ثقب في الجدار.. قصة حب تطرح إشكالية الهوية

ثقب في الجدار.. قصة حب تطرح إشكالية الهوية


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    عوض بديوي

    تحكي رواية «ثقب في الجدار» للكاتب بسام السلمان (الآن ناشرون ومزعون، عمّان، 2015)، قصةَ حب وتطرح إشكالية الهوية، لتسير على خُطى أعمال إبداعية أخرى تناولت ثيمة الجدار العازل أو الفاصل بين الشعوب على مختلف الأصعدة، والدوافع والتأثيرات السلبية وانعكاساتها للجدارَين الوهمي والحقيقي في الحياة البشرية، والحلم الدائم في كسر الجدار وتحطيمه عند الإنسان.
    وقد اعتمد السلمان مفاصل أساسية لتقديم رسالته من خلال الرواية، مثل تفعيل دور المرأة التي تربّت على القيم الأصيلة وحب الوطن، بخاصة في جانب الشرف والحفاظ عليه الذي كان الحب الحقيقي لها. إذ تدور أحداث الرواية حول التزام المرأة العربية بالقيم والعادات والسلوكات الموروثة في مجتمعها، والتي نشأت وترعرعت عليها، مثل حب الوطن والأهل والأرض، والمحافظة على الشرف، وتغلّب هذا الموروث على التطور التكنولوجي والمشاعر مهما بلغت.
    ومن المفاصل التي تناولتها الرواية أيضاً، الخليط الشعبي الإيجابي للشعبيين الأردني والفلسطيني. إذ صوّرَ الكاتب العلاقة الحميمة التي تربط الشعبين من خلال توزع الفلسطينيين في مناطق الأردن شتى، وارتباط الأهل في فلسطين بأقربائهم في الأردن.
    وتؤكد الرواية أن حب الوطن يمثل القيمة الأغلى التي يمتلكها الإنسان، وذلك عندما غلّبت حبّ البطلة لبلدها ولأهلها ولمدينة القدس ولقرية «أبو ديس»، مسقط رأسها وموئل ذكرياتها.
    أبدع الكاتب وَوُفّق في اختيار الأسماء، وبالتالي دلالالتها (فاطمة مع ربيع العربي، وأسماء ناصر وصديقها مازن)، فمثل هذه الأسماء العربية تعطي إشارات واضحة لأكثر من معنى، إضافة إلى كونها شخوصاً أساسية في الرواية؛ فهي توحي بتوحّد سيمائية الدلالة التزاوجية في كشف بنية العقلية العربية من حيث المرجعية الدينية والقومية؛ مروراً بالزهراء الهاشمية العربية ووصولاً إلى الحلم العربي من خلال ربيع تغييري واعٍ لواقع الخطر الصهيوني. واستُحضرت أسماء في هذا العمل الأدبي المهموم بالبعد القيمي لدورة التاريخ الذي بدأ بضعف ثم ما برح ليكون قوة.. وكأنه يشير لبعث آتٍ بعد موت واقعي شبه محتوم.
    الرواية تشير منذ صفحتها الأولى إلى إمكانية الحذف، الذي يتخذ منه المؤلف صورةً لتقريب الشخصيات الغائبة، الشخصيات التي تتقاطع في ما بينها، لتشكل حاضناً فعلياً للرؤى، حيث تتصدر البيئة علامة التبويب للانتقال بين مساحات العمل الذي تدور أحداثه بين ضفتي النهر، فالراوي يأخذ من الصورة النمطية إطاراً متعدد الزوايا، غير قابع في أتون الدلالة الواحدة، لأنه يعي أهمية أن تصل الرؤى إلى أبعد مدار تتطلع الشخصيات الروائية -وليس الشخصيات الحقيقية- إلى الالتصاق به، وتقديمه زمنياً، ماضياً، وحاضراً.
    وفي سياق الدلالات التي تقدمها الرواية الواقعية، مشاهد متّزنة متقابلة تتداخل في ما بينها، وتسوق شخصياتها وأحداثها، حيث تدور أحداثها بين الرغبة في البقاء للحفاظ على العلاقات الإنسانية، والولوج إلى الحاضر المأزوم.

