“الفلسفة النسوية” بين الفكرين الغربي والعربي قراءة في كتاب: »صورة الفلسفة النسوية في الفكر العربي المعاصر»

“الفلسفة النسوية” بين الفكرين الغربي والعربي قراءة في كتاب: »صورة الفلسفة النسوية في الفكر العربي المعاصر»


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    قراءة: أيوب مليجي- كاتب مغربي مقيم بسلطنة عمان

    هل النسوية في الخطاب المعاصر، مجرد خطاب يلتزم بالصراع ضد النظام الذكوري، وضد التمييز الجنسي، ويسعى لتحقيق المساواة بين الجنسين؟ وهل الخطاب النسوي العربي يعتمد على دراسة تاريخ المرأة، ويسعى إلى تأكيد اختلافها عن القوالب التقليدية التي توضع بها، وإلى إبراز صوتها في المطالبة بإعادة التفكير جذريا في جميع بنيات المجتمع السائدة في ضوء الشروط الاجتماعية، والطبقية، والثقافية المتباينة؟ هل استطاع الفكر العربي المعاصر تجاوز العوائق التي تهمين على موضوع المرأة في الثقافة العربية المعاصرة، وتقديم خطاب نقدي يستجيب للشرط الحداثي، وتوظيف الحقول المعرفية الغربية في إطار تركيبي متناسق يمكننا من القول بوجود نظرية نسوية أصيلة في الخطاب العربي المعاصر؟
    عن هذه الأسئلة وغيرها تناقش الدكتورة والباحثة الأردنية لينا جزراوي موضوع النسوية من خلال كتابها «صورة الفلسفة النسوية في الفكر العربي المعاصر الصادر حديثا عن
    دار «الآن ناشرون وموزعون»، الذي قدم له الدكتور محمد خالد الشايب. فقد ظلت النسوية موضوعا أساسيا ومهما في العالم العربي لا يقل أهمية عنه في العالم الغربي، حيت شغل هذا الموضوع حيزا مهما من تفكير العديد من الباحثين والمهتمين من مختلف الميادين والتيارات، وفي هذا الكتاب القيم الذي بين أيدينا والذي افتتحته الكاتبة بمقولة الفيلسوفة الشهيرة سيمون في 2دي بوفوار «المرأة لا تولد امرأة بل تصبح امرأة» إشارة قوية لكون ما هو بيولوجي يتحكم بما هو اجتماعي في حياة المرأة، ومن هنا ظهرت البوادر الأولى لتشكل الحركة النسوية في العالم الغربي والتي عملت الكاتبة على تقسيمها إلى محطتين أساسيتين: الحركة النسوية المطالبة بتحسين وضعية المرأة، اجتماعيا، سياسيا، واقتصاديا مع العمل على «التصدي لجل الرواسب الثقافية و الدينية التي .3تحط من مكانة المرأة» ثم حركة ما بعد النسوية المتمثلة في رفض الخطاب التقليدي واعتبار المساوة بين الرجل والمرأة فكرة ذكورية لا تحافظ على الخصوصيات الأنثوية. مع توالي الموجات «تطورت المطالب والخطابات للتجاوز التي انبثقت عنها عدة تيارات ومدارس 4الخطابات التقليدية» ناقشت مسألة اضطهاد المرأة في العالم الغربي والتي توزعت على الشكل التالي: «التيار الليبرالي المطالب بإصلاح القوانين والتشريعات التي .5تميز ضد المرأة دون إصلاح جذري للنظام القائم» «التيار الماركسي: المطالب بثورة اجتماعية تطيح بالبناء .6الفوقي والتحتي الذي يحكم العلاقات بين الجنسين» «التيار الراديكالي: مواجهة الرجل باعتباره الخصم الوحيد .»7الذي يقف بين المرأة واستعادة حريتها «تيار النسوية الإشتراكية: الذي يرى أن تبعية المرأة للرجل هي تبعية إقتصادية وأن تحرر المرأة إقتصاديا هو ما .6سيخلصها من الاضطهاد» «تيار مدرسة التحليل النفسي: ربط سلوك المرأة ومكانتها بغيرتها من امتلاك الرجل للعضو الذكري الشيء الذي يسبب .8لها النقص» لقد وصل صيت الفكر النسوي أو النسوية الى العالم العربي، وبدأ العالم العربي يتأثر بهذه الموجة عبر طرح عدة أسئلة
    جوهرية حول مكانة المرأة في العالم العربي لتشكل هذه الأسئلة فيما بعد الإرهاصات الاولى لتشكل الفكر العربي النسوي ابتداء من عصر النهضة وصولا إلى الفكر المعاصر. لكن وبالرغم من العديد من المحطات التي مر بها الفكر النسوي العربي فهو لا يزال «أسيرا للخطاب التقليدي الماضي ولم يستطيع التحرر من هيمنة المشهد الثقافي العام حتى يتسنى له تغيير القيم بما يتناسب و العصر الحديث ووضع المرأة في .9المكانة التي تستحقها جنبا إلى جنب الرجل»
