السالمي يتتبع آثار وبقايا كتاب “حانوت عطّار” لابن شُهيد

السالمي يتتبع آثار وبقايا كتاب “حانوت عطّار” لابن شُهيد


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    “وكالة الأنباء العمانية”

    يحاول الباحث العُماني د. إسماعيل بن حمد السالمي في كتابه “البخور من حانوتِ عطّار”، أن يحفر بحثًا عن آثار وبقايا كتاب “حانوت عطّار” لابن شُهيد أبي عامر أحمد بن عبد الملك بن أحمد الأشجعيّ الأندلسيّ، وهو كتابٌ ذو قيمة علميّة عالية على ما يبدو، فما رُوي ونُقِل عنه من شموله على ذكرٍ للأدباء وأشعارهم، ومناقشاته الأدبية، يجعلنا ندرجه ضمن الموسوعات الأدبيّة النقديّة. ولمّا كان من المتعذّر الوصول إلى النصّ الكامل لـ”حانوت عطّار”، وبسبب ندرة المادّة العلميّة عنه، رأى الباحث أن يسمّي دراسته “بخور من حانوت عطّار”، عَلّه يضع لَبِنَة في المكتبة الأدبيّة والنقديّة مفتاحًا لهذا الأثر، وأملًا في أن يتناول الباحثون ما اهتدوا إليه منه بدراساتٍ أعمق.

    ويتتبع السالمي “حانوت عطّار” باحثًا عنه في مَظانِّ الكتبِ العربيّةِ وراصدًا ما وردَ من كتابات عنه في النقدِ، موضحًا أنه كانَ من الصعبِ الإلمام بالمادة العلمية في الكتاب، التي جاءت على شكل شذرات متناثرة بينَ أوراقِ الكتبِ، ولا ترقَى إلى تكوينِ مادّةٍ متماسكةٍ، فمَنْ نَقلوا من الكتابِ بحسبه، لا يبيّنونَ بالتفصيلِ أو الإشباعِ لتلكَ المادّةِ، كما لا يوجدُ أيُّ ذكرٍ لتصنيفِ الكتابِ ومحتوياتِهِ إلّا ما أشارَ إليهِ ابنُ حزم في كتابِهِ “التقريب لحدِّ المنطقِ” بأنَّ الكتابَ يقع في البلاغةِ، وأنّهُ قُسّمَ إلى كتبٍ، بدَلًا من أبوابٍ أو فصولٍ.

    ويشير السالمي إلى أن مجموعة من المؤلّفينَ أشاروا في كتب الأعلام إلى أنَّ ابنَ شُهَيد ناقشَ شعرَ مجموعةٍ من الشعراءِ، ولكنْ لم ينقلْ أحدٌ من مؤرّخي الأدبِ آراءَ ابنِ شُهَيد بتوسّعٍ، ما عدا إشارةً لا تُفيدُ غايةَ الباحثِ.

    يقسم السالمي الكتاب الصادر ضمن منشورات الجمعية العُمانية للكُتّاب والأدباء بالتعاون مع “الآن ناشرون وموزعون” (2022)، إلى مجموعة من الكتب، ولم يعتمد تقسيمه إلى فصول أو أبواب. ويقدم في الكتاب الأوّل “أبو عامر ابنُ شُهَيد” إحاطة بما توفر لديه عن ابنِ شُهَيد، وإطلالة على كتابه. ويبدأ فيه بالحديث عن الأندلسِ ووصفِها، وفتحِ المسلمينَ لها، ومدينةِ قُرطبةَ التي هي عاصمةُ الأندلسِ، ومدينةُ ابنِ شُهَيد.

    أما “الكتابُ الثاني” الذي وسمه بـ “الأعلام”، فيذكر فيه السالمي الأعلام التي أوردها ابنُ شُهَيد في “حانوت عطّار”، واعتمد كثيرًا على عباراتٍ من مثلِ “ذكرَهُ ابنُ شُهَيد”، أو “ذكرَهُ أبو عامرٍ في (حانوتِ عطّار)”. وفي ذكرِ الأعلام يضيف الباحث معلوماتٍ مختصرةً ممّا توفر في الكتب عن هذهِ الشخصيّاتِ وأشعارِها ونثرِها.