    تكنيك لغة الرواية
    تتميز هذه الرواية بالبعد عن القص والسرد التقليدي؛ فقد فعّلَ الكاتب دور البطلة فجعل منها رسولاً متنقلاً في المكان الذي تدور فيه أحداث الرواية، ففي أوراقها المكتوبة مجموعة أحداث حكت رسالة الرواية، ثم أطّرت لعلاقات تفاعل بين شخوص الرواية: أسماء ناصر، وصديقها مازن.
    وهذا بدوره أضفى على الرواية مجموعة رؤى، منها ما يحدث بالفعل، وأخرى يحذّر الكاتب من حدوثها؛ فصورة الفعل خارج الزمن أخطر من ذاك الذي يحدث بالفعل داخله، على مرارته ووجعه.. بهذا خرجت الرواية عن النمطية السردية لترسم صورة الفعل المتحرك عبر الشخوص، ثم التأطير والتحذير، ثم محاولة لتوسيع الثقب.

    فضاءات
    فتحت هذه الرواية فضاءات عدة، من خلال إيقاعاتها الداخلية وترميز شخوصها وأحداثها، فقد حكت عن الجدار الذي يقيمه الغرب، بخاصة أميركا، على العرب، في سياق الدلالات التي تقدمها الرواية: «انطلقت السيارة الأميركية في شوارع أبو ديس». فالغرب يفرض جداراً عازلاً عنصرياً على العرب في مجمل سياساته تجاههم.. والحديث يطول هنا..
    كما تحدثت الرواية عن الجدار العربي-العربي، بخاصة ذلك الذي يفرضه منافقو الغرب على الشعب الفلسطيني.. كما تشي بذلك دلالة سامر العربي الذي اختطفته جهات مجهولة في العراق. وهناك أيضاً الجدار الذي تفرضه الأنظمة العربية على شعوبها.
    في هذه الفضاءات، وبلغةٍ ودلالات غير تقليدية، وظّف السلمان شخوص الرواية وأحداثها من خلال مجهر ورؤيا خاصة للثقب الذي نحته في هذا الجدار على طريقته؛ ليتأمل الأحداث وينقلها ويتنبأها.. ثم ليطلق صرخة مدوية من خلال هذا الثقب للمحتل والمنافق والعالم أجمع.. ثم ليخيط أواصر الألفة والمحبة والتآخي وبنسج ذلك من خلال المصير المشترك الواحد..
    فمجموعة من الأوراق التي كتبتها «فاطمة القاسم» (الشخصية الرئيسية)، شكّلت الرؤيا والرسالة للرواية، وهي التي ربطت بين ضفتي النهر، ومكّنت الرواية من الوصول إلى المنظومات المتحركة خارج الجدار.. وبهذا تنجلي الرؤيا؛ رؤيا الرسالة التي يؤصل لها السلمان بحيث يتفحص ويدقق ثم يتماهى في رسالته؛ فصورة الفعل المنفعل خارج الزمكان تبقى فكرة قاصرة في نشر الوعي الفاعل الإيجابي لا الزائف السلبي.. كل هذا في علاقات متشابكة مع شخوص الرواية، وبشكل ممسرح في خبايا ذات الكاتب، مشغولٍ عليه..
    يُذكر أن الكاتب بسام السلمان وُلد العام 1963 في مدينة الرمثا، يعمل في صحسفة «الرأي»، وصدرت له رواية بعنوان «دموع الكرامة» ضمن منشورات وزارة الثقافة (1991)، وفاز بجائزتين في مسابقة رابطة الكتاب الأردنيين لغير أعضائها في مجال الرواية، عن مخطوطته «الجسد المستباح» (2003)، ومخطوطته «ثقب في الجدار» (2007)، كما فاز بجائزة نعمان ناجي الأدبية العالمية عن مخطوطته «ماسح الأحذية».