الحبّ في زمن الخيبات قراءة في المجموعة القصصية “بين اليقظة و الحلم”

الحبّ في زمن الخيبات قراءة في المجموعة القصصية “بين اليقظة و الحلم”


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    خديجة مسروق
    كاتبة جزائرية

    ‘ بين اليقظة و الحلم ‘ مجموعة قصص قصيرة لسوزان خلقي ‘ دار الآن ناشرون و موزعون 2023’ .تتمحورأحداث  أغلب هذه القصص حول موضوع واحد , هو علاقة المرأة بالرجل , ذات بعد عاطفي و إنساني .طبعتها اللغة الشاعرية السلسة .
    تناولت خلقي  مفهوم الحبّ كقيمة سامية تسيطر على حياة الأفراد , و تصحبهم مدى الحياة في تسع عشرة قصة .
    بين اليقظة و الحلم , سرد قصصي واقعي , أضفت عليه القاصة شيئا من خيالها لغاية جمالية .تصور عجز الإنسان في الزمن المعاصر عن التفاعل مع الحياة بشكل إيجابي , تغلب على نفسية أبطالها  حالة من  القلق و الاضطراب .وتحاول تجاوز واقعها المرهق , تحلق  مع الحلم بحثا عن السلام و الطمأنينة , ترسم بمخيلتها حياة تكون أجمل من حياتها في الواقع .
    ‘ الحبّ سبق المغفرة , و منذ أحببتك سامحتك عما مضى , و مما سيأتي , و غفرت لك سلفا كل شيء ‘ هكذا هي فلسفة خلقي في الحبّ ,  تدعو للتسامح و المغفرة في الحبّ . الحبّ الحقيقي لا يؤمن إلا بشيء واحد هو الصدق والتسامح و الإخلاص في المشاعر .
    نجد في قصة ‘ شرفة مطلة ‘ تتحدث القاصة عن المكابرة لتتجاوز إحساسها   بالوحدة , وتقدم نموذجا عن   الإنسان  المتصالح مع نفسه وواقعه , فيصنع سعادته بالرضا و القناعة . و في قصة ‘ من أوراق رجل غاضب ‘ لا يخرج موضوعها عن الحبّ, و السعادة التي يستطيع أن يصل إليها الإنسان بأشياء بسيطة ,يكون  أساسها التفاهم بين الطرفين . بطل هذه القصة كان يلتقي كل يوم صباحا  بالحارس البسيط ‘ سيّد ‘ فيلاحظ ملامح السعادة تبدو على محياه , و مصدر ذلك قلب  زوجته  الكبير ,المخلصة  في حبها له , دون تكلف أو تصنع .و دون ان تطلب المقابل . وكان هو يجتهد ليطبع حياتها بألوان الحبّ الجميلة ,بقلب المحبّ.
    و لأن  الورود الحمراء غالية الثمن , كان يصبغ الورود البيضاء بصبغة الفراولة  و يهديها إياها,  فتترك رائحة  جميلة على أنفها . يتذكر بطل القصة زوجته المرهقة و المكلفة , التي لا تشبه زوجة سيد في أنوثتها و رقتها . توصل ساعتها  إلى أن السعادة يصنعها التواضع و العطاء . و الورود البيضاء ما هي إلا  دلالة على السلام و الوررود الحمراء ترمز للحبّ, إذا امتزج اللونان شكلا لوحة جميلة تسمى السعادة .
    ‘ حكاية عن عاشقين ‘ قصة تحكي هي الأخرى أسمى المشاعر الإنسانية ,تتمثل في الحبّ الصادق بين الطرفين ‘ المرأة و الرجل ‘ حكاية عن عاشقين , تتحدث عن ‘ حبّ حاول  الهرب من تصاريف القدر فعاقبته السماء بالأبدية و جردته من الزمن , فلا يبدأ و لا ينتهي و لا ينقص و لا يكتمل , و لا يسكن الذاكرة , و لا  يطويه النسيان ‘ ..حبّ يتأرجح بين ثنائيات متلازمة , ربما تعمدت القاصة ذلك , لأن الخبراء لم يتوصلوا إلى مفهوم دقيق للحبّ. بطل القصة عاشق  هزمته مكابرة حبيبته . فضاع الحبّ أدراج الرياح بسبب عنادها . فهي من صنف النساء اللواتي يتركن الباب مفتوحا أمام عشاقهن , يتركن لهم بصيص أمل دون مصارحتم بحقيقة مشاعرهن . اعلن حبه أمامها, و لم تعترف له بحبها له , ظلت تعذبه ,فتركها ممتثلا لنصيحة صديقه. أقنعها أهلها بالزواج من ثري , و يوم عرسها توقع صديقه بأنها في قمة سعادتها , لكنه لم يحصل ذلك , فبمجرد أن رأته راحت تفتش عن حبيبها , بنظراتها , بمشاعر مهزومة ,علها تعثر عليه خلف المدعوين .تأكد ساعتها أنها كانت تحبه فعلا, لكنها بعنادها أزهقت أنفاس الحب و قتلته دون رحمة  .
