر ” ، في مقابل شخصيات ولدت وفي أفواهها ملاعق من ذب ، نقرأ من قصة ” إنجاب ” :” وفي كل مرة كانت تزور طبيبها ، تستهزئ برأيه ، وهو يخبرها أنها عاقر ” ,
    في الشاهدين أعلاه ، نكون أمام واقعين متناقضين ، واقع قاحل ومهمش يعاني من الدونية ، ويعيش على الطوى ، في مقابل واقع يعيش حياته ولحظاته السعيدة وبأثمان ومصاريف جد مرتفعة ,
    وتتوالى التيمات داخل قصص ” خوابي ” ، بصورها وأمثلتها الحكائية ، وكلها تنزع إلى الوقوف على مفارقاتها وعجائبيتها وصورها الرمادية ، ولا تخلو من سخرية سوداء ومهمومة , ومن مشاهد لا سعة وعارية وبدون ترميز مفرط ، أو سطحية فجة وغير قابلة للمضغ ,
    ولعل ما يسم هذه الباقة القصصية هو جمالية حكائيتها ، وأكتفي بالإشارة إلى استضافة القاص للسرد المرئي من خلال ما نجده في هذا المقطع :” أهدته أمه وهو طفل علبة ألوان ، أخذ يرسم قطته ، ومع الأيام أصبح رساما محترفا ” ، علاوة على تسرب العجائبي والخرق للمألوف والمتواضع عليه ، كما في قصص :” ثيران هائجة ، حزن الرياح ، طعن ” ، كما لا يغرب عن الذهن حضور السخرية كموقف إبداعي وانتقادي ، ولن يسقط منا سهوا ، التكثيف والتقطير الذي يملأ مخزون هذه الخوابي القصصية ، وتكتمل هذه الجمالية القصصية بالانفتاح على عوالم الشعر ، مستلهمة مقوماته ومميزاته ، نقرأ في أقصوصتها ” رمانتان : ” صدرت عنها صرختها المدوية ، شقت ثوب الليل ، واهتزت أوتاد الجبال ، وعناقيد السماء” ،
    هكذا يتنزع المحكي ، تتمرد اللغة القصصية على لغة السرد بقصد التنويع وتنشيط الدورة الدموية لجمالية التلقي ، ومن ثم ، تنويع المحكي والتحفيز على استهلاكه .
    ومجمل القول ، قصص ” خوابي ” للقاص الأردني عيشى حدا ، هي انحياز انساني وابداعي إلى هموم المجتمع ، واستماع فطن لذبذباته بلغة بسيطة وعميقة كأفلام” شارلي شابلن ” ، وهي أيضا ، اختيار للواقعية ، وتعرية عن واقع بئيس ومكتظ بالمتناقضات والمفارقات الاجتماعية ، بيد أنها واقعية تمسك «بالكلية الاجتماعية بغية الغوص فيما هو كامن خلف الظواهر الحسية وما يمثل حقيقة جوهرية».كما يرى (عبد الوهاب شعلان” ، حقيقة الواقعية السحرية والساحرة والكليانية حتى