رواية “أم أسعد”

رواية “أم أسعد”


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    ناصيف معلم

    أم أسعد، هي أم الشهيد أسعد حمد سليم أبو ذياب وزوجة الشهيد حمد سليم أبو ذياب، استشهد ابنها أسعد وهو في ريعان شبابه، حيث أعدمه الانجليز بعد معركة معهم في العام 1936، واستشهد زوجها حمد “أبو أسعد” في معركة مماثلة في قرية لوبيا بالقرب من طبريا، مع رفيقه في النضال رائد كسابري، وهو أيضًا من برقة ومن سكان حيفا.
    يبدأ الكاتب الكبير د. سميح مسعود بالحديث عن حالة الفقر التي عاشتها الأغلبية الساحقة من شعبنا الفلسطيني إبان الاحتلال العثماني. بطل القصة “حمد”، هو ابن سليم أبو ذياب أحد فقراء قرية برقة، الذي كان يعيش مع زوجته وابنه في سقيفة غربي القرية. ولد حمد يوم الثلجة الكبيرة، ترعرع في برقة، وكان ذا مهارات قيادية عالية أهلته للعمل في سوق المواشي في نابلس، ومن ثم تم اختياره للعمل في بناء سكة الحديد “المسعودية” بالقرب من قريته برقة. بعد ذلك انتقل إلى حيفا مع زميله في العمل رائد كسابري، وهو ابن صديق والده عيسى كسابري، وعمل هناك أيضًا في صيانة سكة الحديد إلى حين النفس الأخير من الدولة العثمانية التي أصبحت تقوم بعمليات التجنيد للشباب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إلا أنهما هربا من عمليات التجنيد الإجباري، وانتقلا إلى الناصرة، وهناك تعرف حمد إلى لطيفة من قرية عليوط وتزوجها، وقبل أن تضع طفلها انتقل إلى طبريا للعمل والعيش فيها. فلطيفة تعاني من مشاكل صحية، ونصحها الأطباء بالعيش في مكان دافئ. وقبل انتقاله إلى طبريا، كان حمد وصديقه رائد قد تضمنا أراضي زراعية للعمل فيها من عائلة الصمادي، واستطاعا أن يعيشا حياة كريمة.
    ولد أسعد في طبريا، وكان في طفولته يستمع لصديق والده رائد، الإنسان الوطني التقدمي، وكذلك تأثر بوالده الذي كان مثقفًا وطنيًا متابعًا للشؤون السياسية من خلال جريدة الكرمل الحيفاوية، التي كانت تصل إليه من خلال رائد. كبر أسعد، وانتقل إلى عكا للدراسة، وهناك قام بتشكيل خلية مسلحة قامت بعمليات عدة ضد الغزاة البريطانيين الذين بدورهم أعدموه شنقًا. والد أسعد وصديقه رائد كسابري انضما إلى الفصيل نفسه الذي شكله أسعد، واستشهدا معًا في معركة مع الإنجليز بالقرب من لوبيا، ودفنا معا في مقبرة جماعية للشهداء.
    لطيفة “أم أسعد” حين استشهد ابنها طلبت دفنه في حاكورة البيت “العقد” الذي بناه والده حمد في قرية برقة. وفي برقة رفضت الحصول على المساعدات بعد استشهاد زوجها، بل عملت في جمع الحطب وأغصان الأشجار وروث الحيوانات، وقامت ببيعه بمبالغ زهيدة لأصحاب الطوابين في برقة، وبالكاد كانت توفر قوتها اليومي. وأثناء عملها في الأرض أصيبت أصابع رجلها، وكانت على وشك خسارة رجلها، فالأطباء آنذاك نصحوا بقطع رجلها.
    سمعت صديقتها سارة التي كانت مقيمة في حيفا عن إصابتها، وطلبت من زوجها إحضارها لعلاجها في حيفا، وفعل ذلك، وكان ابن سارة آنذاك مشلولًا، وهو الثالث بين إخوته، وكان يتعالج في مشفى حمزة في حيفا، ومع مجيء أم أسعد إلى حيفا، كان الطفل الصغير يتعافى من المرض، واستطاع أخيرًا أن يمشي.
