يقدم كتاب “حرب رمضان والشرق الأوسط الجديد.. الضرورة والمآلات” للكاتب معن عبد الرحمن العداسي الصادر حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن جملة من الحقائق التي غيّبها الإعلام العربي تحت سطوة السياسة، وقدم خلالها أيام الحرب مشهدا غير واقعي، ونصرا لم يدم طويلا.
ويرصد الباحث الوثائق والتصريحات وما نشر في الصحف والمذكرات عن حرب العاشر من رمضان، أو حرب 6 أكتوبر، أو حرب تشرين، أو حرب يوم الغفران، أو حرب كيبور، سواء في الداخل العربي أو الاسرائيلي أو في الوثائق والمذكرات الامريكية والسوفيتية وأوراق القادة والضباط الذين شاركوا في تلك الحرب ويومياتهم واعترافاتهم ورسائلهم، وتفسيراتهم لما حدث وما كان ينبغي أن يحدث، ليقدم نتائج جديدة ومفاهيم مختلفة ومغايرة لتلك التي رسخت في أذهاننا عن تلك الحرب وأيامها.
وصدَّر الكاتب معن عبد الرحمن العداسي مقدمة كتابه بتنويه مهم مفاده أن إسرائيل قد أعلنت بتاريخ 8/9/2023 “عن الإفراج شبه الكامل عن أرشيفها حول حرب «يوم الغفران»، ولكن باللغة العبرية، ولهذا، حين القيام بهذا البحث كانت المصادر محدودة باللغة العربية، وسيُحدَّث هذا الكتيب حال توافر المصادر والترجمات الجديدة للوثائق العسكرية التي افرج عنها حيث أصبح كل شيء عن الحرب متاحًا للجمهور الإسرائيلي بلا حذف أو إضافة.
ويضيف العداسي في معرض تقديمه إلى أنه أثناء تجهيز الكتاب للطباعة قامت وزارة الدفاع المصرية في شهر فبراير 2024 كذلك بالإفراج عن بعض الوثائق”، ولعلَّ من الجدير بالأهمية أن يبدأ متخصصون بترجمة ذلك الأرشيف الإسرائيلي، وكذلك نشر الوثائق المصرية (الحقيقية و الكاملة) مع عقد دراسة مقارنة بين الأرشيفين.
يقول العداسي في مقدمة الكتاب: «الحرب بوصفها فكرة كانت مطلبًا شعبيًّا (الثأر) وعسكريًّا (لمسح عار هزيمة 1967)، إذ واجهت المؤسسة العسكرية المصرية في أعقاب هزيمة 1967 أزمة شرعية وجودية عميقة، نتيجة اتضاح قدرتها المحدودة على رد العدوان، وفي تراجع صورتها بوصفها القوة الكبرى في المنطقة، وكان الاتحاد السوفييتي لديه شكوك كبيرة في جدية مصر للحرب، وحين طلب الرئيس محمد أنور السادات المزيد من الأسلحة من الاتحاد السوفييتي في 2/2/1972 قيل إن الزعيم السوفييتي بريجنيف رد: “لو أن كل دبابة من دباباتكم أطلقت طلقة واحدة فقط لتغير مسار حرب 1967 جذريًّا”، “وأن تحرير الأرض يتطلَّب بناء الجيش الهجومي”، و”قد لا يحارب بعد هذا كله”.
ويتحدث العداسي عن قرار الحرب المشترك بين مصر وسوريا فيقول: “وتوصلت مصر (السادات) وسوريا (الأسد) إلى اتفاق سري في نوفمبر 1970، أصبحت بموجبه القوات في الجبهتين، المصرية والسورية، تحت قيادة قائد عام واحد، هو وزير الحربية في مصر، فهو القائد العام لقوات الجبهتين، وهو الذي يتولى مسؤولية تعاونهما في العمل العسكري المشترك، ووفقًا لهذا الاتفاق تولَّى الفريق أول أحمد إسماعيل القيادة العامة للحرب، من مرحلة الإعداد واتخاذ القرار إلى معاركها الرئيسية وحتى نهايتها”. و لكن على ارض الواقع التعاون والتنسيق العسكري والسياسي انتهى عند إطلاق أول رصاصة.
