طبعة ثالثة ل”وادي الصفصافة” للروائي احمد فراس الطراونة .. القص بروح الدراما

طبعة ثالثة ل”وادي الصفصافة” للروائي احمد فراس الطراونة .. القص بروح الدراما


class="inline-block portfolio-desc">portfolio

text

    فيلادلفيا نيوز

    وعن الرواية، يقول د. يوسف الربابعة “وادي الصفصافة مكان كبقية الأمكنة، لكن له ذكريات خاصة سطرها تاريخ كانت أيامه تشهد مخاض ميلاد جديد أو موت قديم، لكنه كان استثنائيا بكل معنى الكلمة، فهو الذي استقبل أجساد الشهداء وأرواحهم حين هوت بكل أنفة من أعلى القلعة، لتروي عروق الصفصافة التي عانقت السماء فرحا بمقدمهم”.
    ويضيف أيضاً “تبدو وادي الصفصافة أقرب إلى العمل الدرامي الذي يمسك بالتفاصيل والأحداث والحوار، وتصبح عملية تحويلها إلى عمل مسرحي سهلة وممكنة”، “هكذا تبدأ الحكاية؛ حكاية الوادي، وحكاية المدينة التي أنهكها الجوع وفتكت بأوصالها الحاجة والضرائب والمكوس التي فرضتها الدولة العثمانية على الفلاحين والمزارعين وأثقلت كاهلهم، فلا يستطيعون لها سدادا، وهنا يبدأ الناس يتململون في سرية دون جهر، ويأخذ الحديث بينهم يزداد حول الدولة وظلمها وحالتهم، والأمن ورجاله وما يفعلون بالبلاد والعباد، ويعمق الكاتب المعنى وإيصال الرسالة التي يسعى إليها من خلال مغناة شعبية يمكن أن تؤدى بشكل جماعي:”يومن طلعنا حراثين/نحرث قمح زغيبية/ولنا بالضابط يرف/يرف رفيف الحدية/يا سالم واذبح الترك/الترك ما هو خطية/والله ما خوفي من الضابط/أيام الحبس ردية (ص 16)”.
    أما الاديب نايف النوايسة فوصفها قائلاً: “فنية عالية … ومضمون حسّاس” وقال أيضاً في شهادة ابداعية: “ليس من السهل قراءة عمل روائي تماسّ مع الأحداث التاريخية والأشخاص الذين صنعوا تلك الأحداث، أما نحن الذين نتزامن مع هذه الأحداث ونقرأ من سير الأشخاص أوراقا ونلمس من آثارهم ما يستوقف فعلينا أن نعيد النظر مرات ومرات؛ فالمعاصرة حاجز واقتحام الأحداث المعاصرة يحتاج إلى دقة ودراية بأمور الناس وخواطرهم .. فضلا عن الفنية العالية المتبعة في هذا العمل”.
    تكمن الصعوبة في العمل الروائي الذي يستند إلى أحداث تاريخية  -ذكرها مؤرخ ما كوقائع مرتبة على منهج له فلسفته-   بضرورة الركض في مضمارين انطلقا من نقطة واحدة وينتهيان إلى نقطة واحدة أيضاً.. وهذا لعمل الذي اعنيه هو الذي أنجزه الروائي الأستاذ احمد الطراونة بعنوان “وادي الصفصافة”.
    إن الدخول الى فضاء الرواية يحتاج الى التنبه الى الثنائية الظاهرة في هذا الفضاء وقد خدمت هذا الاسلوب الرواية في تسليط اضواء كاشفة على العديد من المفاصل التي تتشكل منها الرواية؛ احمد ووالده ثم احمد وحشمت، واحمد وامه ، وحسن وبدر، والمتصرف وقائد الحامية، ووالي الشام وسامي باشا الفاروقي ، ودمشق والكرك.. كل هذه الكتل تتحرك لتخلق حالة ذهنية خاصة، وقد لا يلمس القارئ ذلك الا اذا انتهى من قراءة الرواية واستذكر منها ما يساعد على التحليل ..
    ما بعد تخطّي العتبة الاولى  يصبح احمد /الشخصية الرئيسة في الرواية وجها لوجه امام محركات السرد .. الصندوق هو بؤرة الانبثاق الى المضمارين .. الصندوق بأوراقه هو الصفصافة بواديها ؛ وخطورة ما يخفي الوادي ببطنه يتعادل مع ما يخفي الصندوق باوراقه ..ما بين المكانين تشابه كبير في المستوى الصوتي الذي تحققه حروف الكلمات ودلالاتها النفسية ؛ فالصندوق بغموضه وفضائحية حروفه لا يقل تأثيرا عمّا يترشّح من دلالات من كلمتي وادي الصفصافة”.
    أما القاص سمير الشريف فقد أشاد بالموضوعية والتوثيق في رواية «وادي الصفصافة”، وقال أيضاً: “على غير عثرات البدايات والإصدار الأول ،ولدت تجربة  أحمد الطراونة ناضجة متماسكة بنسبة كبيرة”، “رواية “وادي الصفصافة” التي عالجت هبة الكرك ضد الأتراك عام 1910 تمثل منهجا في الكشف والتعرية لفترة من الحكم التركي تميزت بالبطش والطيش، سيطر فيها الطورانيون المتعصبون.
    ارتبط الشكل بالمضمون بالمكان الذي منح النص خصوصية جاذبة مع سيطرة أحادية الخطاب السردي/دكتور أحمد،  وتوظيف اللهجة المحكية والمثل، الشعبي والشعر، ملونا المكان والفترة التاريخية موضوع العمل الأدبي بنكهة ومذاقاً مميزاً.
    ظهر خلال النص الإبداعي انبثاق الخط التاريخي متساوقا مع الخط المعاصر في تبادل إضاءة الأدوار كأنما يستثمر النص لعبة تبادل اللقطات التي تخفف من رتابة السرد التاريخي وتمنح المتلقي فرصة للمقابلة والمقارنة والاستنتاج”.
    وممن كتب عن رواية “وادي الصفصافة” أيضاً الناقدة الراحلة د.رفقة دودين حيث قالت: “لعل توظيف الحوار تقنية كاشفة لمحتوى والسجالات من أهم ما امتازت به وهي  رواية أحمد الطروانة الموسومة “وادي الصفصافة”، التي تؤرخ سيرة مدينة الكرك في أواخر العهد العثماني، حيث تهيأت ظروفها الموضوعية لتكون أول من يثور على الإمبراطورية العثمانية، في أعقاب سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها السلطات العثمانية لمعاقبة أهالي الكرك، وقطع المعونات والإمدادات عنهم وعن شيوخهم تحت دعاوى الإصلاحات في الدولة المترامية الأطراف والتي شبهت بالرجل المريض، وحيث باتت محاولات إصلاحها وتخليص مواطنيها من الفقر والجهل وتوطيد القانون والأمن في أطرافها مثار تندر الطلبة في دمشق الذين صوروا ذلك على الجدران بطريقة كاريكاتيرية مضحكة”.
    وأشادت دودين أيضاً: “فمصداقية النص، وحاضنته التاريخية، وطلوعه من حنايا جغرافيا، وتاريخ سابق، يملي أطروحة الخصوصيات الحضارية المتعلقة باللغة، والعادات، والتقاليد، ومنظومة القيم التي تسير أمر الجماعة عبر توافقات وإذعانات طويلة الأمد”