رواية “حتف العقارب” لحنين نصار.. مِرْآةٌ أُخْرَى، لكِنَّهَا لَا تُجَمِّل

رواية “حتف العقارب” لحنين نصار.. مِرْآةٌ أُخْرَى، لكِنَّهَا لَا تُجَمِّل


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    بمثابة مرآة تعكس ذاتنا الجمعية، من دون تجميل، وبانحياز كامل للحقيقة، تلك هي “حَتْفُ العَقَارِبِ” الرواية الجديدة للكاتبة الأردنية حنين كمال نصَّار، ذات البعد النفسي، والتي صدرت حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون”، في الأردن (2025).

    وبمثابة شرفة تطل على الرواية وعوالهما تجترح المؤلفة النص الآتي: “هكَذَا يَكُونُ حَتْفُ الْعَقَارِبِ، بَعْدَ أَنْ يُبَدِّدُوا وَقْتَهُمْ وَجُهْدَهُمْ فِي بَثِّ السُّمُومِ، يُرَاقِبُونَ وَيُطَارِدونَ وَيَتَرَبَّصُونَ، حَتَّى يَجِدُوا أَنْفُسَهُمْ مُحَاصَرِينَ بِشَرِّ أَفْعَالِهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يَتَقَبَّلُونَ الخَسَارَةَ، فَإِنَّهُمْ يَلْتَفُّونَ عَلَى ذَوَاتِهِمْ، وَبِذَاتِ الذَّيْلِ الَّذِي كَانُوا يَلْدَغُونَ بِهِ غَيْرَهُمْ يَلْدَغُونَ أَنْفُسَهُمْ، فَيَنْتَشِرُ الزُّعَافُ فِي أَجْسَادِهِمْ، وَيَشْهَدُونَ احْتِضَارَ أَنْفُسِهِمْ لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ، حَتَّى يَنْتَهُوا وَيَصِيرُوا طَعَامًا لِلْحَشَرَاتِ وَالدَّوَابِّ! كَثِيرًا مَا يَسْتَنْزِفُ النَّرْجِسِيُّونَ طَاقَةَ مَنْ دَخَلُوا حَيَاتَهُمْ، يَسْتَلِذُّونَ بِرُؤْيَتِهِمْ وَهُمْ يُحَاوِلُونَ التَّمَسُّكَ بِأَطْرَافِ عَلاَقَةٍ وَجَبَ بَتْرُهَا، فَتَضَعُ الْحَيَاةُ ضَحَايَاهُمْ فِي قِدْرٍ سَاخِنٍ، لِيَنْضُجُوا وَيُحِبُّوا ذَوَاتَهُمْ، حِينَهَا فَقَطْ، تَتَوَقَّفُ الْحَيَاةُ عَنْ إِعْطَاءِ الفُرَصِ لِلنَّرْجِسِيِّينَ، فَيَرْفَعُونَ رَايَةَ الْهَزِيمَةِ، وَيُقْتَلُونَ بِسُمِّ أَفْعَالِهِمْ”.

    الرواية نفسها جاءت في 276 صفحة، عبر أربعة أقسام، وقد تولت الشخصيات زمام السرد، كلٌ وفق رؤيته للأحداث، وقد اختتمت بجزء تسرده الشخصية الرئيسة في الرواية، “حُـورُ”، وتختزل فيه الكثير مما لاقته من معاملة سيئة من زوجها الراحل “مروان”، وجاء بعنوان: (حَتْفُ الْعَقَارِبِ)، ونقرأ فيه:

    هكَذَا يَكُونُ حَتْفُ الْعَقَارِبِ، بَعْدَ أَنْ يُبَدِّدُوا وَقْتَهُمْ وَجُهْدَهُمْ فِي بَثِّ السُّمُومِ، يُرَاقِبُونَ وَيُطَارِدونَ وَيَتَرَبَّصُونَ، حَتَّى يَجِدُوا أَنْفُسَهُمْ مُحَاصَرِينَ بِشَرِّ أَفْعَالِهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يَتَقَبَّلُونَ الخَسَارَةَ، فَإِنَّهُمْ يَلْتَفُّونَ عَلَى ذَوَاتِهِمْ، وَبِذَاتِ الذَّيْلِ الَّذِي كَانُوا يَلْدَغُونَ بِهِ غَيْرَهُمْ يَلْدَغُونَ أَنْفُسَهُمْ، فَيَنْتَشِرُ الزُّعَافُ فِي أَجْسَادِهِمْ، وَيَشْهَدُونَ احْتِضَارَ أَنْفُسِهِمْ لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ، حَتَّى يَنْتَهُوا وَيَصِيرُوا طَعَامًا لِلْحَشَرَاتِ وَالدَّوَابِّ!

