“الحديقة بيضاء بالياسمين”.. مجموعات المنذري القصصية الخمس في كتاب

“الحديقة بيضاء بالياسمين”.. مجموعات المنذري القصصية الخمس في كتاب


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    “وكالة الأنباء العمانية”

    يجمع كتاب “الحديقة بيضاء الياسمين” خمس مجموعات قصصية صدرت للكاتب العُماني يحيى المنذري بين عامي 1993 و2016، وهي بحسب تسلسل تواريخ صدور طبعاتها الأولى: “نافذتان لذلك البحر” (1993)، “رماد اللوحة” (1999)، “بيت وحيد في الصحراء” (2003)، “الطيور الزجاجية” (2011)، و”حليب التفاح” (2016).

    ويقول المنذري عن هذه التجربة كما نقرأ في الغلاف الأخير للكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن بالتعاون مع الجمعية العُمانية للكُتّاب والأدباء: “ها أنا الآن بصدد مغامرة سادسة.. فكّرت وتردّدت كثيرًا، ثمّ قرّرت أن أضعَ مجموعاتي القصصيّة الخمس في كتابٍ واحد يكون مرجعًا للمهتمّين، ويُعينهم على الاقتراب من عوالمها وقراءتها كبنيانٍ واحد متّصل ومنفصل في آن”. ويضيف: “هذا المشروع المتمثّل في لمّ شمل مجموعاتي في كتاب واحد، ربمّا يساعد القرّاء على اكتشاف الحيَوات التي ضجّت بها قصصي، والتّجوال في الأماكن التي استضافت أحداثَها، ورصد عناصر التّجريب والخيال ومستويات اللّغة فيها، وقياس مدى نضج الكتابة والتّجديد لديّ”. ويتابع قوله: “أنا واثقٌ أنّ القرّاء سيكرهون بعض الشخصيات ويحبّون بعضها الآخر، وسيتذكّرون حبّات البرتقال المنتقاة بدقّة، وثقل الكائنات اللّيليّة، والأمكنة البعيدة، وسيتعاطفون مع سلمان الذي رسم لوحات كثيرة وأحرقها ليرتاح من الجميع، وسيتحاورون مع السّندباد الذي امتطى غيمةً بجانب بيتٍ وحيد في الصحراء، وسيتناقشون حول زارعي غابة الإسمنت، وسيتابعون الطّائرة التي بدّدت لون السّماء وخلّفت طيورًا زجاجيّة، وسيقرؤون قصصَ (حليب التّفاح) من نهاياتها، وربما سيتمكّنون من الإجابة على الأسئلة المتناثرة هنا وهناك”.

    وتضمّن تقديم هذه المجموعة إطلالة قدمها المنذري عن بداية علاقته بالكتابة حتى قبل دخوله الجامعة، وعن المنابر التي تبنت نتاجه ونشرته، ويشير إلى أنه كتب في الثمانينات قصصًا موغلة في الغموض، بلغة ثقيلة، وأرسلها إلى صفحة “بريد القراء” في جريدة “عُمان”، ويوضح: “كان الهذيان يسيطر على الحكاية وتفتقر إلى الحوار والتشويق والدهشة. وهذه العناصر هي ضمن مكونات فن القصة القصيرة. ولكنني انتبهت وتأملت ما كنت أكتبه، واكتشفت بأنها ليست الكتابة التي أرغب فيها، وانتقدت اندفاعي ومبالغتي في التحديث، والتسرع في كسر المألوف، فراجعت حساباتي”. وبعد تلك التجربة اشتغل المنذري على تطوير أسلوبه في الكتابة، وتقديم وجهة نظره بطريقة متوازنة.

