سميحة خريس: الرواية التاريخية تمثل تحديا معرفيا

سميحة خريس: الرواية التاريخية تمثل تحديا معرفيا


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    “الجزيرة” القطرية

    قالت الروائية الأردنية سميحة خريس الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية عام 2017عن روايتها “فستق عبيد” إن عملها السردي المتوج يفصح عن جوانب شديدة الحساسية في علاقة الجلاد بالضحية حينما تتنازعهما مشاعر الحب والكراهية التي يعجز الانسان عن فصلها ويظل متشبثا بحلم بعيد يدور حول الحرية.

    الروائية المولودة في عمان وصدر لها قبل ذلك “شجرة الأبانوس”، و”شجرة الفهود”، و”خشخاش”، و”الطوفان” بينت أن روايتها تتناول قضية في بلد بعيد كالسودان وغامض بالنسبة للكثير من العرب، ولكن ما سهل الأمر أنها عاشت زمنا من حياتها فيه “لكن هذا الاقتراب لم يكن كافيا لينسج أحداث رواية، خاصة أني أعنى عادة بأدق التفاصيل، وأؤمن بأن الرواية يجب أن تلج جوانيات الإنسان”.

    واعترفت خريس الحاصلة على بكالوريوس علم اجتماع من القاهرة بأن اختيار الكتابة عن الموضوع السوداني وضعها أمام البحث في جذور معقدة، وهي قضية الرق، وبالتالي لم تعد الرواية عن السودان فحسب، بل اتسعت للتصدي لقضية أفريقية وإنسانية عن ظلم الإنسان للإنسان.

    وعن الرسالة التي تريد الرواية قولها، لفتت عضوة رابطة الكتاب الأردنيين إلى أن مهمة “فستق عبيد” كانت البحث عن جذور مسألة الرق، مركزة على الجغرافيا السودانية كنموذج لما عانته أفريقيا وغيرها من بلدان العالم.

    وقالت خريس “إن الرسالة التي تحملها الرواية بمقدار ما تدين عبودية الإنسان فإنها تدين كل الأقوياء الذين باعوا واشتروا وتاجروا في الإنسان، فالرواية تفحص مسألة العبودية من جوانب جديدة حين يكون السيد نفسه عبدا، وحين يتمكن العبد من الحياة بروح سيد، إنها تنبيه لكل فرد منا أن في إهابه عبدا وسيدا”.

    المرأة وعذابات أفريقيا
    وتتوقف الروائية الحائزة على جائزة الدولة التقديرية للآداب عام 2014 عند موضوع المرأة التي تحضر بقوة في أعمالها، وتحديدا في “فستق عبيد” حيث تحمل عذابات أفريقيا كلها وتتعرض لاغتيال إنسانيتها وإهدار كرامتها.

    وقالت خريس إن تلك المرأة تتمتع بروح وكبرياء عالية تجتاز معها أوجاعها ومآسيها، لافتة إلى أن هذا ليس مفتعلا في النص بل لأن طبيعة الناس الذين كتبت عنهم كانت تحتمل مثل هذه النماذج العفوية القوية القادرة على مواجهة العالم.

    وأشارت إلى أنها منذ الرواية الأولى “الأبانوس” التي استندت إلى نموذج “الحكامة”، وهي امرأة تعيش غرب السودان في كل تجمع سكاني، تكون لها الكلمة العليا، هي صاحبة الحكمة وفنانة القبيلة والشاعرة وحافظة القرآن، وهذا نموذج واقعي لا مثيل له عربيا، ثم جاءت الجدة الأولى في الرواية الثانية لتكمل مسيرة القوة عبر بحر عاصف من الضعف والاستغلال، فالرواية -بحسب الكاتبة- استعانت بالكشف الروحي وبحدس المرأة لتفهم العالم من حولها، ولتكبر على الجراح وتسامح وتحب.

    وعلى الرغم من أن أحداث الرواية تبدأ زمن الثورة المهدية 1843 وتستمر طوال فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1948) وبعدها بقليل فإن الرواية تطرح قضية راهنة في العقد الثاني من القرن الـ21 التي تناقش مفهوم الحرية والعبودية، وراهنية الحدث تتجلى بما تم اكتشافه مؤخرا من شبكات دولية تتاجر بالبشر وتحتجزهم في زرائب كالأغنام، فالعبودية بكل أشكالها لم تنتهِ، عبودية الجسد والفكر والقرار والإرادة.

    الجلاد والضحية
    وأوضحت خريس التي صدر لها في القصة “أوركسترا”، و”مع الأرض” أن العلاقة بين “فستق عبيد” وروايتها السابقة “الأبانوس” ارتباطهما بوشائج كثيرة كمشروع واحد ولكنه أنجز منفصلا، ويمكن قراءة الروايتين لاستكمال الصورة تاريخيا حيث إنهما تتناولان حياة أناس من منطقة واحدة وأحيانا تربطهم علاقات عائلية.

    وفسرت تناوبات الخيال والواقع وفكرة الرواية التاريخية بتأثير ثقل الواقع الجاثم على النص، مؤكدة أن لا شيء حدث على الورق لم يحدث في الحياة، ولكن تركيب الشخوص وتتابع الأحداث والاجتهادات بشأن العصف الداخلي للإنسان المقهور والقاهر كانت من تصميم مخيلتي.

    وأشارت خريس إلى أن الكاتب يستعير من الحياة أدواته، مستدركة بأن عليه أن يملأ الماعون بما يفيض من مخيلته واقتراحاته، فالرواية التاريخية تمثل تحديا معرفيا يستكمله الكاتب بالبحث والدراسة، ويتوجب عليه اجتيازه بإضافة تصوراته الخاصة وقراءاته المتفردة لوقائع التاريخ، إنه يقدم اقتراحا فكريا وفنيا على الحياة.

    وعن حصولها عام 2017 على جائزة كتارا للرواية العربية، قالت الكاتبة الأردنية إن تلك الجائزة تعد واحدة من الجوائز العربية التي تحظى بمصداقية كبيرة لدى المثقف العربي، لافتة إلى أن الجوائز تحمل المبدع مسؤولية مضاعفة.