الرّاوي مفكراً: الواقعية في السرد العربي المثقف

الرّاوي مفكراً: الواقعية في السرد العربي المثقف


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    هارون الصبيحي (كاتب أردني)

    على امتداد (169) صفحة من القطع المتوسط صدر كتاب الناقد الأكاديمي الأردني غسان عبد الخالق «الرّاوي مفكراً، دراسات تطبيقية في السرد العربي المثقف» عن دار نشر الآن ناشرون وموزعون.
    في الكتاب خمس مقاربات نقدية تطبيقية مستفيضة، وملحق يوضح العلاقة بين السياسي والفيلسوف البريطاني برتراند رسل (1872- 1970) والروائي البريطاني البولندي الأصل جوزيف كونراد (1857- 1924) هادفاً من خلال هذه المقاربات النقدية أن يثبت أطروحتيه الرئيستين في الكتاب وهما:
    أولاً: علاقة الرواية بالفكر وأن الكاتب الروائي والمفكر الفيلسوف على مسار واحد مع الإشارة إلى أن الفكر والفلسفة يعبر عنهما بالأدب، أو بالرواية بصورة أقل تعقيداً وجهداً، ولصعوبة فهم الفلسفة دون حكاية أو رواية.
    ثانياً: واقعية الرواية كما ذكر في مقدمة الكتاب (إن الرواية بوصفها قناعاً نموذجياً للمفكر، وبوصفها محاولة لتشخيص ونقد واقع ما بطريقة مواربة، يجب أن تكون واقعية، مهما شطحت ومهما خرج من جيوب معطفها من تقليعات ومسمّيات جديدة، فالرواية كانت وما زالت وستبقى واقعية، وأي نزوع للتمرّد على هذه الواقعية، وتحت أي مسمّى، لن يؤكد إلا حقيقة واحدة هي: مركزية الرواية الواقعية، التي كلما أمعنّا في الابتعاد عنها ازددنا منها قرباً، كما يحدث للابن الضال، الذي كلّما ازداد نزقاً وحرداً وطيشاً تزايد حنينه وشوقه للعودة للبيت)
    في الصفحات الأولى من الكتاب، تحدث الكاتب عن مواصفات الرواية الواقعية وتطورها عبر الإشارة إلى روايات بلزاك وديكنز وغوغول وتولستوي وغيرهم، حيث جسدت كتاباتهم عذابات القطاعات المسحوقة وآلامها، مؤسسة بذلك تياري الواقعية الطبيعية والواقعية النقدية، ثم في تطور التيار الواقعي إلى الواقعية الاشتراكية، وتأثره بالفلسفة الماركسية كرواية مكسيم غوركي «الأم» ولا بد من الإشارة هنا بمرور الكاتب عبر تحليلات مختصرة للواقعية الاشتراكية من المنظور الماركسي القديم والجديد وكذلك الواقعية الاشتراكية العربية.
    في القسم الأول من الكتاب أربع دراسات تطبيقية، تبدأ من التاريخ القديم وتنتهي بالسرد الروائي المعاصر، من حكايات شهرزاد في ألف ليلة وليلة تحديداً مستفيضاً في تحليل حكاية الجارية تودّد في العصر العباسي، أثناء خلافة هارون الرشيد، ثم تحليل لرواية «ليلة النهر» لعلي أحمد باكثير، وقراءة في روايات إلياس فركوح، وقراءة في تجربة محمود شقير الروائية.
    في القسم الثاني قراءات تطبيقية في السرد الروائي النسّوي العربي في الغربة، عبر خمس روائيات هنّ، ديانا أبو جابر، فادية الفقير، حنان الشيخ، صبا مطر، سلوى النعيمي.
    يختتم الناقد غسان كتابه بملحق يبين فيه العلاقة الحميمة التي جمعت المفكر والمناضل السياسي والفيلسوف البريطاني برتراند رسل (1872- 1970) مع الروائي البريطاني البولندي الأصل جوزيف كونراد ( 1857- 1924 )
    تلك العلاقة التي حيّرت الكاتب، وخلص منها إلى أن ثمة علاقة عشق عاصفة تربط بين المفكر والرواية، وربما هي رغبة دفينة في أعماق كل مفكر وفيلسوف في أن يكون روائياً كما ذكر الكاتب.
    اتفق تماماً مع المؤلف في ضرورة السرد المثقف، فقد يتحول السارد أو الرّاوي إلى شخصين مختلفين، يتناوبان على السرد في القصة أو الرواية.
    الأول: هو الراوي
    الثاني: هو شخصياً
    هو الراوي: يقول ويقر ويعترف، هو شخصيا: يخفي ويحجب، وقد يتبادلان الموقع. قد يكون هذا سرداً ملتبساً للبعض، وسردا واضحاً للبعض الآخر. وهذا يسمى وفقاً لما ذكره غسان (لعبة الراوي والقرين) حيث ثمة اثنان يتناوبان على السرد على نحو ماكر وهما في الحقيقة الشخص ذاته، كما برز في رواية إلياس فركوح «أرض اليمبوس». السؤال الذي قد يطرح نفسه هنا، هل من الممكن أن يتداخل شخص ثالث ورابع مع الراوي في عملية السرد؟
    طبعاً ممكن، فالراوي قد يتقمص شخصيات الرواية ويتحدث باسمها أو وفق نظرتها وتفكيرها، لكن هذا يحتاج إلى راو على درجة عالية جداً من الثقافة، حتى ينتج سرداً أدبياً مثقفاً، لكن من ناحية الجزم بواقعية الرواية فالواقع قد يكون موجوداً في بعض الروايات، لكنه قد يختفي في روايات أخرى فالواقع قد لا يكون هو الواقع، أو هو أحياناً ليس الواقع الحقيقي. الواقع أحياناً يختفي والذي يظهر منه للأدباء نسخة مزورة لا علاقة لها بالواقع، أو نحن أحيانا نكتب عن واقع غير موجود، فهل يعتبر ذلك واقعاً وواقعية؟
    ربما ستختلف الآراء بين النقاد حول الواقع والواقعية ويبقى الحوار مفتوحاً…