    وفي التسعينات، قدّم المنذري كتابات سردية مشحونة بلغة شعرية، وكان واضحًا فيها تأثره بقصص مجموعته الأولى، لكنه حافظ على تماسك الحكاية في معظم قصص المجموعة، وكان عنصر الخيال هو بطلها، كما في قصة “حبات البرتقال المنتقاة بدقة” التي هي نتاج مشهد من الواقع استلهمه الكاتب حين شاهد مرة رجلًا أعرج يعبر شارعًا مزدحمًا بالسيارات المسرعة، وبصعوبة بالغة وصل إلى الضفة الأخرى. فتعاطف الكاتب مع الرجل ورسخ مشهده في ذهنه، وحين عاد إلى بيته نسج من ذلك المشهد قصة نشرها لاحقًا بتفاصيلها المتخيلة مُظهرًا سطوة الشمس وحنق السيارات على الرجل. وهنا تدفقت الحكاية مرة واحدة، وتشكلت للغة بناءً على الأسلوب السائد في تلك الفترة، ويمكن ملاحظة عبارات متقطعة من القصة، من مثل: “بينما”، “بينما الرصيف”، بينما الرصيف حارق حزين”. ويصف المنذري مشاعره خلال فعل كتابة هذه القصة قائلًا: “كنت وأنا أكتب تلك القصة كمن يقوم بتصوير موسيقي للمشهد. سطوة السينما في هذه القصة حاضرة، كان لدى بعض الأصدقاء رغبة في تحويل القصة إلى فيلم سينمائي، وقد حدث ذلك فعلًا عام 2012، حينما أنجز الكاتب والمخرج عبدالله خميس الفيلم السينمائي بعنوان القصة نفسه، بعد أن طلب مني كتابة السيناريو المناسب. كما أن هذه القصة بالذات حوّلها بعض مخرجي البرامج الإذاعية داخل سلطنة عُمان وخارجها إلى تمثيليات”. وفي تلك الفترة، يؤكد الكاتب أنه ركّز على القراءة التي تعلق بها كثيرًا، وصارت ملاذه ووقوده لإشعال المعرفة والوعي والكتابة، واكتشاف معنى الحياة، وإظهار الجمال. يقول في ذلك: “قرأت قصص ألف ليلة وليلة وتأثرت بأساطيرها وعوالمها الموغلة في الغرابة. أسرتني أعمال كُتّاب كثر مثل نجيب محفوظ وكزنتزاكس وكافكا وتشيخوف وجوجول ودوستويفسكي ووبورخيس ويوسف إدريس وغسان كنفاني وزكريا تامر، وسلبتني اللغة الشعرية لكتابات سردية لدى كُتاب عرب مثل عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا وأمين صالح. وحلّقت كثيرًا مع أشعار محمود درويش ومحمد الماغوط وبابلو نيرودا وبريخت وناظم حكمت وأمل دنقل وطاغور وبدر شاكر السياب وأدونيس وغيرهم”.

    وبعد تلك المرحلة من الانغماس في القراءة، عاد المنذري لمراجعة كتاباته، وتخلص من القصص القديمة التي لم يقتنع بها، وتلك التي بدتْ له كأنها نتاج حلقة تدريبية للكتابة، وبدا له بعدها أن الحلقات التجريبية كما يراها صارت تتكرر عنده بعد كل إصدار. وبدأ يشحذ خياله في طرح قصص قصيرة مأخوذة بلغة محمومة بالألغاز والخيال الجامح، وفي خوض تجارب مختلفة تمثل دعوة إلى الحداثة والخيال والفنتازيا والغموض. وكانت هذه المغامرات القصصية والتجارب محل تقدير وترحيب لدى بعض النقاد، ومحل تساؤل لدى بعضهم الآخر، وقد جاء التطوير فيها تصاعديًّا، وكان الاهتمام بالأفكار الجديدة حاضرًا، واتضحت بها محاولات الكاتب الجادة في البحث عن التفرد، إذ كان يطرح من خلالها أسئلة كثيرة، تجلت في مجموعته القصصية الأخيرة “حليب التفاح”.

    وحول هذه المجموعة يوضح المنذري: “بعد انتهائي من كتابة المجموعة حصرت علامات الاستفهام التي تناثرت في الكتاب، وجاء عددها (264). وهوسي بالأسئلة قادني إلى مغامرة لكتابة قصة قصيرة بعنوان (هل في حقيبة الطفل فراشات؟)، كان السرد فيها عبارة عن أسئلة قصصية قصيرة، وكان هدفي أن يسعى القارئ لمعرفة الحكاية من خلال ربطه بالأفكار التي تطرحها الأسئلة، مشيرا إلى أنه ليس من الضروري أن تكون هناك أجوبة، وليس من أهدافه انتظارها. ولا يسعى إلى الكمال، فلا أحد سيدركه، حسب تعبير سلفادور دالي”.

    ومن أجواء المجموعة نقرأ في “حليب التفاح”: “شرب ما تبقى من القهوة، وقال: “أخيرًا، أخذ نفسًا عميقًا. تأمل الطابعة وهي تلفظ المخطوطة ورقة بعد ورقة. هذه المرة انساب صوتها مثل مقطوعة موسيقية عنوانها (يا للروعة). كانت الأوراق ساخنة. صفّها، ووضعها برفق على الطاولة. شاهد الصفحة التي تتبع مباشرة صفحة العنوان، لاحظ بأنه لم يكتب الإهداء. تناول تفاحة من صحن الفواكه وقضمها. رجع إلى الحاسب الآلي، فتح الملف. وكتب الإهداء: (إذا قرأت الكتاب على أنه قصص فالإهداء إلى ابني زكريا المنذري، وإن قرأته على أنه رواية فالإهداء إلى أصدقائي)”.