“البوابة”
تدون الروائية الأردنية ريما إبراهيم حمود في روايتها الصادرة عن “الآن ناشرون موزعون” بعنوان “ظلال الأزرق الخائف” مشاهد الحرب الأهلية التي تقع في مكان ما دون تسمية، ولم تحدده بزمان.
تصور خلال ذلك الذعر الذي يصيب الإنسان الذي يختلط فيه العدو مع الصديق حتى لا يستطيع معه معرفة القاتل من المقتول.
تسرد حمود فصول روايتها من خلال حكايات مجموعة من النساء، ولكل واحدة فيها حكاية رغم اجتماعهن في مكان واحد، هو القبو الذي تلقي عليه الكاتبة مسحة إنسانية تتيح له أن يسرد قصته منذ أن كان حفرة حتى اعتلاه البناء ليكون خندقا لحماية عدد من الأسر اتّقاء للقصف والرصاص الذي يحمل الموت للناس.
وغدا القبو صورة عن الناس بذكرياتهم وروائحهم وحكاياتهم وخوفهم، فكما عاشوا فيه، فقد بقي في ذاكرتهم من خلال الحياة التي عاشوها فيه، حياة لا تشبه الحياة.
ومن بين النساء اللواتي يسردن الحكاية التي تتقاطع مع قصصهن، يبرز حسن الشاب العبقري الذي درس في أميركا، ولكن صدمة زواج ابنة عمه منال التي كان يحبها وعاد ليجدها قد أجبرت على الزواج من رجل آخر تودي بعقله، فيسوح في الشوارع صارخا باسمها، فيما يلحق به الأطفال وهم يرددون حسن المجنون.
علياء الممرضة الهاربة من قصة حب فاشلة، ومن عائلتها التي تريد أن تقتص منها بسبب تمردها تلتقي مع حسن المجنون الذي ينخرط في الجماعات المسلحة، ويعقد قرانه عليها، لتكتشف أنه متورط في القتل.
وفاطمة العاقر تختار لزوجها أبو أحمد فتاة اسمها مريم لينجب منها طفلا، ولكنه يتعرض للاختطاف ثم التصفية من إحدى الجماعات العسكرية، ليقرر عم الفتاة وزوجته إجبارها على ترك ابنها والزواج من آخر، بينما تصل نور التي يزوجها أهلها لرجل لاجئ يقيم في ألمانيا دون أن تعرفه، ولكنها تتعرض للاختفاء الذي يوقعها في الخطيئة.وتعتمد الروائية، في روايتها التي تقع في 188 صفحة من القطع الوسط، في السرد على رمزيتي القبو الذي تدور فيه الحكاية، ودلالات اللون الأزرق بإحالاته المختلفة.
فالقبو يمثل الانقطاع عن العالم والعزلة والفوضى التي يختلط فيها المجتمع القهري بكل تناقضاته وصراعاته، وهو حبس، وملجأ للوقاية من الخوف والتواري عن الخطر المحيط، وهو في الجانب الدلالي للمكان ينسحب على السقوط و”السفلانية” والتحت أرضي، بما يحمل من تلوث وعتمة وضيق تفرضه الحرب الأهلية التي تدفع الناس لدفن أنفسهم تحت الأرض.
أما الجانب الأخر والذي تجلى في العنوان، فهو يتعلق بدلالة اللون الأزرق، والذي تمثل في العنوان الذي اختارته من جملة تقع في المتن “كان الأزرق في عينيه خافتا”، ص80، لتحوره إلى “ظلال الأزرق الخائف” لينطوي العنوان كعتبة دلالية على ثلاثة أبعاد تشكل العنوان، وهي الظلال، الحال الوهمية، والأزرق الحالة الفيزيائية للون بوصفه ضوءا، والحالة السيكولوجية التي تتصل بمشاعر الخوف.
وكان اللون الأزرق بدلالته الصريحة ووغير الصريحة هي أكثر المفردات تداولا في الرواية، تنورة زقاء، قميص أززرق، عينان زرقاوان، سيارة تويوتا زرقا، بنطلون جينز أزرق، قماش أزرق، حقيبة زرقاء، سماء، بحر..
وعلى تعدد دلالات الأزرق في كونه اللون الفريد الامبراطوري، ولون العمق والهدوء والسماوي، إلا أن الروائية ذهبت للمعنى التراثي بما ينطوي عليه الأزرق من حقد، فيقال في المثل الشعبي جمل أزرق، لثأريته، وفي خفاء الجريمة عندما تختلط فلا يعرف القاتل من المقتول فيقال في المثل الشعبي: “ما بدري عنه الذبان الأزرق”. والأزرق هو الأثر للكدمة على الجسد والاختناق لعدم تروية الدم للدماغ والشحوب المرضي الذي بقي معها اللون كمفتاح وعلامة روائية تقود الحدث للتمييز بين الحب والحب.وتنتهي الرواية باجتماع النساء، فاطمة، علياء ونور التي تكون معها المرأة ضحية الحرب، وظلال اللون الأزرق (الأفق/ الفضاء) حينما يجتمعن في قارب يحملهن عبر البحر في رحلة إلى المجهول هروبا من الموت الذي ينتهك أرواحهن وأجسادهن.ومن مناخات الرواية: “بدأت الأفكار تتقافز في وجهي، حسن المجنون، زوجي، عينان زرقاوان، باسم، الشرير البارد، أم حسن، الغياب، الحضور، الأزرق، الأزرق، أخوتي ، أمي، الهرب، أحبه، خائن، مجنون، مع من هو، الحرب، الحب، أنا ، الغربة..، صوت أمي الذي لم أسمعه منذ زمن يخترق عاصفة الذعر: “اهربي علياء، اهربي”.يشار أن الروائية ريما حمود، تعمل معلمة لغة عربية في وزارة التربية الكويتية، صدر لها:
رواية “أيام جميلة”، 2015، ورواية “الهوية 2000″، 2017، ومجموعتين قصصيتين “جريمة عطر” ، 2013، “بالونات”، 2014.
حازت على المركز الثاني للقصة القصيرة لجائزة الشيخة سعاد الصباح لدورتها لسنة 2007/ 2008.[