جمال القيسي في روايته «قسم البنفسج»

جمال القيسي في روايته «قسم البنفسج»


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    محمد المشايخ

    تشهد الساحة الأدبية الأردنية كما هائلا من الروايات التي بدأت تتجه في معظمها نحو السياسة، وإن كان الربيع العربي وما آلت إليه الأوضاع بعده مسؤولة عن هذا التوجه، فإن بعض الروايات تتخذ من المرحلة السابقة له مسرحا لأحداثها السياسية، ومنها مسرحية قسم النفسج للقاص والروائي جمال القيسي التي تبدأ أحداثها في العقد الأخير من القرن العشرين وتمتد للسنوات الثماني الأول من العقد الحالي، وإن كان هدفها الرئيس استغلال حرية التعبير في المملكة لطاقاتها القصوى، والتحدث بصراحة وجرأة عن العقاب الذي يناله بعض التنويريين في حال محاولتهم التعبير عن ردة فعلهم تجاه ما يجري في الأقطار العربية المجاورة، أو لدى محاولتهم الاقتراب من مواقع صنع القرار بأبعادها الشعبية، من أقرب الناس لهم، فتضعهم الرواية في السجن حينا،وفي المستشفيات النفسية في أحيان أخرى.
    تـُحدث هذه الرواية اهتزازات عنيفة في مسار الرواية الأردنية، فمؤلفها محام، ولديه خبرة موسعة بالقوانين والأنظمة، فأوضح كيف يستغلها الخيرون من أجل المصلحة العامة ولإنقاذ من تقطعت بهم السبل، وكيف ينجح الأشرار في تنفيذها لإقصاء خصومهم السياسيين، وتبلغ جرأة القيسي مداها حين يتحدث عن دور بعض أفراد العشيرة، أو المتنفذين في الفتك بمن يحاولون التغيير في النهج الوطني السائد حتى لو كانوا من أقرب أقاربهم.
    تقترب الرواية من السيرة الذاتية، وحاول الروائي صاحب الخيال السياسي الجامح أن يقنعنا أن ما فيها من خيال هو واقعي وحقيقة،واستغل كل ملكاته ومواهبه لصياغتها بأسلوب يتلاءم مع أحداثها، وكان دائما جذابا ومشوّقا ومليئا بالمفاجآت.
    كان الروائي مبدعا في بث مونولوجاته الداخلية، وفي تقديم»وجهات نظر الشخصيات»الأمر الذي أبدع فيها سابقا على الصعيد العربي نجيب محفوظ وعلى الصعيد المحلي مؤنس الرزاز، وظلت خيوط الرواية بين يديه ونصب عينيه حتى اوصل كل واحد منها إلى حيث يشاء، مضطرا في بعض الأحيان إلى اللجوء لتقنية الحلم، وإلى الفنتازيا(الكابوس مثلا).
    هذه رواية أردنية محلية بامتياز، تـُذكر فيها الأحزاب والنقابات، وتـُذكر الجامعة الأردنية، وجامعة اليرموك، ورابطة الكتاب ومؤسسات المجتمع المدني، ونقرأ فيها اسماء نعرفها (الشاعر ماجد المجالي مثلا)، وعدا عن الأماكن المرتبط بعضها بالقداسة، وبعضها مخالف لها،نقرأ شيئا عن التسامح والتعايش الذي ينبغي أن يسود بين البشر، إذ يقول الروائي (أخذت أحدق في الكتب والمراجع في مكتبتي، الكتاب المقدس بجوار القرآن الكريم، ورأس المال، جبران، أبناء وطن واحد لا خلاف بينهم ولا تناحر ولا حرب، كيف تقع الحرب بين أبناء مكتبة واحدة، حرب أهلية في مكتبتي؟! يا عيب الشوم يا خاسرة)!
    لقد نجح الروائي في تحقيق مقولة ميشيل فوكو (الجنون هو أن تكسر السائد في العمل الابداعي)، واستطاع عبر أقوال وافعال من أودعوا في المصحات النفسية باعتبارهم مجانين أن يكسر السائد في الرواية الأردنية، رغم تأكيد بطل روايته أنه لا يوجد في القاموس الطبي كلمة مجانين، وتأكيده أيضا أن المجانين في الأردن أجمل من العقلاء بكثير.