“بلاغة السلطة”.. ثمرة تأمل يخطها الأكاديمي غسان عبد الخالق

“بلاغة السلطة”.. ثمرة تأمل يخطها الأكاديمي غسان عبد الخالق


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    عزيزة علي

    صدر لعميد كلية الآداب والعلوم التربوية في جامعة فيلادلفيا الدكتور غسان عبد الخالق كتاب بعنوان “بلاغة السلطة، نحو مختبر تطبيقي في النثر السياسي العربي”.
    في مفتتح الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون”، الأردن، يشير عبد الخالق إلى أن البلاغة، هي (الغابة) التي لا يجوز التهرب أو التشاغل عن رؤيتها، عبر تعمد الإمعان في عد (أشجارها)، وهي ورشة كبيرة متعالية الأصوات، لا يجوز أن نصم آذاننا عن الاستماع لجل أصواتها -بدعوى الحساسيات التاريخية أو السياسية أو الفكرية- ثم نكتفي بتحليل صوتها الأدبي فقط؛ لأن هذا الاختزال لا يمثل سوى خيط واحد، من خيوط النسيج المعقد الذي يفترض بنا أن نحله ثم نحوكه مجدداً.
    ويوضح عبد الخالق أن هذا الكتاب جاء ثمرة تأمل طويل وانتقاء دقيق. وقد جاء استنطاقنا له محاولة مخلصة، للتعبير عن فهمنا الخاص للبلاغة السياسية بمعناها الثقافي والحضاري العام؛ بدءا من (الدولة والمذهب؛ جدل السلطة والسلطة الموازية)، مروراً بـ(بلاغة الشارع؛ بحوث تطبيقية في النقد الثقافي). وإذا كنا قد واصلنا في هذا الكتاب (بلاغة السلطة؛ نحو مختبر تطبيقي في النثر السياسي العربي)، اجتناب رطانة المصفوفات البلاغية المستوردة، فقد حرصنا كل الحرص، على استيفاء وإبراز جملة من السياقات التي لا تكتمل الدلالة البلاغية الكبرى دونها، وهي: “السياق التاريخي، السياق السياسي، السياق الفكري، السياق الأدبي، السياق التطبيقي”.
    ويشير المؤلف إلى أنه يهدف من خلال كتابه (بلاغة السلطة؛ نحو مختبر تطبيقي في النثر السياسي العربي)، إلى تعريب مبحث البلاغة العربية الجديدة، ورفده بنموذج تطبيقي متكامل يمتد خمسة عشر عاما من عمر الدولة العباسية، عبر مقدمة صريحة، وتمهيد أدان ما أسماه الرطانة البلاغية وعقدة الذنب البلاغية، وفصل أول مثل قراءة تحليلية في رسائل إبراهيم الصولي دفاعا عن شرعية الدولة العباسية، وفصل ثان مثل قراءة تفكيكية في كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ دفاعا عن عروبة الدولة العباسية، وفصل ثالث مثل قراءة ثقافية في مقدمة (أدب الكاتب) لابن قتيبة دفاعا عن بلاغة الدولة العباسية، ومختتم لم يدخر فيه عبد الخالق وسعا لإيجاد التفسير الثقافي والحضاري المناسب، لانسدال الستارة على البلاغة العباسية المغدورة، فضلاً عن ملحق بلاغي اشتمل على مختارات من النصوص الرئيسة في النثر العربي القديم.
    ويقول عبد الخالق، في مقدمته للكتاب “ما أصعب أن نكتب في البلاغة السياسية، دون أن نمتلك الخيال السياسي المطلوب، والعكس من ذلك صحيح؛ فحتى نقبض على المجاز السياسي الدقيق أو الاستعارة السياسية المحددة، لا بد من تنفيذ كثير من التمرينات التي تتطلب بحثاً مخلصاً عن نسق تاريخي متكامل أو مختبر نموذجي واقعي؛ لأن البلاغة ليست ضرباً من ضروب الانتقاء والعرض والتلخيص لنصوص ومختارات متباعدة -فهذه ورشة مدرسية عفا عليها وعلى أصحابها الزمن- بل هي خلاصة سياقها الموضوعي الذي ينبغي أن نختاره بعناية فائقة”.
