رواية فتى الغور 67 كامل أبو صقر

رواية فتى الغور 67 كامل أبو صقر


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    “رائد الحواري”

    هناك ميزة في الأدب الفلسطيني تتمثل في تناوله للتاريخ المعاصر، وهذا الأمر يعد إيجابيا، لما يقدمه الأدب من معرفة للقارئ، الذي يعزف عن تناول التاريخ والأحداث المعاصرة، من هنا تكمن أهمية رواية “فتى الغور” التي تتناول فترة 1967، وكيف كانت أحوال الناس قبيل الحرب وما حدث أثناء الحرب، وبما أن عنوان الرواية متعلق بفتى وبالغور وضمن زمن محدد، فإن الأحداث الروائية بمجملها متعلقة بالفتى وبالغور، وهذا ما جعل العنوان مقدمة للرواية.
    المكان
    سنحاول إضاءة بعض ما جاء في الرواية محاولين تبيان عناصر القوة والضعف فيها، ونبدأ من المكان الذي يعد محور الأحداث، يقدم السارد المكان بهذا الشكل: “كانت تقع قرية “مصطبة” بلدة أبو نسر، في منطقة جبلية وعرة، تتخذ من احدى بطون سلسلة شفا جبال الغور الغربية المنبسطة كالمصطبة موقعا لها” ص9، ولم يكتفي السارد بهذا الوصف بل يعطينا تفاصيل دقيقة عنه وعن كل ما فيه: “كان تحت القبة بثر رومانية عميقة، وعلى مدخلها شجرة توت كبيرة” ص12 وهذا إشارة إلى انه على معرفة ودراية بكل ما هو متعلق بالمكان.
    رغم أهمية المكان إلا أنه يبقى مكان مجرد إذا لم يكن فيه حياة إنسانية، فالعلاقة بين الإنسان والمكان هي من يعطي المكان قيمة، وهذا ما أشار إليه السارد من خلال بطل الرواية “فتى الغور”: “إن قمم الجبال أينما كانت، تغري الناس، كما تغري سقف الحيط، فيما إن يصل الإنسان إلى القمة، يحس أن الجبل بعظمته وقوته، هو تحت قدميه، وإن هذا الإحساس يزيد من ثقته بنفسه” ص53، نلاحظ أن السارد ركز على الجوانب الجمالية وأثرها على الإنسان، لكن هناك أثار اقتصادية/زراعية وهي الأهم بالنسبة للبشر: “لقد جعلت منه حياة الغور القاسية ورعي الأغنام بالغا وراشدا، فتعود على شظف العيش، وقساوة الطبيعة” ص105، فالتفاعل بينهما هو من يعطي قيمة للمكان، قيمة اقتصادية/اجتماعية، وهي أساس تكوين مفهوم الوطن.
    بطل الرواية
    الرواية تتحدث عن الفتى “سقف المغارة” الذي تطور اسمه ليكون “سقف الحيط” وهذا التحول يشير إلى الحالة الذكورية التي تهيمين على الناس في الغور، فالاسم الجديد “سقف الحيط” أخذ دوره أكثر من “سقف المغارة” الذي ذكر بشكل محدود، بينما سقف الحيط أخذ مساحة لا بأس بها من أحداث الرواية، قبل أن يتحول إلى “فتى الغور”: “لقد عاش الفتى بلقب سقف المغارة، وبعد ذلك سقف الحيط، كناه جده جابر من قرية العلية بفتى الغور، وأخيرا سماه والده “نصير” أسما يدخل به المدرسة” ص15، فهذه التسميات واكبت تطور الأحداث التي جرت مع الفتى، وقد تناول السارد تفاصيل وأحداث لازمت اسم الفتى.
    فكان يمكن البناء بشكل روائي على عملية (موته) وهو رضيع في المغارة وسقوطه عن المرجيحة (ووقوعه) في البئر، وبين تنامي الاسم وتطويره وتغييره، وتقديم ذلك بشكل يخدم الفن الروائي، بحيث تكون هذه الأحداث مقدمه/مؤشر على تجاوز “فتى الغور” للصعاب والمعيقات، وتأكد على انتصاره ونجاحه في الحياة.
