“الحداثة السائلة والمواطنة”.. أطروحات مثيرة للجدل والنقاش للدكتورة سمر عطا الشهوان

“الحداثة السائلة والمواطنة”.. أطروحات مثيرة للجدل والنقاش للدكتورة سمر عطا الشهوان


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

     صدر عن “الآن ناشرون وموزعون” في عَمَّان كتاب «الحداثة السائلة والمواطنة» للباحثة د. سمر عطا الشهوان، وهو كتاب جديد يتميّز بمادته الفكرية الغنيّة بأطروحات مثيرة للجدل والنقاش.
    يتألف الكتاب من 240 صفحة من القطع المتوسط. وجاء في خمسة فصول تضمّنت مباحث فرعية عدّة. وتعالج فيه المؤلفة مفهوم “الحداثة السائلة” الذي يوحي بقَدْر من الغموض، فهو يُستخدَم لتعيين مرحلة ما بعد الحداثة التي تتصف بأنها طويلة زمنيّاً، وشهدت أحداثاً وتوترات ونظريات متسارعة الوتيرة، قد لا تتيح للقارئ أن يحظى بتصور دقيقاً أو رؤية واضحة المعالم لها. ولذلك يثير عنوان الكتاب تساؤلات مشروعة عن المعنى الاصطلاحي الذي يحمله، لأنّ الحداثة السائلة – المصطلح الذي اشتقّه عالِم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان لتوصيف مرحلة ما بعد الحداثة – مفهوم متملِّص قد يستعصي على الفهم العميق الشامل، لعدم وجود حدود واضحة له.
    استهلّت الباحثة دراستها في الفصل الأول بتقديم مداخل ومقدّمات حول فكرة البحث ومفاهيمه. فيما عرضت في الفصل الثاني الإطار النظري للبحث والسياق الفكري والتاريخي لموضوع الدراسة، واستعرضت الدراسات السابقة العربيّة والأجنبية ذات الصلة بموضوع البحث. وانتقلت في الفصل الثالث إلى الجانب العملي التطبيقي، فعرضت منهج الدراسة، ومجتمع الدراسة، وعَيِّنَة الدراسة وأداتَها، وما يتطلبه ذلك من إجراءات تحليلية وأساليب إحصائية، أدّت إلى نتائج مُحَدَّدَة عرضتها في الفصل الرابع من الكتاب. وناقشت في الفصل الخامس والأخير نتائج الدراسة، قبل أن تتقدّم بمجموعة من التوصيات المهمة التي اقترحت فيها مزيداً من التوعية بمفهوم المواطنة، وإجراء المزيد من الأبحاث والدراسات حول الحداثة السائلة والمواطنة، وعقد حوارات وطنية مع جيل الشباب للوقوف على فهمهم للمواطنة وتمثُّلاتها، ومعيقات ذلك التمثُّل من وجهة نظرهم، وسبل تفعيل دورهم ومشاركتهم كمواطنين حيث الفردية في مجتمعنا الأردني في طور النمو بين الشباب و الشابات مقابل التراجع في المواطنة لديهم وفقا لما أظهرته نتائج الدراسة.
    بذلت المؤلفة جهداً كبيراً في شرح مفهوم الحداثة السائلة والإلمام بأبعاده المختلفة مستخدمةً أدوات الدراسة التاريخية تارةً، وأدوات الوصف والتحليل مرة ثانية. وقد استعانت في توضيح أفكارها واستنتاجاتها بجداول وخرائط مفاهيم أضفت على البحث طابعاً علميّاً دقيقاً يُنبِئ عن باحثة متمكنة من مادة دراستها، وقادرة على إقناع قارئها بما قدّمته من أطروحات وآراء تستدعي النظر والتفكير.
    ولم تكتف المؤلفة بالجانب النظري من البحث، بل عمدت إلى إجراء دراسة تطبيقية ميدانية للتعرف على آراء المبحوثين و المبحوثات من الشباب الأردنيين و الشابات الأردنيات في نمط الحياة الحالي والفردية والمواطنة، وأثر البعدين الثقافي والاجتماعي على الاهتمام بالشأن العام والمشاركة العامة بوجود متغير الفردية ، وفقا للنموذج البنائي الذي أعدته المؤلفة المكون من متغيرات الدراسة المستقلة والوسيطة والتابعة المتضمنة في استبانة الدراسة. ويمكن للقارئ العودة إلى البحث للتعرف على النتائج والخلاصات التي توصلت إليها الباحثة نتيجة دراستها .
