حكايات المطر للكاتبة العالمية آسيا عبد الهادي.. نموذج للحكي الشعبي القيمي

حكايات المطر للكاتبة العالمية آسيا عبد الهادي.. نموذج للحكي الشعبي القيمي


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    “عالم الثقافة”

    والحقيقة أن الكاتبة العالمية آسيا عبد الهادي المعروفة بكاتبة القضية الفلسطينية دائما روياتها هادفة فهي صاحبة قضية ورأي حر إحساسها بواقع مؤلم وتطلعها لمستقبل مشرق لأمة كانت تسود الأمم.
    وفي هذا المضمار كانت رواية/حكايات المطر/في شكل سردي قصصي قيمي للروائية آسيا عبد الهادي شكل حكاية ترويها الجدة كي تسلّي حفيدها وتنعشه بها. لكن هذه التسلية لم تكن هدفًا نهائيًا للحكاية؛ إذ بدت بالإضافة إلى ذلك متنًا لمجموعة من القيم الأخلاقية التي أرادت لها الجدة أن تزرعها في حفيدها، والرواية الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون”جاءت في مئتين وأربعين صفحة من القطع المتوسط، واتخذت تقنية سردية تراثية مستمَدّة من الطريقة التي كانت الأمهات والجدات يبدأن حكاياتهن بها للأطفال المتحلّقين حولهن في ليالي الشتاء، فيستمعون باهتمام وسعادة للقصص والحكايات الجميلة التي تروي أمجاد وأخلاق الأبطال والقادة الكبار في الزمن الماضي.
    تقول عبد الهادي على لسان الجدة: “كانَ يا ما كان.. في قديم الزمان.. يا سعد الأكرام ما يطيبُ الحديث إلا بذكر النبيّ سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم..كان بيتُنا قريبْ.. وأجيبْ لكم صحنَ زبيبْ.. تأكلوا وتشربوا وتصلّوا على النبي الحبيب.
    تروي الجدة لحفيدها عمر حكاية عن البطل حسن من أجل تسليته وإنعاش مخيلته. وتقدم شخصيات متنوعة تحمل كل واحدة منها حكاية لوحدها.
    وقد جعلت الكاتبة الزمن طليقا، فلم تحدده بسياق تاريخي معين لتكون القيم داخل الحكاية صالحة لكل زمان ومكان. لكن المكان ارتبط بمملكة الوفاء والأمل، فأخذ صفته من صفات أهلها، ولم يختزل بمكان مادي محدد.
    أما الشخصيات فحملت كل واحدة منها دلالة مستقلة، غير أنها تتكامل مع الدلالات التي تحملها الشخصيات الأخرى، فالملك رمز للعدل، وزوجته الملكة رمز للغيرة القاتلة والغضب الجامح، أما الابن (الأمير) فكان رمزا للطيبة والنقاء وسمو المشاعر والحب والوفاء، بينما كانت زوجة الأمير الجوهرة رمزا للحب والوفاء والصمود، وللمرأة العربية التي تجيد تربية ابنها خير تربية..
    وهكذا الأمر في ما يتعلق بباقي الشخصيات. الكاتبة جعلت الزمن طليقا فلم تحدده بسياق تاريخي معين لتكون القيم داخل الحكاية صالحة لكل زمان ومكان بنيت الرواية على عنصري المفاجأة والتشويق، وهما من سمات الحكي التراثي، التي تجذب انتباه القارئ لمتابعة الحكاية بشغف وإنصات وتركيز، بل وبمشاركة وجدانية في معايشة المواقف المأساوية فيها. وقد اتضح هذا المنحى منذ أول فقرة في الرواية، إذ حملت حميمية وأحداثا غريبة متشوقة.
    تروي الجدة لحفيدها عن الملك الطيب ملك مملكة الوفاء والأمل واختفائه في ظروف غامضة، ثم تنصيب ابنه الأمير الطاهر، وعن حسن ورحلته إلى مدينة الزهور، التي لا يوجد فيها زعيم، فيفكر جديا في أن يكون زعيما لهذه المدينة، وفي كيفية القضاء على خصومه، وصنع نسب يليق به، كل ذلك في صورة عجائبية، ثم يتراجع بعد ذلك عندما يجد صبيا يطعم جروا صغيرا الخبز اليابس بعد أن يبلله له، فيتذكر كلام أمه “ابن الأصل لا يظلم الناس”، ويتأمل الأمر مليا ويتساءل “ماذا يجني الصبي من فعله هذا إلا العطف والرحمة على حيوان، وماذا أجني بضلالي وجريي وراء المناصب والمال؟”. السرد والشعر مجموعة من القيم الأخلاقية التي أرادت لها الجدة أن تكون سندا لحفيدها في مستقبل حياته يحتل عنصر المفاجأة في الرواية حيزا كبيرا يتناقض مع مبدأ السببية في بناء الأحداث، لذا لا يتوقع القارئ سيرورتها، الأمر الذي أضفى على النص المزيد من التشويق، وألزم القارئ بالترقب وعدم توقع النتائج قبل أوانها.