    زمن الأحداث
    الرواية تحدد زمنها من خلال العنوان 67، والذي نجده في بداية كل فصل من فصولها، فهناك تحديد اليوم والشهر في بداية كل فصل: “6تموز67 اللقاء في المغارة” ص505، “7تموز وما بعدها 67، حافة البئر” ص551، وكهذا، وهذا ما جعل زمنها محدد بوضوح وغير قابل للتمدد.
    من هنا نجد عقلية المجتمع وطريقة تفكيره محافظة ومرتبطة بالدين: “أنا عرفت ليش البركة خفت، وليش اليهود انتصرت علينا، وربنا ما نصرنا، عشان النساء أصبحن كاسيات عاريات” ص314، فهذه السطحية في تناول أسباب الهزيمة تبين (سذاجة) التفكير، وكيف أن بعضهم يحلل ويستنتج بطريقة خاطئة.
    وعن واقع الحرب وكيف كانت أحوال الجيش الأردني أثناء الحرب: “قال القائد: “لا مش تاركينهم، سنعود وننقلهن، أحنا بدنا ننزل من عند بلدكم على الغور، ونطلع على القدس، ومن الصعب أن تنزل الناقلة بهذه الدبابات في المتعرجات والمنعطفات.
    طلب الضابط من المختار أن يمدوا الجنود بالمؤن، فلقد انقطع الإمداد عن الجيش” ص392، وهذا يعطي دلالة إلى عدم التحضير الجيد للمعركة، وعلى أن قيادة الجيش لا تهتم بجنودها ولا بالمعركة التي يخوضها الجنود.
    من هنا كانت جيش الاحتلال يتقدم بكل سهولة ويطوق هؤلاء الجنود الذي يفتقدون إلى أبسط متطلبات الجيش، المؤن: “…وإذا بالمنشور مكتوب بالعربي: “باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، ندعو جنود وضباط الجيش الأردني لإلقاء السلاح والاستسلام، والنجاة بأرواحهم، ولا فائدة من المقاومة، لأن جيش الدفاع قادم لا محالة” ص395و396، وهذا ما دفع بالجنود لترك ساحة المعركة والتوجه نحو الشرق تاركي أسلحتهم: “…صادفهم ثلاث رجال لابسين لباسا عسكريا، وبدون سلاح وكانوا متعبين، حتى انهم رموا أنفسهم تحت ظل زيتونة بالقرب من ساقها” ص404، وتأكيدا على أن هناك جواسيس قدموا كل ما يلزم من معلومات لقوات الاحتلال، مما مهد وسهل عملية احتلال بقية فلسطين: “..أخذوا البرمجي…ما أنت عارف يا مختار كيف أجى على البلد؟، أبصر من أين جابوه الإنجليزـ وزرعوه لنا في البلد؟…وبعد الإنجليز ظل على علاقة مع فرسان الأردن، والآن أكيد بده يكون على علاقة مع اليهود” ص422. بهذا الشكل يكون العنوان الرواية منسجم مع أحداثها ومكانها وزمانها.
    لغة الشخصيات
    ما يحسب للرواية أن لغة شخصيات كانت منسجمة مع طبيعتها/تكوينها، وهذا ما نجده في حوارتها وحديثها، فنجد حديث “أم نصير” بسيط وشعبي: “حتى خلعني شلوط برجله على خاصرتي، وأنا صحت وصرخت من حم الضرية، وكانت هاي أول مرة يضربني فيها” ص321، فالبساطة والعادية واضحة في حديثها، كما أن اللهجة المحكة تتماثل مع طريقة حديث سكان الغور.
