“الدستور” الأردنية
يطل علينا الكاتب القادم من أعمق مكان على الأرض بعمل روائي يحكي قصص الناس المنسيين في تلك البقعة من العالم ليقول للعالم، إن البحر الميت ليس ميتاً، وإن أناساً جديرين بالحياة يعيشون عليه.
رواية الحوارات «أحياء على بحر ميت» الصادرة مؤخرا عن الآن ناشرون وموزعون، والتي تقع في 110 صفحات، تحاكي واقعا صعباً جمَّله بالخيال، بطلها راشد العبد الله، ذلك الخارق القادم من الأعماق ومن التهميش السرمدي، لبسَ بزة الدفاع المدني وأنقذ طفلين عراقيين واجها خطر الموت غرقاً في البحر الميت سنة 2015.
البطل والناجيان من غرق كان محققاً سبحوا (17)كيلومترا في ليل حالك وريح غبراء وملح أجاج، فألقت بهم البطولة إلى الجانب الغربي من البحر.
في الحكاية رمزية لمنطقة جغرافية مهمّشة ومهشّمة بفقر سكانها وأطفالها، وفيها تعريج على منحى التعليم في مدارسها القاسية، منحى الحياة التي تغرق، ومنحى العدالة الغائبة، فكان الغور كأنما بحر ميت، بينما يتشبث ساكنوه بالحياة رغم الفقر والديون، ومواسم الإحباط المتتالية.
هذه الراوية تحاكي قصة حقيقية كان بطلها الرقيب يوسف البلاونة في جهاز الدفاع المدني، الذي قام بإنقاذ طفلين شارفا على الغرق المحقق في البحر الميت وسبح بهما مسافة طويلة حتى وصلوا إلى الضفة الأخرى. القصة التي انتشرت على نطاق واسع في وسائل الإعلام في حينه.
تبدأ الرواية، بهذه السردية الجميلة: «إنه راشد العبدالله، فتىً أسمر اللون، سُمْرَتُهُ ذات مِشـربَين، أحدهما جينيّ الأثر لا إراديّ، وقلّما تجد للغور ساكناً ناصعَ البياض. والمِشـرب الآخر قد أعْمَلتْهُ شمس الغور الحارقة في جلود ساكنيه، والجلد لا ينسـى، فذاكرته طويلة المدى، ما تحفره بالجلد في الصغر يبقى دائماً يهزّكَ أو يعزّكَ في الكبر.
راشد هذا يقْبعُ جغرافيّاً في مُنْتصف حفرة الانهدام، حفرة لا تَصْلُح إلّا للمقابر الجماعيّة في أماكن أخرى ولشعوب أخرى، لكنّ ساكنيها المتعلّقين بالأرض هنا، المتشبّثين بالأمل، المثقلين بالديون، قد زرعوها بعشقٍ فأكرمتهم مطعماً ورزقاً.
تهزّهُ منذ الصباح الباكر امرأةٌ جسدها نحيل، قد أُشْبِعَ دمها بحلاوة السكّر حتى نافس حلاوة نفسها المطمئنّة. تِرْفَةٌ، امرأة مثل نساء الغور عامّة؛ يعْملنَ كما يعمل الرجال ويزيد، سمراء رفيعة، طويلة العنق، باسمةُ الثَّغر دوماً، ونادراً ما تُفارق شفتيها سـيجارة الهيْشـي.»
يذكر أن الكاتب الحوارات من مواليد 1969، الأغوار/ ديرعلا، وتحديداً على ضفاف نهر يبوق (سيل الزرقاء) الذي يمرّ في منتهاه بالقرية الوادعة الجميلة مسقط رأسه «وادي الحوارات». درس الفيزياء في الجامعة الأردنية وتخرّج فيها عام 1991، ودرس دبلوم التربية في الجامعة نفسها، ثم حصل على شهادة الماجستير في المناهج وطرق تدريس العلوم من الأردن أيضاً عام 2007. عمل بوزارة التربية والتعليم الأردنية مدرّساً للفيزياء، ثم انتقل لوزارة التربية والتعليم الإماراتيّة في مطلع العام 2000 وما يزال يعمل هناك مدرّساً ومُدرّباً فيها. نال جائزة الشارقة للتميّز التربوي عن فئة المعلّم المتميّز، 2005. وهو عضو في اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات. صدر له كتابان، هما:»الثميد.. وجدانيات وذكريات مع صحراء الشارقة»، 2015، و المجموعة القصصية «على ضفاف القصباء»،2017.