    ويتابع المؤلف “وبعد إجراء كثير من الاستطلاعات الشاقة على صعيد الخيال السياسي، والتدقيق في تفاصيل كل تمرين واستطلاع على حدة، وجدنا أن عهد الخليفة المتوكل (232-247هـ) هو المختبر البلاغي المطلوب -شكلاً ومضموناً، وظيفة ودوراً، ذاتاً وموضوعاً- فهو يمور بمحفزات التحليل السياسي، كما يمور بمحفزات التنقيب عن المجازات والاستعارات السياسية الكبرى. وحرصاً منا على التأسيس المفهومي والتاريخي لهذا المختبر البلاغي التطبيقي، فسوف نمهد له بتحديد موقفنا من الدراسات البلاغية التلفيقية، ثم بإيضاح ما نقصده بالبلاغة في هذا المختبر، ثم بإيجاز رؤيتنا لصيرورة البلاغة العربية القديمة؛ بدءاً من العصر الجاهلي وصولاً إلى العصر العباسي، ثم بإيجاز فهمنا للشعوبية والزندقة، ثم بمقاربة شخصية المتوكل المركبة والمتناقضة؛ لنمضي بعد ذلك كله إلى تحليل رسائل إبراهيم الصولي السياسية في الفصل الأول، وتفكيك كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ في الفصل الثاني، وتنسيق مقدمة كتاب (أدب الكاتب) لابن قتيبة في الفصل الثالث.
    ويضيف عبد الخالق “من الملاحظ أن كثيراً من الجهود البلاغية العربية المعاصرة، قد وقعت أسيرة مركب النقص والشعور العميق بالذنب، أمام المركزية الثقافية الغربية التي تأبى إلا أن تبدأ المعارف كلها عندها وأن تنتهي عندها؛ فتراها تفتتح الدرس البلاغي الجديد بأرسطو وتختمه بما لا يعد من منظري الأسلوبية والحِجاج. ومع ضرورة التنويه إلى أن الغرب محق في اتجاهه إلى إعادة بناء مفاهيمه البلاغية -في ضوء المستجدات المادية والمعنوية التي شهدها على كل الصعد- فإن البلاغيين العرب ليسوا محقين في اتجاههم إلى لملمة أشلاء الدرس البلاغي العربي القديم، كي يثبتوا أن الجاحظ أو ابن قتيبة أو الخطابي أو الباقلاني أو الخفاجي أو الجرجاني أو الزمخشري أو ابن خلدون، قد لامسوا أطراف سجادة البلاغة الجديدة؛ فهؤلاء جميعاً لم يتجاوزوا حدود التنظير الجزئي أو التطبيق الجزئي. وبدلا من الإمعان في مداهنة المركزية البلاغية الغربية، فقد كان الأجدر استكمال ما أنجزه القدماء بدءاً من النقطة التي توقفوا عندها”.
    وينوه المؤلف إلى أنه بدلا من استقراء خطاب الجاحظ -مثلا- في ضوء المنهج الحِجاجي الغربي، فقد كان الأجدر بنا استقراؤه في ضوء منهجه الكلامي.
    ويذكر أن الناقد والأكاديمي الأردني الدكتور غسان عبد الخالق، يعمل الآن عميدا لكلية الآداب والعلوم التربوية وأستاذا للأدب والنقد في جامعة فيلادلفيا التي التحق بها العام 1996 مدرّسا، ثم تدرج بعد ذلك فأصبح مساعدا لعميد الآداب، ثم مساعدا لرئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية، ثم عميدا لشؤون الطلبة، ثم عميدا لكلية الآداب والفنون. كما ترأس اللجنة المنظمة لمهرجان فيلادلفيا للمسرح الجامعي العربي (2003-2009) واللجنة المنظمة لمؤتمر فيلادلفيا الدولي وهيئة تحرير مجلة فيلادلفيا الثقافية (2012-2019). وسبق لعبد الخالق أن شغل منصب أمين الشؤون الخارجية في رابطة الكتاب الأردنيين ورئيس جمعية النقاد الأردنيين لدورتين متتاليتين. وقد صدر له حتى الآن خمسة وعشرون كتابا في الفكر العربي والنقد الأدبي والرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية.