الوجودية في المجموعة القصصية «مسافة كافية» للكاتب جعفر العقيلي

الوجودية في المجموعة القصصية «مسافة كافية» للكاتب جعفر العقيلي


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    منى منصور

    المحور الأساسي الذي تدور حوله معظم قصص المجموعة حول الوجودية ومعاناة الفرد والشعور بالارتباك في مواجهة العالم الذي يعيش فيه أو موقفه الوجودي.

    قصة تصفية حساب:
    يبدأ الكاتب بسرد حالة شعورية يتمازج ويختلط الوعي باللاوعي حيث يصف السارد (المشارك) بأسلوب سلس جزل لا يخلو من الدقة في وصف حالة التوتر والفزع التي أصابته، أجاد الكاتب تناول البعد التشكيلي للحدث.
    استخدم الكاتب عدد من الاسئلة التشككية لتجعل القارىء مشاركا وجدانيا في الحدث
    يتناوب الكاتب في استخدام السرد والمونولج الداخلي وهذا التنوع ينأى بالقارئ عن الملل ويبلور الحالة النفسية للبطل.
    ثم ينقلنا الكاتب تدريجيا لحالة من الواقعية السحرية بهذا القادم من فكر وضمير البطل، ليحاسبه على مدى إيمانه بحقيقة ما يكتب من منطلق “ان الكتابة رسالة”.
    هنا يحرص الكاتب على الترميز بدلالة الرقم ثلاثة كأستباق لحدث سيأتي فيما بعد، لا يتيقن له سوى قارئ حذق.
    يبدع الكاتب في تكوين تراكيب لغوية وصور رائعة تبلور الحدث:
    «انسلخت عن السرير متلعثم الخطوات…»، «وأنا أبدو كتلة من تثاؤب، منزوع الرغبة».
    فهو يجنح إلى (التشيؤ) ليجعل القارئ يتلمس عمق المعنى ومصداقيته، ثم ينقلنا الكاتب للحظة التنوير فيقول:
    عاينت أعضائي وانفعالاتها إزاءه بوصفي «آخر» كأنني انفصلت عني. كأن ثالثا بيننا: أنا وهو أو كأنني ثالث بيني وبينه.
    هذا الثالوث هو محور الحدث… يتبادلون الحديث بينهم، يحتاج من القارئ التركيز لتداخل الضمائر يقول: «هم بتخطي الباب كان لم يعد يراني… عدت إلىّ وأنا أشك في وجودي. تبعته كأنني ضيفه، سايرت الالتباس كي أفهم وانفصلت عني هذه المرة طويلا، سحب «الثالث» المقعد المقابل إلى الخلف قليلا وجلس قبالة الضيف».
    مشهد يصفه الكاتب بمنظو رمقصود فهو يتنصل من المشهد متخذا رقم الثاني «السارد العليم» وتركا الفضاء للثالث والأول.
    كان الأول أقوى منه في الصورة التي تجمعهما معا من لقطة جانبية.
    هنا صورة تشكلية بصرية رائعة:
    «هل متع ناظريه بأوراق»الكينا»النحيلة التي تشكل صورة مؤطرة بخشب عتيق من خلف النافذة
    يطرح الكاتب فكرته في ديالوج بلغة فصحى بسيطة:
    – معك حق أن يصيبك ذهول… لكنني قلت لنفسي: لابد من مجيئي ولو في ساعة متأخرة…».
    ويستطرد في الحوار:
    – أنا بطلك من لحم ودم… نعم ألست تؤمن أن أبطالك حقيقيون؟ لم تكن تبالغ. أنا أحدهم
    ثم يوضح الكاتب ان الحوار لم يشمله بعد:
    «انفصلت عني وعدت أراهما يتقابلان ودخان السيجارة التي أشعلها يبعث حيوية في مشهد ثابت»
    «لم أنبس… استعدتني بمشقة وما عاد المشهد من عن محايدة يروقني.
    في النهاية تنتهي المواجهة الثلاثية وينفرد بسطوة الحكي.
    «استعدت مكاني الذي استباحه وتشبست به مستسلما لغواية الكتابة»
    المفارقة جيدة: قصة علامة فارقة:
    يبدأ بجملة استهلالية من المتن:
    «هكذا انتبهت إليها، كنت أمشط شعري أمام المرآة ومصادفة رأيتها تخط طريقا غير تلك التي درجت عليها رفيقاتها».
    هذا الشيء المسرود عنه (عنها) لها رفيقات، ثم يوضح للقارئ حقيقة ما قصد:
    «اغتظت ولأنني لست عدوانيا، بخاصة مع «كائن» في مملكة جسدي».
    يصبغ على هذا الكائن صفة التأنيث:
    وكأنما تتسلق الهواء في حركة رياضية مدربة.
    جعل هذه الشعرة العابثة ندا لزوجته التي تغار منها: «لم تستجب الشعرة لمحاولات إعادتها إلى بيت الطاعة فظهرت بوادرالنقمة على محيا زوجتي
    تلك الشعرة التي أصبحت علامة للبطل كان يخشى سقوطها:
    «أقيم لها جنازة وأفتح باب العزاء»
    كانت تلك العلامة القشة التي كسرت ظهر البعير، مدخل لتصفية حساب مع الزوجة
    في هذه القصة البطل كاتب أيضًا.
    قصة «كُمستير»:
    يستهل القصة بجملة تقريرية أيضًاً:
    «إنه رأسي الوجه الناحل الذي ورثته عن جدي لأبي»
    يتناول عدد من الأسئلة: هل من أحد غابت تفاصيل رأسه عن ذهنه يوما ما؟ هل من شخص ينسى ملامحه؟
    ثم يكرر مؤكدا: «إنه رأسي»
    هذا الاستباق يتضح المغزى منه، حين تناول فكرته الفانتازية بعرض رأسه للبيع في حانوت: «عندما لاح لي هذا الخاطر بدوت أكثر تقبلا لما يدور حولي، فما الفرق بين أن اترك رأسي في المرآة وبين ان يزين واجهة حانوت قديم يكتظ بالتحف».
    حالة آخرى من الوعي واللاوعي، مشكلة إنسان والبحث عن ذاته، هنا ركز الكاتب على فقد الرأس أي العقل فهي عنصر التمييز بين البشر، تتشابه الملامح وتختلف منطق التفكير.
    فلسفة تم التعبير عنها باستخدام الرمزوالفانتازية كما اشارهو بشكل صريح في النص: «هرولت إلى بيتي..، ودوار عنيف يبعثرني على الطرقات ويحيلني إلى كتلة من فوضى».
    هنا تكرار لعلاقة البطل بالمرآة، البيت هو الملجأ في كل القصص.
    قصة «وجه وأقنعة»:
    وأخيرا فككت اللغز… لكنني لن أبوح به لأحد وليكن ما يكون!
    البدء من متن الحدث، كلمة (أخيرا) بما توحي باللهفة. حالة جديدة من الميتافيزيقا عن الغرفة المسكونة والسوء الذي مس كل من تجرأ على الأقتراب منها: «قبل اصطدام خطواتي بالحائط «الأخير» ووسط صمت مهيب، لمحت صندوقا كبيرا لم أستبين لونه، لكنه بدا كما لو أنه يدعوني إليه»… «تعاقبت أمامي صور غير تلك الصورة الوحيدة التي أحب أن تدل عليّ».
    ثم يفاجئنا بالمفارقة أنها أضغاث أحلام: «صحوت فزعا تلمست أعضائي غارقا في الحمى، قبل أن أتنفس… وقد أدركت ان ذاك مما يحدث في المنام».
    لكني أرى هنة بسيطة في السطور الأخيرة: «ندت عني ابتسامة بينما كنت في سري أحمد ربي ان لم يرافقني أحد في مغامرتي… لكان اكتشفني على حقيقتي تلك التي لا يعرفها سواي»، فهذا المعنى كان واضحا في قوله: «فانسلت اقنعة كثيرة الواحد تلو الآخر، أقنعة رأيتني ارتديها، وكان أسعد هذا هو اسمي يخون في قناع أخر يكذب…»، خاصا أن هناك استباق بهذا المعنى في مستهل القصة.
    قصة «وقت مستقطع»:
    هنا السارد العليم يحكي عن السائق الذي يسيرعلى مهل رغم قلة الزحام وانه محمل بطلبات المنزل ومستندات هامة تحتاج للاطلاع عليها، مفتقدا أطفاله، لكنه فضل أن يسير بالسيارة بلا هوية، حتى وجد سيدة تطلب أن يقلها لمحطة الحافلات، وافق بحثا عن مغامرة.
    أجاد الكاتب وصف الحالة النفسية للبطل: «أرخى العنان لانهمار كلامها…، كأنها غيمة صامت عن الإمطار دهرا قبل ان تهزها ريح لتلقي حمولتها عليه».
    لكنها مجرد مغامرة انتهت بالوصول لمحطة الحافلات: وبينما كانت السيارة تقترب من موقف الحافلات، بدا مشتاقا لعائلته وهو يمحض الأكياس فوق المقعد الخلفي نظرة خاطفة جعلت البيت يستعيد صورته التي غابت».