ويؤكد العداسي أن حرب أكتوبر التي اندلعت عام 1973 شكّلت لحظة مفصليَّة في تاريخ المصريين والسوريين والعرب عموماً، وكذلك في تاريخ القطبين السوفييتي والأمريكي آنذاك.وكانت حرباً تخطيطية، لا تضع الهجوم على رأس أولوياتها، إذ يقول: ” كان واضحًا في البداية أنها “حرب تحريك” ولا توجد أي نية لتطوير الهجوم. أو أنها حرب ضرورية لتشكيل”شرق أوسط جديد” يقوده طرف وحيد!
ولكن ما الذي حدث؟
ما هي قصة المراسلات التي تبادلتها القيادات السياسية المصرية مع كيسنجر والتعهدات التي أرسلتها بمعزل عن القادة العسكرين؟
لماذا قرَّر القادة المصريون عمل “وقفة تعبوية” و هل الجمود في الجبهة المصرية “الوقفة التعبوية” مع ضمان السادات الذي أرسله إلى كيسنجر حول “عدم تعميق الاشتباكات أو توسيع المواجهة” ركَّز العدو على الجبهة السورية، واستعاد -خلال يومين فقط- جميع الأراضي، وتعرَّضت القوات السورية والعراقية إلى خسائر موجعة، والأسد طالب بوقف عاجل لإطلاق النار من السوفييت، وموشي ديان صرح بأن قواته في طريقها إلى دمشق!
استنجدت سوريا بمصر بإعادة تفعيل الجبهة -كان شرط الأسد لدخول الحرب في أثناء لقائه مع أحمد إسماعيل عدم تخلِّي أي طرف عن الآخر في الحرب- وكأن هذا الشرط نقله أحمد إسماعيل للسادات وذكَّره به، وكأنه لم ينقله لزملائه العسكرين الشاذلي والجمسي!”.
ويؤكد العداسي من خلال ما توصل إليه من وثائق ومذكرات وأرشيف على دور الجيش الأردني والعراقي في حماية العاصمة السورية من الاجتياح الإسرائيلي، اضافة إلى الموقف السياسي الروسي الذي أجبر إسرائيل في إيقاف تقدمها، موضحا أن الوثائق القادمة ستكشف الكثير من الحقائق التي لم تكن في متناول يد القارئ العربي لتكتمل الصورة عن هذه الحرب.
إذا نظرنا في خلفية المشهد، وبينما كانت رحى الحرب تدور في صحراء سيناء ومرتفعات الجولان، كان العرب يتبادلون الاتهامات بالتقصير وبحدوث أخطاء فادحة في إدارة العمليات إلى جانب التنازع بشأن المسؤوليات وتضارب القرارات، لكن في النهاية كان لا بد من بذل المحاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ودوليّاً، كان هناك باستمرار صراع بين القطبين السوفييتي والأمريكي على تعزيز الوجود وإثبات النفوذ، فشهدت الحرب العديد من المفارقات والانقلابات وتدخُّلات السياسة؛ ما قلبَ النصر إلى ما يمكن عدُّه «هزيمة»، فهل هو فشل أم فرط ثقة؟ والسؤال الأهم: هل حرب رمضان هي الخطوة الأولى والحدث الأهم والمواجهة الأكثر ضرورة لتشكيل الشرق الأوسط الجديد؟
ويختتم العداسي الكتاب مؤكداً ما يتردَّد كل عام في ذكرى تلك الحرب، فيقول: “في النهاية الميديا العربية والمصرية خصوصًا تتداول هذه الجملة كل سنة: “شهدت حرب السادس من أكتوبر عام 1973 المجيدة العديد من بطولات الجيش المصري، الذي أبهر العالم عندما اخترق خط “بارليف” الإسرائيلي، الذي كان يروِّج له بأنه حصن إسرائيل المنيع.” وهذه هي نصف الحقيقة و لكن “للأسف” لا يتم ذكر الحقيقة كاملة!
الجدير بالذكر أن معن عبد الرحمن العداسي هو دكتور صيدلي له العديد من الأبحاث والدراسات المنشورة في القطاع الصحي و هذه أول مرة يدخل مجال التأليف السياسي و لهذا كان في أشد الحرص أن يكون مؤلفه موثق في العديد من الوثائق والمصادر من مختلف الجهات.
class="inline-block portfolio-desc">portfolio
text