“دو ري مي”.. محاولة لردّ الشعر إلى مكانته

“دو ري مي”.. محاولة لردّ الشعر إلى مكانته


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    “دو ري مي”.. محاولة لردّ الشعر إلى مكانته
    عمر الحاج
    (كاتب أردني)

    “دو ري مي” مجموعةٌ شعريّةٌ واسعة، بها حاول أحمد الأخرس أن يردّ للشعر مكانته. إنه أصل الفنون جميعاً، فمرورٌ سريعٌ على الفهرس يخبر القارئ أن الشاعر قد جال بشعره في سؤالٍ فلسفيّ “أنا”:
    “رأيتُ فما رأيتُ
    أني احترقتُ حتى خُلقتُ منّي
    وأني كنت كلَّ شيءٍ
    كأيِّ شيءٍ
    ولم أَكُنّي”.
    ومنه إلى عملٍ سينمائيٍّ “الجوكر”:
    “غزالاً.. غزالاً..
    تقافزتُ في دَرج الفقراءِ
    ببدلتي القرمزيّة أضحكُ منهم
    عليهم..
    عليَّ..
    على شارعٍ فاصلٍ بين زوجينِ
    ينتظران الطلاق”.
    وفي طريقه إلى أسطورة الخلق والحب بـ”أنثى الناي”:
    “مِن أيِّنا الضلعُ أملى الناي أنَّتَهُ
    حتى انحنى كلُّ ما في عظمه
    تعبا؟!

    ناديتِني حينها:
    (يا نافثي وجعاً
    أنا التي خبّأتُ في ضلعك القصبا!)
    نم يا حبيبي
    غداً لا موت تفضحُهُ
    قمصانُكَ البيضُ
    أو حتى دماً كذبا!”.
    ومشى بـ”سيرة اللاجئ الأخير”:
    “يعود غريباً للبداياتِ
    ربّما
    يعود كلون الماءِ
    في سرِّ خلقِهِ!”.
    غير أنّه نوّه على طريقة الشعراء إلى ارتباط القَصَص بالشعر في “الخزّان” الذي دقّ جدرانه ليعزف بالنهاية لحنه الذي عنون هذه المجموعة باسمه.
    “دو ري مي” الأوكتافات الثلاث العظيمات (من جانب الطور) إذ يتلو علينا الشاعر فيه:
    “أنا عابرٌ في الماء.. شأني شأنُ ما في الماء منّي
    الحزن لي أنا لحزن الأنبياء نذرتُ حزني!
    النَّفَّريُّ يقول لي: (قف كي ترى معناي عني)
    منذ اتساع رؤاي حتّى ماورائي.. لم أَقُلني”.
    إلى “القريبان” إذ يجلو بكلّ ما في قلبه في ساعة حبٍّ:
    “غَنَجاً بحقِّ اللهِ لا تتسلَّقي عَوَجاً سوايا!
    شيطانُ طينيَ لم يَرِثْ ماء الألوهة والوصايا
    يَتَشمَّسُ التُّفّاحُ في عُنُقي فَتَقْضِمُهُ النّوايا
    خمراً حريريَّ التأوُّهِ لو يُعَتِّقُهُ نِدايا!”.
    إلى “البعيدان” إذ لا يسلو ولا يخلو:
    “يا أبعدَ النّاياتِ عن قَصَبي أنوحُ ولا أنوحْ
    لم يجرِ في جسدي الهواءُ فكيفَ تثقبُني الجروح؟
    أَأَضِلُّ إن رَتَقَ المقامُ (بَياتَهُ): (كُرداً) وَروحْ؟
    لم أدرِ أنْ ما بيننا ما بينَ نوحٍ وابنِ نوحْ!”.
    في هذه المجموعة تنقّل أحمد بين حديث الشعر وعاميّه، بين صوفيّه وعدميّه، بين الحلول والأفول، بين الحبيبة والطبيبة والبعيدة والمعيدة. وتمكّن من إلباس الشعر صورة المهرّج وأن يقتبس المتنبي في آن، وأن يتحدّث بنَفَسٍ صوفيٍّ ثمّ يقتبس روح الكتاب المقدّس في آن، أن يستعمل مصطلحاً علميّاً بحتاً مثل (جين) في بيتٍ كامل الشعريّة، لهذا جاء في مستهل هذه المقالة أنّ “دو ري مي” مجموعة “واسعة”.
    ومع هذا فإن القارئ لن يخبّئ ابتسامته الشقية بسبب “امرأةٍ شنقت نفسها بحبال الغسيل” وقد كان يكفيها حبلٌ واحد.