    لقد نقلت الحداثة الغربية المجتمع الغربي من ظلام التخلف الذي كرّسه تحالف الإقطاع والكنيسة إلى نهضة فكرية وعلمية شاملة، عصفت بالبُنى القديمة، وأدخلته في عصر النهضة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ثم في عصر التنوير في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وقد أوضحت الكاتبة ذلك في سرد تاريخي شائق، وتحدثت عن الدور الكبير الذي أدّاه روّاد الفكر والفلسفة الذين قادوا حركة الحداثة، فبرز اسم ديكارت الذي رفع مرتبة العقل فوق كلّ مرتبة، وجعل جوهر الوجود الإنساني في عبارته السائرة: “أنا أفكر، إذاً، أنا موجود”. مع ما تحمله هذه المقولة من شكٍّ ينزع هالة القداسة التي تحجب العقل عن الرؤية الصحيحة للأشياء. وقد مهّدت هذه الأفكار الجريئة الطريق لظهور المنهج التجريبي الاستقرائي على يد فرنسيس بيكون الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الفتوحات العلمية الكبرى.
    أمّا على صعيد التنظير السياسي، فقد كان لأفكار جان جاك روسو دور كبير في رسم علاقة الفرد بدولته بوصفه مواطناً يعرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات. وهي المعادلة التي سينقلب طرفاها فيما بعد تحت وطأة المطرقة الثقيلة للحداثة السائلة التي فرّغَت فكرة المواطنة، وحوّلَت المواطن إلى فرد سلبي مستهلك ومنفعل.
    لقد أدركت المؤلفة هذه الحقائق، وقدّمت عرضاً تاريخياً وفكرياً للحداثة الغربية في صورتها الصُّلبة المتمثلة في التجديد والتمايز واليقين. ثمّ بيّنت الطابع السلبي للحداثة السائلة أو (المائعة) التي تتميّز، على عكس الحداثة الصُّلبَة، باللاتمايز واللايقين والانزلاق من كلّ قيد يُحدِّد ماهيتها. وهي المُنتَج السلبي للنظام الرأسمالي الذي يريد أن يفرض قيمَه وأسلوبَ حياته وثقافته على الشعوب الأخرى، بحيث يتحول المواطنون إلى كائنات مستهلِكة، وتتحول الدول إلى مجرّد أسواق غارقة بما تقدمه إليها مصانع الدول الرأسمالية، في سباق محموم وحلقة لا تنتهي من الميل إلى الاقتناء والاستهلاك، على حساب أيّ قيمة وطنية أو اجتماعية أو إنسانية أُخرى.
    لقد قدمت الباحثة د. سمر عطا الشهوان لقارئها كتاباً مُمتِعاً جديراً بالقراءة، يُشَكِّل علامة فارقة في موضوعه الحيوي المهم، وهو كتاب متميّز لأنه يحرّض على التفكير وطرح الأسئلة؛ والسؤال هو المفتاح الأول للمعرفة.
    من الجدير ذكره أن الدكتورة سمر الشهوان ناشطة نسوية وحقوقية وخبيرة تنموية في مجال تمكين المجتمعات المحلية وتمكين المرأة اقتصاديا وسياسيا، عملت في عدد من المنظمات غير الحكومية المحلية و الدولية، وأدارت خلال مسيرتها المهنية لما يزيد عن العشرين عاما العديد من البرامج والمشاريع التنموية المختلفة المستهدفة للنساء والأطفال والشباب، بالإضافة لتنفيذها للعديد من الدراسات الميدانية والتدريبات ، وتعمل حاليا مستشارة ومدربة مستقلة وترأس الهيئة الإدارية لإحدى الجمعيات المحلية النسوية.