    هذا الطفل الذي أعتقد أنه الكاتب سميح مسعود أثناء طفولته، تعامل مع أم أسعد بصفتها أمه الثانية، أحبها في عقله وقلبه، وعاهدها بأن يعدّها أمه التي لم تلده. تأثر كثيرًا، وصاح بصوت عالٍ عندما غادرت حيفا إلى برقة بعد إتمامها للعلاج، لكن هذا الطفل الصغير كبر وأصبح رجلًا، وظل محبًا لأم أسعد، وكان يزورها من وقت إلى آخر، وتأثر كثيرًا وأصيب بالإحباط والحزن عندما توفيت.
    من خلال هذه الرواية أراد الكاتب أن يوصل إلينا ست رسائل، وهي كما يأتي:
    أولًا: أراد أن يقول لنا إن فلسطين كانت محتلة من قبل العثمانيين الذين لم يبنوا مدرسة واحدة، بل كان همهم جمع الضرائب والعيش برغد على حساب الفقراء.
    ثانيًا: أراد أن يحدثنا عن الاحتلال البريطاني الذي خلف الدولة العثمانية بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وأن يطلعنا على أن شعبنا معطاء بالنضال ضد الغزاة على الرغم من غياب استثمار القيادة لهذه النضالات.
    ثالثًا: أراد أن يطلعنا على العلاقات الإنسانية التقدمية الفلسطينية عامة، وبين المسلمين والمسيحيين بشكل خاص، ورائد كسابري مسيحي من برقة، ووالده ووالد حمد أصدقاء منذ الطفولة؛ حيث ترعرعا في حارات برقة، إلا أن والد رائد انتقل إلى حيفا للعمل، واستقر هناك، ولم تغيب الجغرافيا الصداقات.
    رابعًا: أراد الكاتب أن يوصف لنا جمال فلسطين بوصفها ركنًا من أركان الجنة، من برقة إلى حيفا، ومن الناصرة إلى طبريا، من البحر إلى البحيرة، فوصف الأماكن من أشجار وأزهار وأنهار، وشوارع وأبنية وعمارات، وأحصنة وعربات، وسكك حديد وقطار، كل هذا حقيقي أراد الكاتب تعريف القارئ به، ففلسطين ليست كما قال النازيون الجدد انها ارض بلا شعب، بل هي شعب وتاريخ وحضارة وفكر وادب ومسرح ونظام وسينما وعمارات وحصون وقلاع وقصور وحدائق وجوامع وكنائس ودور ثقافة وصحف ومجلات وقوارب ومحبة وصداقة وحنان وعطف.
    خامسًا: حاول الكاتب في الجزء الأخير من الرواية تسليط الضوء على مدينة حيفا قبل السقوط في العام 1948؛ حيث كان يعيش هناك. يحاول نقل الحقيقة إلى القارئ. وأراد أن يقول كان شعبنا متقدمًا عن شعوب الجوار، كان هناك تنظيم ونظام. كانت حيفا تعج بالمواطنين والسياح في شوارعها الفلسطينية الغاية في الجمال والتنظيم. وراح كاتبنا يضع أوصافًا دقيقة لكل قرنة من حيفا باسمها ومسماها، فهنا شارع الجبل، وهنا رصيف شارع الناصرة، وهناك مدرسة البرج، وبجانبها شجرات السرو، وهنا باص رقم 5، وهناك ساحة الحناطير، وهناك حيفا التحتا، وهنا شارع يافا ووادي النسناس والألمانية، وجبل الكرمل الشامخ … إلخ. كل هذا جعلني أخمن أن الكاتب في الجزء الأخير من الرواية كتب عن نفسه، وعن طفولته، فهو الابن الذي شفي من الشلل، وأعتقد أنه حفر أسطر هذه الرواية لروح أمه الثانية أم أسعد، تكريمًا لها بصفتها إنسانة كادحة مناضلة، أم شهيد وزوجة شهيد.
    سادسًا: أراد الكاتب أن يقول للعالم “إننا لنا وطن. وحيفا والناصرة وطبريا وبرقة وعكا هي لنا، فبحر فلسطين لنا، وشمس فلسطين لنا، وشاطئ فلسطين لنا، وسماء فلسطين لنا. نعم، طردونا وهجرونا، لكن هناك شعب يناضل من أجل العودة”. ويدعونا الكاتب إلى أن نثق بأنفسنا؛ لأننا سنعود إلى جنة الأرض (حيفا-فلسطين).
    ((رواية “ام اسعد” للكاتب د. سميح مسعود تقع في 221 صفحة من الحجم المتوسط، وهي تثير الاهتمام، وتجذب الاذهان، وفيها ما فيها من تفاصيل مهمه تستحق القراءة، بل تستحق الدراسة))