    في قصة ‘ عيدهما ‘ التي تحكي عن غربة المشاعر وألم الشوق , و عذاب الحبّ في حضرة الغياب ‘ يفصل بيننا مدينتان , و ساعتان , و غربتان ‘ .بطلا القصة كانا على موعد الاحتفال بعيد زواجهما العشرين . يقف هو أمام صورتها معاتبا إياها في صمت على الرحيل , و تركه وحيدا ‘ بعد يومين يا حبيبتي عيدنا العشرون , كان من القسوة  أن ترحلي و تتركيني أكمل العدّ وحدي ‘ .
    الأم لا تقسو و لا يعرف قلبها القسوة , مهما تصرفت بعنف مع أبنائها .تقسو لتقومهم و لتؤدبهم ليس أكثر . قصة ‘ الصفعة ‘ تحكي عن قلب الأمهات  الذي يفرط في خوفه و قلقه على الأبناء . بطلها   يروي قصته , لما كان طفلا ,  حاول الصعود إلى سور الجيران , عاقبته أمه بصفعة شديدة آلمته , و مع مرور الوقت زال أثرها على وجهه , و بقيت آثارها في نفسه ,تلك الصفة  كانت عبارة عن درس في االحياة ,بعدها لم يقم بأي فعل يغضب أمه ,لأنه أدرك أن تلك الصفعة كانت ردة فعل منها لشدة خوفها عليه ‘ النساء يا عزيزي يغلفن مشاعرهنّ كالخوف أ و الشوق تجاه من يحببن بالغضب أحيانا , فتحسّ انها على وشك صفعك , في الوقت الذي تكون فيه فعليا  ترغب في احتضانك , و يمنعها الكبرياء ‘ .
    يتجلى البعد  الإنساني في قصة ‘ يوميات  من المخيّم ‘ , سلمى عمرها  ثمان سنوات , تعيش مع أهلها في المخيم . تنكسر مشاعر طفولتها , لما تجيبها والدتها عن سؤالها , لماذا يسكنون المخيم ,فيكون ردها , بأن الحرب اضطرتهم لذلك . تمنت سلمى  لو اختارت أمها عبارة أخرى, غير عبارة الحرب . ترى  بأن المخيم يسبب النسيان , وأن كثيرا من المقيمين به لا يذكرون تاريخ ميلادهم .فقررت أن تمنح أخاها الذي سيولد مع قدوم الشتاء ذاكرة  . و قامت بتحضير لوحة لأجله , رسمت عليها منظرا طبيعيا يبعث روح التفاؤل العالية  في نفسه , و يمد جسور المحبة و الإقبال على الحياة .رسمت  لأجله بيوتا لها أسقف  و أبواب ورسمت  أشجارا حولها و بحيرات  .و لأن الشتاء قاسيا على سكان المخيم , مات أخاها الذي تنتظر بعد ميلاده .الأطفال في المخيم , ليبقوا على قيد الحياة ,يحتاجون كثيرا  من الدفء , تقول سلمى  ‘ ألوم نفسي كثيرا لأني رسمت له كل شيء ما عدا الدفء ,فقد .عجزت عن تخيله ‘ .
    مع الطفولة مرة أخرى ,في  قصة ‘  الصغيرة رنا ‘  تعرض علينا تقول القاصة بأنها ترددت كثيرا في الكتابة عنها , لأنها لا تريد العودة إلى زمن الفقد , زمن وفاة والدها . ذهبت بمرافقة أمها إلى  زيارة قبر أبيها ,بعد أن مرت مدة على وفاته  .    أرادت أن تتصدق على روحه بعضا من المال للفقراء . فأثار عاطفتهما منظر الطفلة رنا التي تركت  فجوة في قلبها كما تقول  ,  التقت بها  عند بائع اللعب .رنا يتيمة الأب , ذات خمس سنوات , كانت تحمل كيسا من اللعب , لما نادت عليها أمها تركت لعبها للأطفال الفقراء  وغادرت ,  فعلت ذلك لأجل والدها .تستغرب القاصة  من تصرف رنا ‘ هذه الصغيرة , رغم يتمها المبكر ,و رغم أنها لم و لن  تملك ذكريات مع أبيها لعمرها الآتي  ,إلا أنها تصدقت عن روحه  لمائة عام قادمة ‘ .ان غريزتها الفطرية هي التي دفعتها لذلك , ربما تشعر أن تبرعها  بلعبها يسعد والدها , و يجعله ينام بسلام في قبره .
    .بين اليقظة و الحلم , قصص تصور الواقع , وتقف على مواضع الألم الإنساني في عصر الحداثة , زاوجت حقي بين الواقع المتشظي و الإبداع الأدبي .طبعت على قصصها نبرة خطابية إيديولوجية , تفسر اعتناقها لمبدأ الالتزام في أدبها . جسدت تجربة حياتية يعيشها أو يشاهدها الواحد منا يوميا ,أتقنت حبكة قصصها إضافة إلى جمال اللغة مع توظيفها لتقنيات الكتابة القصصية بشكل جيد , و هذا ما يؤكد  بأننا أمام كاتبة مبدعة في مجال القصة القصيرة ..