“جداريات”
عندما تنطق الحروف وتتحول إلى مشاهد سينمائية على الورق هكذا هي رواية “على الهاوية التقينا” للروائية ضحى القضاة، التي استطاعت أن تجسد بجدارة معاناة الإنسانية وبالمعنى المتضاد بين فرحة اللقاء المفترضة، وخوف الانحدار والسقوط المتوقَّع في آخر المطاف. وهو عنوان لا يختزل أحداث الرواية فقط، بل اللعبة التي تنطوي عليها قوانين الحياة نفسها أيضاً.
تستطيع أن تضع الرواية الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” وجاءت في 220 صفحة من الحجم المتوسط في قائمة السرد التراجيدي الذي تتطور فيه الأحداث الدرامية إلى النهايات المبكية والمؤلمة، ولكنها في الوقت نفسه تتسم بالواقعية التي تشير إل قسوة الحياة التي نأتي إليها دون أن يكون لنا خيار، ويبقى ذلك المسار الذي لم يكن لنا رأي فيه هو المسيطر علينا حتى الممات. هذه هي الفكرة التي تقوم عليها الرواية ببساطة، لكن أبطالها لا يذعنون لتلك القدرية، بل يكابدون للبحث عن احتمالات أخرى تجدد الحياة وتمنحها معاني إنسانية، وهي المكابدة التي تمنح النسان فرصة الكشف عن معدنه الأصيل. جاءت الرواية بلغة سردية سهلة ممتعة، وتسرد حكايات أبطالها التي تتقاطع في خط زماني يمتد بين عامَي 1995 و 2015، وهو زمان معاصر وراهن، ويلمس جيل الشباب في عصر العولمة وقيمها وتأثيراتها، ولكن الرواية في الوقت نفسه لا تلتفت للمحدد المكاني بل تتركه مفتوحاً ليمتد على واقع الجيل برمته.
وتتناول الرواية عن حادثة موت شقيقة البطل في ذكرى ميلادها الرابعة، وهي الحادثة التي تنعكس على حياته وعلى حياة والدته التي يكتشف أنه ابنها بالتبني، كما تؤثر الحادثة على والده بالتبني الذي يترك في نفسه بقعة سوداء تجاه الحياة، إلا أن البطل يثابر وينجح في الحياة العملية. ثم يتعرض لاختبار الحب مع ابنة صاحب الشركة فيستعيد واقعه، وتتداعى الذاكرة بالأحداث التي تعيده للحقيقة الأولى التي لم تفارقه، والمتمثلة في أنه لقيط، فيموت الحب في مهده. وعمل التنقل بين مستويات اجتماعية وأمكنة وأزمان مختلفة في السرد، على وضع القارئ في مناخات وأجواء متضادة ومتباينة تعكس الحياة بتنوعها، وخفّفت هذه السمة من رتابة السرد الخطي المتواصل الذي كان يمكن أن يكون مملاً.