الحرب التي أحرقت تولستوي

الحرب التي أحرقت تولستوي


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    يحيى القيسي
    (كاتب أردني)

    لا أدري لم قدر بعض الروايات الأردنية أن تكون فضاءاتها في مدن عربية وأجنبية، يمكن تلمس ذلك للنقاد والباحثين والقراء في روايات غالب هلسا الذي كتب عن بغداد، ومؤنس الرزاز الذي كتب عن بيروت، وسليمان القوابعة الذي كتب عن المغرب، وروايتي باب الحيرة عن تونس، والرواية التي بين يدي وقرأتها مؤخرا للكاتبة زينب السعود ” الحرب التي أحرقت تولستوي” والتي تجري أحداثها في أوكرانيا ومدينتي كييف ولفيف، ومن قبل ذلك كتبت كفى الزعبي رواية عن روسيا، وسميحة خريس في فستق عبيد عن السودان، ودلندا حسن عن أبوظبي وجزيرة أم النار…الخ
    هذه ظاهرة بحاجة إلى من يكتب عنها رسالة دكتوراة ليعطيها حقها من الدراسة والتأمل.
    لا أميل إلى القراءة الالكترونية، وأفضل عليها الورقية لأسباب كثيرة، لكن الغربة وصعوبة وصول الكتب تجعل المرء يلجأ إلى هذا الخيار، وقد استمتعت بقراءة الرواية الأولى لزينب السعود، وأول شيء يشد المرء فيها هو العنوان، إذ يطرح تساؤلاً مشروعاً عن علاقة تولستوي الأديب بالحرق ومتى تم ذلك، ليكتشف القارىء في نهايات الرواية تقريباً أن الأمر يتعلق برواية “آنا كارنينا”، التي أحترقت في أتون تفاصيل عديدة وأحداث متشابكة أثناء الحرب الروسية الأوكرانية التي ما تزال مشتعلة إلى اليوم.
    أشفقت على الكاتبة وهي تخوض تجربتها في أمكنة وفضاءات غريبة عن واقعها، وأن تحرك الشخصيات هناك بشكل مقنع للقارىء، وفي الوقت نفسه أو تمسك بخيوط السرد من لغة وتقنيات وأحداث وشخصيات لكي تقدم عملاً فنياً يحقق الفائدة والمتعة معاً.
    أنا شخصيا أحب الروايات المعرفية التي تقوم على البحث والتقصي والجهد، فما فائدة الرواية التي تعتمد على الحكاية فقط، إن لم تكن هناك إضافات وإضاءات، في كافة الأبعاد، شخصيات قلقة ومقلقة تخوض بحثها عن الأمن في ظل حرب مستعرة قد تكلف الانسان روحه، تنضاف إلى الغربة الصعبة بعيداً عن الأهل سواء من يوسف الإعلامي، أو من الشخصيات الأخرى للطلبة العرب الدارسين هناك والذين يحاولون الفرار بأرواحهم قبل أن تحصدهم غارات الطائرات ونيران المدافع.
    السعود في روايتها غير معنية بمن أشعل الحرب ولا تتخذ موقفا سياسيا فاقعا تجاه طرف دون الآخر، وحسنا فعلا ذلك، فهذا الأمر ليس من اهتمامات عملها الروائي، بل ملاحقة مصائر الشخصيات، وما آلت إليه في تشويق سردي محبوك بدقة، ولغة سهلة لكنها تقول الكثير.
    ليس ما أكتبه هنا رؤية نقدية بقدر ما هي تحية للكاتبة على مجهودها السردي المتميز خصوصا في تجربتها الأولى، واختيارها للراوي العليم لكي يسرد الأحداث، ومحاولتها الولوج إلى منطقة صعبة أي الكتابة عن الحرب الروسية الأوكرانية دون أن تحترق روايتها فنيا في أتونها، واكتفت بحرق رواية تولستوي، وهذا ما يحسب لها.