    إن النسوية كفكر ليست مجرد خطاب ينبني أساسا على الصراع ضد ما هو ذكوري أو التمييز الجنسي، بل هو ،10فكر يسعى إلى «دراسة تاريخ المرأة و إبراز صوتها» والمطالبة بإعادة التفكير جذريا في جميع بنيات المجتمع السائدة، كما أنه موضوع ليس حكرا على النساء فقط، بل هو موضوع تمتد جذوره لتمس مختلف البنيات المكونة للمجتمع، لكن هذا الفكر تعرض للعديد من العراقيل والصعوبات في العالم العربي باعتباره فكرا غربيا تم رفضه من مختلف أنساق المجتمع ثقافيا، دينيا، وأكاديميا… ستعمل الكاتبة انطلاقا من كل هذا على طرح أسئلة جوهرية أطرت مختلف الفصول الثلاث لهذا الكتاب، ابتداء من الفصل الأول الذي عالجت فيه مكانة المرأة في التاريخ، مرورا بالفصل الثاني الذي خصصته للنظرية النسوية نشأتها وتطورها، ثم الفصل الثالث للخطاب النسوي في الفكر العربي المعاصر.
    مكانة المرأة في التاريخ:
    في الفصل الأول من الكتاب استعرضت الباحثة نماذج من الأساطير القديمة المصرية واليونانية وبلاد الرافدين، التي التي انتصرت للذكورة على حساب الأنوثة، وتوضح من
    خلالها «أن صورة المرأة في الأساطير ما هي إلا إسقاطات انتصرت للرجل.11لثقافة كانت سائدة حولها» أما جانبا قصص الخلق الدينية والأديان الثلاث فلم يكونا أفضل حالا في تصورهما للمرأة، فاليهودية استعبدت المرأة ولعنتها لتسببها بخروج آدم من الجنة، بل وجعلتها قابلة للبيع والشراء وتملكها من طرف الرجل، هذا الإستعباد ثارث عليه المسيحية والإسلام فيما بعد وهما اللذين أعادا للمرأة جانبا من مكانتها الإجتماعية وحقوقها الإنسانية التي أقرتها الكتب السماوية الإنجيل والقرآن إضافة إلى أحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك لم تنجح الرسالات السماوية في تنزيل كل تلك الحقوق وبالتالي ظلت صورة المرأة منتقصة بحكم أنها «ناقصة عقل ودين». ولم يبتعد الخطاب الفلسفي كثيرا عن تصوره للمرأة، بل كان متوازيا مع الأساطير القديمة والشرائع الدينية، حيث تستدل الباحثة بفلسفة اليونان والإغريق والفلسفة الإسلامية التي كرست سلطة الرجل على المرأة وحصرت دورها في «الإنجاب فقط، وخدمة ورعاية الأسرة». حيث استشهدت بتصورات نموذجية لأرسطو وأفلاطون والغزالي وابن رشد.
    النظرية النسوية، نشأتها وتطورها:
    أما في الفصل الثاني تطرح الباحثة مفهوم النسوية الذي ظهر ) على أنه1892لأول مرة سنة ( ، ليتبلور 12«الإيمان بالمرأة، وتأييد حقوقها، وسيادة نفوذها» ويصير أكثر شمولية عبر مراحل اجتماعية متلاحقة شكلت النسوية الغربية، خصوصا البعد الاقتصادي الذي أثر بشكل مباشر في باقي الأبعاد الثقافية والاجتماعية والسياسية الفكرية.
    هذا الحراك الفكري الغربي كان له أن ينتقل أيضا إلى العالم العربي عن طريق الحركة النسوية التي ناضلت في سبيل
    2021
    تنزيله رغم الممانعة التي أبدتها مختلف شرائح المجتمع وطبقاته،مع دعم واسع للتيارات الفكرية إبان عصر النهضة من رفاعة الطهطاوي، وقاسم أمين، وبطرس البستاني، والشيخ محمد عبده، إلى جانب أعلام آخرين وهذا ما سعت ين العربي والغربي في َالباحثة في مقارنتها بين الخطاب طرحهم للنسوية.
    الخطاب النسوي في الفكر العربي المعاصر:
    وقد أتت الباحثة على ذكر موضوع الخطاب النسوي في الفكر العربي المعاصر في الفصل الثالث حيث تناولت عدة أسماء عربية عرفت بنضالها الفكري حول موضوع المرأة أمثال: كوليت الخوري، نوال السعداوي، جورج طرابيشي، فاطمة المرنيسي، وعبدالله الغذامي . أبرزت مدى مساهمة هذه الأقلام في بلورة فكر نسوي عربي من خلال إنتاجاتهم الفكرية والأدبية، على سبيل المثال رواية «ليلة واحدة» لكوليت خوري التي طرحت مواقفها من خلال امرأة (بطلة الرواية) تبرر خيانتها لزوجها وتربطها بالتقاليد الذكورية والخناق الذي تعاني منه في مجتمعها. وقد أبرزت الباحثة جانبا من معاناة المرأة الكاتبة كذلك سواء في طريقة تأليفها لأعمالها الأدبية، أو المعاملة التي يعاملها بها النقاد تلك الإنتاجات، وتلقي المجتمع لها بنوع من القسوة والمحاكمة التي لا يعامل بها الكاتب الرجل. وبالتالي لم تنجح النماذج المذكورة سلفا في كسر النمط التقليدي لصورة المرأة على اختلافها. وقد خلصت الباحثة إلى أن الخطاب النسوي العربي يفتقد إلى الجرأة النقدية، في مقابل حضور النظرة التوفيقية والنفعية. الشيء الذي يجعل الطرح النسوي يراوح مكانه التقليدي ويجعله خاضعا لأحكام المجتمع وتقاليده . تجدر الإشارة إلى أن لينا جزراوي دكتورة باحثة وأكاديمية صة في الفلسفة النسوية، عملت في مجال التدريس ّمتخص في»جامعة البتراء»، وفي حقل البحث العلمي وحقوق الإنسان إلى جانب عملها الإعلامي.
    الكتاب: «صورة الفلسفة النسوية في الفكر العربي المعاصر» المولفة: د.لينا جزراوي 2019م. الناشر: «الآن ناشرون وموزعون، الأردن»، عدد الصفحات 240