    أما لغة “والد فتى الغور “أبو نسر” فكانت بهذا الشكل: “..لكن أخته طلبت خريطة قمح فوق سعرها وقلنا لها حلت البركة” ص447، نلاحظ أن هناك توافق كاملا بين ما جاء على لسان “أبو ونسر” وبين ما يتحدث به أهل الغور، لكن هناك أخطاء وقع فها السارد عندما جعل لغة “فتى الغور” تتجاوز سنة: “الحمد لله وصلنا إلى البئر قبل أن صدر الرعاة لأن بعضهم لا يؤتمن جانبهم، فأنا عندي خبره في الغور” ص525، هذه اللغة أعلى من لغة طفل، ولم تقتصر اللغة العالية على الطفل “نصير” بل تعداه إلى الطفلة “عبير” التي تحدثت بهذه اللغة: “أنت قلت إنك تعرف الغور، فهل من ماء معين لنا هنا وقريب في الغور قبل أن تجف أجسامنا ونهلك؟” ص546، بهذا يكون الساد قد أتقن إنطاق بعض الشخصيات وأخفق في أخرى.

    لغة السرد ولغة الشخصيات
    السارد العليم يستخدم التناص القرآني في أكثر من موضع في الرواية، وهذا ما جعل لغة السرد تتباين مع لغة الشخصيات، لكن هناك بعض المواضع أخفق فيها السارد العليم الفصل بين لغته الروائية ولغة الشخصيات، بحيث كانت لغته متماثلة تماما مع لغة الشخصيات: “…وكان مكان مخصص لنصير ليستلقي على ظهرها حاملا إبريق الشاي ليتمضمض بالماء المالح كل نصف ساعة مرة، وهو متعجب كيف ستتحقق أمنيته في أن يخش إلى المدينة” ص359، فعبارة “يخش إلى المدينة” من المفترض تأتي على لسان نصير أو أحد الشخصيات، لكن أن تأتي من خلال السارد الرئيس فهذا يعد تداخل وتماثل في لغة السرد، ولا يخدم اللغة الروائية.
    التكرار وضعف اللغة
    ونلاحظ أن هناك تكرار لبعض الألفاظ أكثر من مرة في الفقرة والواحدة، وهذا انعكس على جمالة اللغة الروائية، بحث بدى السارد وكأنه (أسير) للحدث/للشخصية/للمكان/ من الأمثلة على التكرار هذه الفقرة: “فرحت الحمير بهذا التجمع فأطلق الذكور نهيقهم، والإناث علوجها للذكور، وأخذت الحمير يوم راحة في العمر، واستراح سائقوها من التعب والتحميل والسير، كانت الحمير تقطر مؤخراتها وأسافل بطونها دما أما من الضرب، وإما أنها تبول دما من حر تموز” ص497، نلاحظ تكرار لفظ “الحمير” ثلاث مرات، وأيضا عدم استخدام اللفظ الصحيح لأنثى الحمير “أتان” وهذا اضعف النص الروائي وأفقده جمالية اللغة.
    ومن الأمثلة الأخرى هذا المشهد: “وصل نصير إلى بداية نزلة عقبة “أبو سليم”. لم تكن هناك حمير محملة بالقمح وطالعة للبلد، بل كان هناك حمير نازلة، وناس تمشي خلف الحمير ببطء وتعب، يتقدمهم الحمار المحمل ومن خلفه الرجل” ص515، أيضا نجد تكرار للفظ الحمير، وعدم رسم المشهد بصور أدبية، فكان يمكن للسارد أن يقدم الحدث من خلال لغة أخر تمتع القارئ وتجعله يعيش المشهد الريفي بكل ما فيه.
    كما نجد تكرار ذكر المكان بطريقة مزعجة: “كانت الحمارة قادرة على أن تصل إلى البئر، وكان نصير وعبير قد وصلا أيضا إلى نفس البئر، ومن أول الحمار للبئر هو أوصلهما إليه” ص553، هنا اللغة فقدت جماليتها الأدبية، كما أن تكرار “البئر، تصل/وصلا/أوصلها” أضعف المشهد وشوه الصورة الأدبية.
    حجم الرواية
    التكرار انعكس على حجم الرواية، وجعله يأخذ حجما أكبر، 572 صفحة، فهناك بعض الفصول والفقرات كان يمكن الاستغناء عنها دون أن يؤثر ذلك على جوهر أو شكل الرواية، خاصة أن القراء في عصر النت والسرعة يميلون للنصوص القصيرة أكثر من الطويلة.
    الرواية من منشورات الآن ناشرون، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2022.