    ومن الأمثلة على ذلك عودة شخصية الجوهرة إلى الحياة مرة أخرى، وحملها في بطنها طفلا يصبح في ما بعد قائد ثورة لإرجاع ملك أبيه.
    الجدة جعلت من المطر رمزا للخير الذي لا بد أن ينتصر في نهاية كل صراع بين الخير والشر تصف الكاتبة لحظات الحمل هذه “الجوهرة تفيق بعد فترة، تغسل دمها، تعيش في القبو، تلاحظ انتفاخ بطنها، وتكتشف أنه حمْل.
    تنجب طفلا تسميه حسن وتظل مكانها خمس سنوات، ثم تهرب إلى المدينة. تتعرف على أم عادل المرأة العجوز العمياء، تظل سبع سنوات عندها، حتى وقت اكتشاف حدرج ورجاله لموضعها، تهرب بالطفل إلى مكان منقطع، حتى يبلغ السادسة عشرة من عمره، كان الوضع في المدينة يزداد حنقا وغضبا على حدرج، يوجد حسن وسط المعارضين، يعجب به الملك الذي كان لا يزال لا يتصور موت الجوهرة”.
    ويكشف وصف هذه اللحظات التي عاشتها الجوهرة عن تنوع أسلوب الحكي في الرواية، ما بين الأسلوب السردي العادي والأسلوب الشعري.
    وقد تجسد ذلك تحديدا في وصف المواقف الإنسانية المؤلمة في الرواية، كما حدث عند استيقاظ الجوهرة بعد فترة الإغماء الطويلة التي مرت بها “بين الركام والخراب امرأة لا يفصلها عن الموت سوى خيط رفيع، ملقاة في مكان معزول، وسط ظلام دامس، ولكن خيطا رفيعا من الحياة ما زال يتسلل إلى روحها، فيحرك بعض أعضائها.
    أفاقت قليلا، تململت، لكن لا قدرة لها على الحركة. أغمي عليها، ثم أفاقت، ثم أغمي عليها، وأفاقت من جديد. تحسست جسدها فوجدته رطبا يغرق في شيء ما، غمست يدها به واشتمته، إنه الدم، تئن، كل شيء يؤلمها، تشعر بصداع يكاد يفجر رأسها فقد نزفت كثيرا، ربما لم يتبق في جسدها نقطة دم واحدة”.
    وتحظى نهاية الرواية بالكثير من الأمل والعزم والتصميم الذي يتجسد في الحفاظ على التراث، والتمسك بالحق مهما انقضت بعده الأيام والسنون.
    وربما كانت هذه القيمة واحدة من القيم الأساسية التي أرادت الكاتبة بثها في روايتها. ثم تجعل الجدة من المطر رمزا للخير الذي لا بد أن ينتصر في نهاية كل صراع بين الخير والشر والحق والباطل. وهكذا “أفاق عمر من نومه يسأل جدته: هل انتصر حسن؟ هل عاد إلى أهله؟ وهل عثر على والده؟ وهل عاد إلى بيته؟ ضحكت الجدة وطمأنته: نعم نعم يا عمر.. لقد حدث كل ما تتمنى.. هيا إلى السرير وغدا أحدثك بحكاية أخرى.. فما زال المطر ينهمر وأملنا بالخير كبير”.
    وتحظى نهاية الرواية بالكثير من الأمل والعزم والتصميم التي تتجسد في الحفاظ على التراث، والتمسك بالحق مهما انقضت الأيام والسنين. وربما كانت هذه القيمة واحدةً من القيم الكبرى التي أرادت الكاتبة بثها في روايتها.
    والحقيقة أن الكاتبة العالمية آسيا عبدالهادي المعروفة بكاتبة القضية الفلسطينية دائما روياتها هادفة فهي صاحبة قضية ورأي حر إحساسها بواقع مؤلم وتطلعها لمستقبل مشرق لأمة كانت تسود الأمم .
    يذكر أن الكاتبة العالمية آسيا عبد الهادي وُلدت في سلمه/ يافا، تنوعت دراستها بين علم الاجتماع واللغة العربية والحقوق وعلم الإدارة. أصدرت سابقًا ثماني روايات، هي:
    “الحب والخبز”(2006)، و”سنوات الموت”(2008)، و”الشتاء المرير” (2010)، و”غرب المحيط” (2012)، و”بكاء المشانق” (2014)، و”سعدية “(2015)، و”ذكريات وأوهام”(2016)،و”دولة الكلاب العظمى (2018) وتم ترجمة بعض هذه الروايات إلى عدة لغات أجنبية.