    وفي الكتاب الثالث، يتناول السالمي النقد عندَ ابنِ شُهَيد، سواء أكانَ نقده في رسالةِ “التوابعِ والزوابعِ”، أو من فصولٍ نقديّة من هنا وهناكَ، ثمَّ يذكر نصوصًا في النقدِ من كتابةِ أبي عامرٍ، وما عقدَهُ ابنُ شُهَيد بينَه وبينَ الجاحظِ خاصّةً وابنِ سهلٍ وعبدِ الحميدِ، كذلكَ ما حاولَ أنْ يُعطيَ بهِ دروسًا عن طريقةِ تعلُّمِ أسسِ البيانِ. وفي هذا الكتاب مناقشةٌ لنقدِ ابن شُهيد الشعريِّ والنثريِّ، وتحامله على معلّمي النحوِ كأسلوبٍ نقديٍّ.

    وجاء الكتابُ الرابعُ بعنوان “فصول نثريّة وأدبيّة في الوصفِ والتشبيهاتِ”، متضمنًا ما رُوِيَ عن ابنِ شُهَيد من نصوصٍ في الوصفِ، ومن نصوص أدبيّة كتبَها، ومقتطَفاتٍ تشملُ جُمَلًا تعبيريّة عن مواضيعَ بكلماتٍ مختصرةٍ، كقولِهِ في المواساةِ، وفي سلطانٍ، وفي ذمِّ رجلٍ، وغيرِ ذلكَ، بأسلوبٍ مختصَرٍ، ربَّما لا يزيدُ على جملةٍ أو جملتينِ. إذ أوردَ الأصفهانيُّ في “خَريدةِ القصرِ وجريدةِ العصرِ” فقراتٍ كثيرةً، غيرَ متوفّرةٍ في الكتبِ كالذخيرةِ ويتيمةِ الثّعالبيِّ. وفيهِ جُملةٌ من أوصافٍ، كوصفِهِ الحلوَى، وهذهِ تناولَها باحثونَ بالذكرِ كأنّها مستوحاةٌ من رسالةِ بديعِ الزمانِ، وأوصافٍ أخرى، كوصفِهِ للحمّامِ والبَرْدِ، وغيرِها، وهي أوصافٌ نثريّة أرادَ ابنُ شُهَيد أنْ يبيّنَ براعتَهُ في النثرِ، وبلاغتَهُ في الكتابةِ خارجَ بيانِ الشعرِ، كما يخلص الباحث.

    وفي الكتابُ الخامسُ “مَجلسُ الجنِّ”، يدرس السالمي “مجلسَ الجنِّ” لابن شهيد بوصفه جزءًا من “حانوت عطّار”، منطلقًا من مجموعة شواهد وقرائن. بينما تضمن الكتابُ السادسُ “أخبار البخور من (حانوتِ عطّار)”، عددًا من الأخبارِ التي يمكنُ أنْ تكوّنَ ذاكرةً تأريخيّةً من خلالِ نصوصِ الكتاب ورسائلِهِ وأخبارِهِ الخاصّةِ.

    ويشير السالمي إلى أن ابن شُهَيد أبدع في “حانوت عطّار” في أسلوب كتابته بكلّ ما أوتي من الحبكة الأدبية، ومن أسلوب السّخرية في النقد، في شتى مجالات الكتابة، ليُثبِت مقدرته، وليأتيَ بأسلوب جديد في النقد، كما فعل في كتابة الشعر والنثر. ويخلص السالمي إلى أن ابن شُهَيد كتب “حانوت عطار” في لحظاتٍ من التجلي الذهني، ومن متابعةٍ للنقاد والكتّاب العرب، كعبد الحميد الكاتب والحسن بن سهل والجاحظ، ومما لديه شخصيًّا من عين بصيرة بالشعر ومُحسِّناته وألفاظه، إلى جانب حفظه للشعر العربي من جاهلّي وإسلامي، وعوامل عدة أسهمت في الذائقة الأدبية لدى “شاعر حسّاس سريع البديهة، لطيف اللغة، قادر على صوغ النَّفَس الأدبي بما أوتي من بلاغة ومقدرة فائقة في قدرة النقد، كان يشعر أنه قادر على تقديم كتاب (حانوت عطّار) برؤية شموليّة يتحدّى بها علماء عصره”.