    كَثِيرًا مَا يَسْتَنْزِفُ النَّرْجِسِيُّونَ طَاقَةَ مَنْ دَخَلُوا حَيَاتَهُمْ، يَسْتَلِذُّونَ بِرُؤْيَتِهِمْ وَهُمْ يُحَاوِلُونَ التَّمَسُّكَ بِأَطْرَافِ عَلاَقَةٍ وَجَبَ بَتْرُهَا، فَتَضَعُ الْحَيَاةُ ضَحَايَاهُمْ فِي قِدْرٍ سَاخِنٍ، لِيَنْضُجُوا وَيُحِبُّوا ذَوَاتَهُمْ، حِينَهَا فَقَطْ، تَتَوَقَّفُ الْحَيَاةُ عَنْ إِعْطَاءِ الفُرَصِ لِلنَّرْجِسِيِّينَ، فَيَرْفَعُونَ رَايَةَ الْهَزِيمَةِ، وَيُقْتَلُونَ بِسُمِّ أَفْعَالِهِمْ.

    وَهكَذَا مَاتَ مَرْوَانُ وَمَاتَتْ مَعَهُ نَرْجسِيَّتُهُ، فَارَقَ الحَيَاةَ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَلْهَثُ خَلْفَها!

    لَمْ يُفَكِّرْ يَومًا فِي هذِهِ اللَّحْظَةِ وَلَمْ يَتَوَقَّعْهَا؛ غَرَّتْهُ قُوَّتُهُ وَعِزَّتُهُ وَسَطْوَتُهُ، غَرَّتْهُ الحَيَاةُ بِبَهْرجِهَا الخَدَّاعِ، وَانْسَاقَ وَرَاءَ مُغْرَيَاتِهَا الْفَانِيَةِ، حَتَّى جَاءَتْهُ سُوءُ العَاقِبَةِ عَلَى عَجَلٍ،. استَعْرَ مِنْ أَجْلِ دُنْيَا زَائِلَةٍ فَأَزَالَتْهُ عَنِ الوُجُودِ، تَوَحَّشَ مِنْ أَجْلِ دُنْيَا لَيْسَتْ إِلَّا مَتَاعَ الغُرُورِ!

    انْتَهَتْ رِحْلَةُ مَرْوَانَ فِي الدُّنْيَا، تَارِكًا الْعِبْرَةَ وَالْعِظَةَ لِلنَّاسِ مِنْ بَعْدِهِ، لِيَتَفَكَّرُوا وَيَتَأَمَّلُوا: أَيُّهَا الْإِنْسَانُ، إِنَّكَ أَيَّامٌ فَلَا تُكَابِرْ، إِنَّكَ لَحَظَاتٌ فَاغْتَنِمْهَا، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي فِي أَيِّ لَحْظَةٍ تَكُونُ فِيهَا أَنْتَ الذِّكْرَى!

    وَانْتَهَى الْفَصْلُ الْأَخِيرُ فِي رِوَايَتِي، لِنَفْسِي وَلِكُلِّ مَنْ يُشْبِهُنِي:

    قَدْ يُخِيفُكَ النَّرْجسِيُّ فِي البِدَايَةِ؛ يُرْهِقُكَ وَيُحَاصِرُكَ، وَيُشَكِّكُكَ فِي ذَاتِكَ، لكِنَّهُ سَيَنْهَارُ فِي النِّهَايَةِ، لِأَنَّهُ يَبْنِي مَمْلَكَتَهُ عَلَى جُثَثِ الحُبِّ وَالحَقِّ وَالإِنسَانِيَّةِ!

    مَاتَ مَرْوَانُ وَأَعْتَرِفُ أَنَّنِي لَمْ أَبْكِهِ. مَاتَ هُوَ وَبَقيْتُ أَنَا لِأَكْتُبَ؛ لَا لِأُخَلِّدَ اسْمَهُ بَلْ لِأُخَلِّصَ نَفْسِي. كُلُّ هذِهِ السُّطُورِ كَانَتْ طَرِيقِي نَحْوَ الحُرِّيَةِ وَنَحْوَ نَفْسِي، وَنَحْوَ مَنْ أَكُونُ أَنَا حِينَ لَا يَكُونُ هُوَ!

    فِي كُلِّ فَصْلٍ كُنتُ أَفْتِشُ عَنِّي فَأَجِدُنِي وَأَكْتُبُنِي، وَأُلَمْلِمُ شَظَايَايَ حَرْفًا حَرْفًا، وَفِي كُلِّ فِقْرَةٍ كُنْتُ أَلْتَقِي بِي، أَلْمَحُنِي ضَعِيفَةً فَأَحْتَضِنُنِي، أَجِدُنِي نَازِفَةً فَأُضَمِّدُنِي، حَتَّى وَجَدْتُنِي فِي النِّهَايَةِ صَافِيَةً وَحُرَّةً وَحُورًا!

    نَعَمْ، كَتَبْتُ هذِهِ السُّطُورَ بَعْدَ رَحِيلِهِ، لا لِأُؤَرِّخَ مَوْتَهُ بَلْ لِأُؤَرِّخَ حَيَاتِي!

    وَإِنْ كَانَتِ النِّهَايَةُ لَهُ سُقُوطًا، فَهِيَ لِي بِدَايَةٌ!”.