خيوط الزعفران لزهير كريم… إتقان فن صانعة الشخصيات

خيوط الزعفران لزهير كريم… إتقان فن صانعة الشخصيات


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    عقيل محمد

    كُتبت رواية زهير كريم خيوط الزعفران والصادرة عن دار الآن ناشرون وموزعون 2021 بطريقة التحدّي، يتحدّى زهير نفسه بتقديم كل شخصيات الرواية تقريباً في الصفحات الأولى، يكتب مصائرهم أو يُلمّح لذلك، هنا يجب أن تنتهي كل الرواية قبل أن تبدأ لو كان الراوي غير زهير كريم، يقول لك (حليمة) ستموت لاحقاً ولكنه يهدي لها روايته ثم يُقدّمها ويبث فيها الروح فنشعر بها تتحرك وتُرفرف فتنسى موتها لشدّة حياتها بين السطور، تنشر روائح الورود وتسقي الزعفران وتهتم به أكثر من أيّ زهرة أخرى، لتكون شخصية عميقة يمكن رؤيتها وشمّ رائحة الزعفرانة التي تعبر عن حبها وستضلّ في الذاكرة طويلاً.
    يوسف بطل الرواية هو فنّان يعاني -ككل الفنانين الشباب- من الانعزال عن هموم العالم من حوله، لكنّه يجد نفسه فجأة أمام حدث سيغير حياته للأبد، يولد من جديد، وسينظر للُحزن كمحرك أساسي ودائم للحياة، يوسف يهاجر ويتنقل بين البلدان ثم يعود الى العراق ليعرف أن الأحلام لا يجب أن تتحقق دائماً وان العازف بمقدوره تحطيم قيثارته وارتداء العمامة في هذا البلد، حيث كل الأشخاص حزانى ومنكوبين، يجرّون فجائعهم بهدوء طول الرواية.
    يُضمّن زهير كريم على لسان شخصياته قصصاً قصيرة مدهشة وهو الباحِر في هذا الجنس الادبي، فيخلق استراحات او انقطاعات في السرد هي رموز وصور عن الجثث المُجمّعة من أجساد مختلفة وعن الفجائع التي تأتي بها الحروب والديَكة التي كانت مقموعة ثم سادَت.
    الشخصيّات عند زهير كريم حيّة بصورة مدهشة، حيّة ومُلفتة، وهذا النوع من الشخصيات التي تبقى في الذاكرة ولا تتطاير مع تقليب الصفحات لا يخلقه أي كاتب، فقط العظماء منهم.
    رعد حمامة مثلاً، عاشقٌ لكنّه باحث دائم عن المشاكل، سكّير ومشكلچي، هاربٌ من الجيش يُربّي الحمام في سطح داره ويذوب في حب فتاة ترفضه، تلك صفات متناقضة لكنّها توليفة رائعة لشخصيّة مهمّة وستُخلّد في ذاكرة من يقرأ خيوط الزعفران.
    استخدم زهير تقنيّات الرواية بصورة ذكيّة، فأعطى المونولوج للشخصيّات كي تحكي موتها بنفسها، وتدخل -الراوي- ليعطينا أفكار عميقة وتلميحات ذكيّة حول ما حدث او سيحدث، ووظّف زهرة الزعفران لتكون أيقونة للرواية تربط الشخصيات بخيوطها الخفيّة وتقودهم نحو مصائرهم.. رواية عاطفيّة، متقنة، وذكيّة.